الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مائة بيت من الشعر العربي القديم.. الأعشى "29"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.

29 – الأعشى
" كناطحٍ صخرةً يوما ليوهنها
فلم يُضرها وأوهى قرنه الوعلُ "
في بيت الأعشى حكمة ظاهرية لا يصعب الوصول إليها، قوامها لعنة العناد الذي يختلط بالجهل والغباء، ويفضي بالضرورة إلى سلوك عبثي لا محصول له إلا التعب. كيف لقرون الوعل أن تخدش وتضير صخرة صلبة تستعصي على ضربات واهنة واهية لا تقوى على إلحاق الأذى؟. قد يرتقي المعنى الظاهر ليشير إلى الإنسان الذي يقوم بمهمة مستحيلة، في مبارزة غير متكافئة ومباراة لا ندية فيها ولا أمل في تحقيق الانتصار.
ما الذي يحول دون المزيد من التحليق، وتجاوز الأطر المادية التقليدية الأكثر شيوعا في التعامل مع البيت؟. أليست معركة الإنسان مع الوجود وألغازه القاسية بمثابة إعادة إنتاج لفكرة الوعل الذي يشتبك بقرنه الهزيل الهش المتواضع مع صخرة صماء يستحيل تحطيمها بمثل هذه الأداة الضعيفة؟.
ما يهدف إليه الشاعر ليس ملزما للقارىء، فقد يجد في النص ما لا يراه المبدع نفسه. الحياة صخرة خرافية لا تدرك العين أبعادها الخارقة، والإنسان يشبه الوعل الساذج. كلاهما يغتر بالقليل الذي يملكه ويتوهمه كثيرا: القرن والعقل.
ينفق المرء عمره ناطحا، مسكونا بوهم امتلاك الوعي والقدرة على الوصول إلى جوهر الحقيقة وتحطيم صخرة الألغاز، ولا يدرك إلا بعد فوات الأوان أنه يبحث عن السراب في صحراء بلا ماء أو ظل.