الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جمال سلامة رحل الموسيقي.. والخلود لموسيقاه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شرفت بالكتابة عن المؤلف الموسيقى الكبير أ.د جمال سلامة( 1945 -2021) مرات عديدة في حياته، وكان لى الشرف أن تحظى إحدى مقالاتى بأن تكون بين المقالات والصور التى اختار أن يضعها على حائط الأستوديو الذى شهد ميلاد أغلب موسيقاه.. ذلك المكان الذى عاش فيه السنوات الأخيرة من حياته، والذى يحمل في قلبى ذكريات لا يمكن محوها، وأنا أقضى ساعات طويلة أعزف على (الفيولا) موسيقاه الرائعة، وهو يصاحبنى على البيانو وكلانا في أقصى حالات النشوة والاستمتاع.. ولن أنسى دموعه النبيلة وهى تنساب بغزارة أثناء عزفه، حين يتذكر ذكرياته مع تلك الألحان، أو تأثرا بها وخاصة الأغانى الدينية والوطنية التى كانت أكثر ما يحرك مشاعره.. وأيضا لن أنسى ما حييت دعمه وتشجيعه، وحنانه ونصائحه التى من فرط ما تحمله من مشاعر صادقة كنت أشبهها بنصائح أمى.. وبالتأكيد لن أنسى بصماته الكثيرة في حياتي المهنية، ودوره في اكتشاف قدرات داخلي لم أكن أستشعرها.. فلي الشرف أننى ضمن تلاميذه، وممن أدركوا قيمته الكبيرة كأحد أهم المؤلفين الموسيقيين الذين أنجبتهم مصر على مر العصور، إلى جانب عشقي لموسيقاه المتنوعة والممتعة، والتى شكلت وجداني ووجدان الملايين في العالم العربى.. فهذا المبدع الكبير لم يكن مجرد ملحن كما يعتقد البعض، بل هو مؤلف موسيقى بالمعايير العالمية، وجمع بين الدراسة الأكاديمية الراقية، والخبرات الموسيقية المتنوعة التى إكتسبها منذ الصغر(سواء كطالب في الكونسرفتوار، أو من خلال نشأته في شارع محمد على الذى إشتهر بضمه للموسيقيين وأهل الطرب، أو بالعزف مع الفرق الأجنبية المقيمة في مصر، أو ممارسة الموسيقى الشرقية في المناسبات المختلفة) مع الموهبة الفطرية التى ورثها عن عائلته الفنية، فوالده هو عازف الترومبيت/حافظ سلامة. 
والذى دفعه لدراسة الموسيقى العالمية، وتمنى أن يحقق حلمه بأن يصبح مؤلفا عالميا، كذلك كان شقيقه الأكبر الملحن وعازف الأكورديون الشهير فاروق سلامة، والذى يعد من أبرع الموسيقيين في العزف الشرقى..لذلك مزجت موسيقى جمال سلامة بين الروح الشرقية والهوية المصرية الواضحة، مع أساليب التأليف الرصينة التى إكتسبها من دراسته لعلوم التأليف الموسيقى.. وقد ظهرت موهبة جمال سلامة المتقدة منذ دراسته المبكرة في كونسرفتوار القاهرة، حتى أنه حين حصل على الدرجات النهائية في بعض علوم التأليف الموسيقى في إحدى السنوات -ولم يكن معتادا أن يحصل طالب على تلك الدرجات- شك المسئولين في الكونسرفتوار في النتيجة، وطلبوا منه إعادة الامتحان، وكانت النتيجة حصوله على الدرجات النهائية مجددا، لذلك شجعوه فيما بعد على السفر لاستكمال دراساته العليا في كونسرفتوار تشايكوفسكي في موسكو، وتتلمذ هناك على يد المؤلف الموسيقى العالمى آرام خاتشادوريان(١٩٠٣-١٩٧٨) والذى أبدى إعجابه بموهبة تلميذه المصرى وعبقريته في تأليف جمل موسيقية جميلة، ولقبه بجلينكا العرب -وجلينكا (١٨٠٤- ١٨٥٧) هو من أشهر المؤلفين الروس على مدى التاريخ، ويلقب بأنه الأب للموسيقى الروسية الأكاديمية- وبالفعل حصل جمال سلامة على أعلى شهادة في التأليف الموسيقى من موسكو عام ١٩٧٦..وقرر العودة لمصر التى كان قد حقق فيها قبل سفره شهرة كبيرة بوضع موسيقى تصويرية لبعض الأفلام المهمة وتلحين بعض الأغانى، رغم أن أستاذه خاتشادوريان كان قد نصحه بالاستقرار هناك والانضمام لجمعية المؤلفين في روسيا ليبدأ مشواره كموسيقى عالمى يتخصص في تأليف الأوبرات والباليهات.. ربما يكون قد شعر بالندم عن ذلك القرار في بعض الأحيان، إلا أنه لا شك قدم للفن المصرى والعربى بصمة لا تمح، وطور الموسيقى المصرية من خلال ما قدمه من مؤلفات موسيقية وأغانى وموسيقى للأفلام والدراما..هذا العملاق فنا وقلبا أراد الله تعالى أن يكون وباء كورونا اللعين سببا في حرماننا منه، رغم أنه ظل لسنوات يصارع أمراض كثيرة لم تستطع أن تهزمه..ولكنها إرادة العلى القدير الذى اختار أن يقبض روحه في أجمل أيام الشهر الفضيل، في العشر الأواخر والجمعة الأخيرة من رمضان، وهو ما يواسي كل من أحبه على ألم الفقدان..أشعر بتقصيرى نحوه، لعدم إنهائى كتابى عنه، والذى كنت أتمنى أن يصدر في حياته، وخاصة أننى قمت بتسجيل ساعات طويلة معه عن بداياته وحياته وذكرياته، كما منحنى في آخر لقاء جمعنى به صورة من القائمة الموثقة بجمعية المؤلفين والملحنين للمئات من أعماله الموسيقية(موسيقى بحتة، وأفلام، ومسلسلات، ومسرحيات، وأغانى) كى أنشرها في الكتاب الذى كان مهتما بصدوره..وأتمنى أن يسامحني الله على تقصيرى -رغما عنى- في حقه في أيامه الأخيرة، ولا أملك الآن سوى أن أدعو الله له من قلبى أن يتغمده برحمته ويجازيه عن محبته وحنانه وإبداعه خير الجزاء.