الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لن أصون السر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دائما ما أتخيل وجوها وأشكالا بتفاصيلها الدقيقة على ستائري المخملية المنسدلة برفق فوق نافذتي المطلة على حديقة صغيرة تمرح فيها أصوات الطيور.
أشعر بأناملي وهي تتحرك مع منحنياتها وكأن الفرشاة بيدي وكأنني أرسمها بالفعل، تلك الوجوه والأشكال فريدة في جمالها لو تعلمون، أحاول جاهدة من فرط جمالها أن أحتفظ بها طويلا في ذاكرتي، أرسمها على الورق لكنها لا تبدو بالجمال نفسه الذي أراها به حيث تخونني يدي في دقة التفاصيل، بمرور الوقت تذهب رغما عني إلى حدائق النسيان.
المثير للدهشة أنني أرى أشكالا أيضا في الغمام ..كلما دققت النظر في قوافل السحاب التي تعبر سمائي تتجسد شخصيات ووجوه وأشكال تكاد تكون حقيقية، فلا أدري هل تكون موجودة بالفعل أم هي بالنهاية من وحي خيالي، حتى أنني أرى من رحلوا يجلسون فوق تلك السحب ويلوحون لي من بعيد، وعلى الرغم من أن تفاصيل الأشكال المجسدة في سمائي ليست بالدقة التي أراها على ستائري فإنني أظل أدقق فيها حتي ترحل بعيدا وتختفي من مجال رؤيتي.
أتخيل أبي حينما كان يرسم لوحاته الزيتية وأنا طفلة صغيرة، كان يجلسني بجواره وكأنني ملهمته، تحلو لي مراقبته وهو يخلط الألوان بفرشاته حتى ينتهي من اللوحة ويذيلها بتوقيعه الذي هو لوحة فنية في حد ذاته، ما أعظمه أبي، ما أعظمه الفنان بشكل عام فالفن صوره متعددة وأنفاسه طويلة.
أحب الكلمة الحلوة واللحن الشجي وأجدني ماهرة في حفظ النغمات والأغاني وأتغنى بها بصوت يعجبني، ألحظ لغة الجسد المصاحبة للمطرب أو المطربة وهو يغني أو تغني، أكاد أرى الطاقة المحيطة بها والمنبعثة منها وهي تتحرر وتذهب بعيدا لتترك روحها أكثر نقاءا وضياء، أتمنى لو أغني في ساحة باتساع الأفق وأظل أغني وأغني حتى يرتفع صوتي للسماء السابعة إلى أن يخرج مني كل ما يثقل روحي وأعود إلى سيرتي الأولى.
أحلم برؤى قد تتحقق وبأشخاص أكاد أعرفهم، وكأنها رسائل موجهة، أعتبرها أمانة وأحرص أن أبلغهم الرسالة حتى تسكن روحي وتحلم من جديد.. فطاقتي أكبر مني، أكبر من جسدي الصغير، لكنها باتساع روحي الممتدة وخيالي الذي لا حدود له، فأنا لا أؤمن بحساب العمر وعدد السنوات المحسوبة من وقت ميلادي حتى هذه اللحظة، فقد عشت طويلا أصون السر حتى لا تضيع المنحة، وربما آن الأوان أن أبوح بالسر، وربما أكتب عنه يوما وأحكي وأفسر، أنا عشت خمس حيوات وليس حياة واحدة .