الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

حكايات مجهولة.. فارس يواجه 70 لصًا قطعوا عليه الطريق

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حكى القاضي التنوخي المتوفي 384 للهجرة، حكاية سمعها عن الشاعر البصري سعد بن محمد الأزدي، التي تروى قصة عجيبة كانت سببا في توبة لص يقال له أبو على الكردي، فهذا الأخير يتذكر الحادثة الأخيرة له في اللصوصية وقطع الطريق، عندما هجم في 70 رجلا على رجل واحد يحمل معه 12 حملا من الثياب، ومعه جارية في قبة عليها حُلي ثقيل، وثبوا عليه وقيدوه وأخذوا ما معه.
وكان للرجل المقيد فرس أصفر لا تساوي 200 درهم، ولما رآنا نُرِيد القفول، قَال: يَا فتيَان، هنأكم الله بِمَا أَخَذْتُم، وَلَكِنِّي رجل حَاج، بعيد الدَّار، فَلَا تتعرضوا لسخط الله بمنعي من الْحَج، وَأما المَال فَيذْهب وَيَجِيء، وتعلمون، أَنه لَا نجاة لي إِلَّا على هَذَا البرذون، فاتركوه لي، فَلَيْسَ يبين ثمنه فِي الْغَنِيمَة الَّتِي أخذتموها، فتشاورنا على ذَلِك.
تشاور اللصوص وانقسموا، منهم من يرى أن لو كان له عمرا فسوف يقيض له من يحل كتافه ويحمله، ومنهم من رق لكونه من الحجيج، وعملوا على رضاء البقية فسمحوا له بالبرذون، فعاد الرجل يقول: يَا فتيَان، قد مننتم عَليّ، وأحسنتم إِلَيّ، ورددتم دَابَّتي، وأخشى إِذا أَنا سرت أَن يَأْخُذهَا غَيْركُمْ، فأعطوني قَوس ونشابي، أذب بهَا عَن نَفسِي وَعَن فرسي. فَقَالَ بَعْضنَا: وَمَا مِقْدَار قَوس قِيمَته دِرْهَمَانِ، وَمَا نخشى من مثل هَذَا؟ فأعطيناه قوسه ونشابه، وَقُلْنَا لَهُ: انْصَرف، فشكرنا، ودعا لنا، وَمضى حَتَّى غَابَ عَن أَعيننَا. فَمَا كدنا نسير، وَالْجَارِيَة تبْكي، وَتقول: أَنا حرَّة، وَلَا يحل لكم أَن تأخذوني.. وَإِذا بِالرجلِ قد كرّ رَاجعا، وَقَالَ: يَا فتيَان، أَنا لكم نَاصح، فَإِنَّكُم قد أَحْسَنْتُم إِلَيّ، وَلَا بُد لي من مكافأتكم على إحسانكم، بنصيحتي لكم.
فَقُلْنَا: وَمَا نصيحتك؟
فَقَالَ: دعوا مَا فِي أيدكم، وَانْصَرفُوا سَالِمين بِأَنْفُسِكُمْ، وَلكم الْفضل، فَإِنَّكُم مننتم على رجل وَاحِد، وَأَنا أَمن على سبعين رجلا، وَإِذا هُوَ قد انقلبت عَيناهُ فِي وَجهه، وَخرج الزّبد من أشداقه، وَصَارَ كَالْجمَلِ الهائج.
فهزأنا بِهِ، وضحكنا عَلَيْهِ، وَلم نلتفت إِلَى كَلَامه، فَأَعَادَ علينا النَّصِيحَة، وَقَالَ: يَا قوم قد مننت عَلَيْكُم، فَلَا تجْعَلُوا لي إِلَى أرواحكم سَبِيلا.
فَزَاد غيظنا عَلَيْهِ، فقصدناه، وحملنا عَلَيْهِ، فانحاز منا، وَرمى بِخمْس نشابات، كَانَت بِيَدِهِ، فَقتل بهَا منا خَمْسَة، وَاحِدًا، وَاحِدًا.
وَقَالَ: إِن جماعتكم تَمُوت على هَذَا، إِن لم تخلوا عَمَّا فِي أَيْدِيكُم.
فَلم نزل ندافعه، وَيقتل منا، حَتَّى قتل ثَلَاثِينَ رجلا، وَبَقِي مَعَه نشاب فِي جعبته.
فَقُلْنَا: أما ترَوْنَ وَيحكم أَنه لم يخطأ لَهُ سهم وَاحِد؟ وأحجمت الْجَمَاعَة عَنهُ، وأفرجنا عَن الْجمال والقبة، فَصَارَ القطار فِي حوزته.
فتنكس وَنحن نرَاهُ، ففتق عدلا بِسيف أخرجه من رَحْله، وَأخرج مِنْهُ جعبة نشاب، وأراناها، فَلَمَّا رَأينَا مَا صَار إِلَيْهِ من النشاب يأسنا مِنْهُ وولينا عَنهُ.
فَقَالَ: يَا فتيَان، سألتكم هَذَا فَلم تُجِيبُونِي إِلَيْهِ فَمن نزل عَن دَابَّته فَهُوَ آمن، وَمن أحب أَن يكون فَارِسًا، فَهُوَ بِشَأْنِهِ أبْصر.
فشددنا عَلَيْهِ، فَقتل منا جمَاعَة، فاضطررنا إِلَى أَن ترجلنا، فحاز دوابنا وَحده، وساقها قَلِيلا.
ثمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: أطالبكم بحكمكم، من رمى سلاحه فَهُوَ آمن، وَمن تمسك بِهِ فَهُوَ أبْصر، فرمينا سِلَاحنَا. فَقَالَ: امضوا سَالِمين آمِنين، فَأخذ جَمِيع السِّلَاح وَالدَّوَاب، وَإِنَّا لندعوها بأسمائها، فتشذ عَنهُ، فيرميها فيصرعها، حَتَّى قتل مِنْهَا جمَاعَة، وفاتتنا الْغَنِيمَة، وَالسِّلَاح. وَكَانَ ذَلِك سَبَب تَوْبَتِي، أَنَفَة لما لحقنا مِنْه.