الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مفكرون خالدون| عائشة عبدالرحمن.. تحطيم قيود المجتمع

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولدت عائشة عبد الرحمن وسط مناخ حضري بدمياط في ٦ نوفمبر ١٩١٣، ولكن بوادر رحلتها كانت لا تدل إطلاقًا على مدى النجاح الذي حققته؛ فبطبيعة الحال في تلك الفترة المعروفة بحرمان الفتيات من التعليم، جاء رفض والدها التحاقها بالمدرسة خلال فترة التعليم الأساسي بعد حفظها القرآن بالكُتَّاب، ولكنه سمح لها بتلقي العلم بالمنزل؛ حيث أظهرت قدرة هائلة من الاستيعاب والمعرفة.
وتقول د. عائشة إنها ليست من جيل الرائدات بل من جيل الطليعة، فالرائدات قبلها هن الاتي فتحن لها ولجيلها الأبواب، جيل الأمهات اللواتي سهرن على ترضية وإرضاء طموحهن ورعايتهن، جيل نبوية موسى، مي زيادة، عائشة التيمورية، باحثة البادية، هؤلاء كلهن فتحن لهن الأبواب، ولكن لم يدفعهن الكثير، ومع ذلك كان عليهن أن يخوضن ثلاث حركات متداخلة في وقت واحد، وطبيعة الحركات المتداخلة أن تكون متعبة بمعنى أنهن لم يفرغن من واحدة ليلتقطن أنفاسهن ثم يدخلن في الأخرى، الخروج، التعليم، العمل، المجتمع لم يكن مستعدا لاستقبال هذا التطور.
والطريق بالنسبةِ لها كان سهلًا علميًا؛ فهي تربَّت في المدرسة الإسلامية، والمدرسة الإسلامية تزوّد بكل الزاد الوافي، فلم يكن صعبًا عليها أن تدرس في الجامعة، ولكن الصعوبة كانت تكمن في وضعها كفتاة بنت شيخ في جيل يكره لبنات العلماء الظهور في الحياة العامة.
واصلت عائشة نجاحاتها بحصولها على الدكتوراة في ١٩٥٠، وكان عميد الأدب العربي طه حسين في لجنة المُناقشة لها خلال عرض رسالة الدكتوراة، ثم سافرت إلى عدد من البلدان العربية كأستاذ زائر بجامعات كثيرة، كما تقلدت منصب أستاذ التفسير والدراسات العليا بكلية الشريعة في جامعة القرويين بالمغرب، مرورًا بمنصب أستاذ آداب اللغة العربية في جامعة عين شمس بمصر.
وقد تميَّزت عائشة عبد الرحمن عن أقرانها بجمعها النادر بين الدراسة العميقة لعلوم الإنسان وعلوم العربية حيث قرَّرت البيان القرآني منهجًا للدرس البلاغي، والدلالات القرآنية منهجًا للدرس اللغوي، والشواهد القرآنية منهجًا للدرس النحوي، ومنهج علماء الحديث منهجًا للمنهج النقلي وتحقيق النصوص وتوثيقها. وكان تحقيقها للنصوص نموذجًا جيدًا في خدمة النص وتذليل ما فيه من عقبات، وتقريبه إلى القارئ والباحث بتوضيح ما فيه من غموض وتصحيح ما اعتراه من تصحيف أو تحريف. ومن أبرز ما قامت به في ذلك المجال «تحقيق رسالة الغفران»، وكتابة دراسة شاملة عنها بعنوان: «الغفران».
وحين هاجم العقاد المرأة قالت: "إن المرأة التي يتحدث عنها العقاد والتي تتردد على مجالسه لا نعرفها ولا نعرف الذين يعرفونها.. إضافة إلى ذلك.. من قال له إننا نتعلق بأن نكون طباخات أو مصممات أزياء أو نعمل مصففات شعر أو حائكات ملابس بعد أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من أستاذية في الجامعات؟!".. وقالت له: أنت لا تعرف المرأة لا زوجة ولا بنتًا ولا أختًا فهلّا عرفتها أمًا؟!"
منهجها في تفسير القرآن عبارة عن استقراء اللفظ القرآني في كل مواضع وروده للوصول إلى دلالته وعرض الظاهرة الأسلوبية على كل نظائرها في الكتاب المحكم، وتدبّر سياقها الخاص في الآية والسورة ثم سياقها العام في المصحف كلّه التماسًا لسرّه البياني. وتؤكد عائشة عبد الرحمن أن هذا المنهج ابتكره أستاذها أمين الخولي ويدور المنهج على مجموعة من الضوابط وهي:
١- التناول الموضوعي لما يراد فهمه من القرآن، ويُبدأ بجمع كل ما في الكتاب المحكم من سور وآيات في الموضوع المدروس.
٢- ترتّب الآيات فيه حسب نزولها، لمعرفة ظروف الزمان والمكان كما يستأنس بالمرويات في أسباب النزول من حيث هي قرائن لابست نزول الآية دون أن يفوت المفسّر أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي نزلت فيه الآية.
٣- في فهم دلالات الألفاظ يُقدّر أنّ العربية هي لغة القرآن، فتلتمس الدلالة اللغوية الأصلية التي تعطينا حس العربية للمادة في مختلف استعمالاتها الحسية والمجازية. ثم يصل إلى الدلالة القرآنية بجمع كل ما في القرآن من صيغ اللفظ وتدبّر سياقها الخاص في الآية والسورة وسياقها العام في القرآن كله.
٤- وفي فهم أسرار التعبير يحتكم إلى سياق النص في الكتاب المحكم ملتزمين ما يحتمله نصًا وروحًا، ويعرض عليه أقوال المفسّرين فيقبل منها ما يقبله النص.
وحصلت "عائشة" على الكثير من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب في مصر عام ١٩٧٨م، وجائزة الحكومة المصرية في الدراسات الاجتماعية، والريف المصري عام ١٩٥٦م، ووسام الكفاءة الفكرية من المملكة المغربية، وجائزة الأدب من الكويت عام ١٩٨٨م، وفازت أيضا بجائزة الملك فيصل للأدب العربي مناصفة مع الدكتورة وداد القاضي عام ١٩٩٤م.
كما منحتها العديد من المؤسسات الإسلامية عضوية لم تمنحها لغيرها من النساء مثل مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، والمجالس القومية المتخصصة، وأيضًا أَطلق اسمها على الكثير من المدارس وقاعات المحاضرات في العديد من الدول العربية.