الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في البدء كان الكلمة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"في البدء كان الكلمة" كما يقول الكتاب المقدس، ولكي تصبح حكيمًا هناك ثلاث طرق، التفكير وهي أنبل الطرق، والثانية التقليد وهي أسهل الطرق، والثالثة التجربة وهي أكثر الطرق مذاقًا"، وإذا كنت تريد التخطيط للمستقبل، فعليك معرفة الماضي كما يقول العظيم كونفوشيوس، الذي مازال أثره مستقرا في ضمائر وعقول وأفئدة البشر.
أسمع وأنسى، أرى وأتذكر، أعمل وأفهم، من مقولة كونفوشيوس سار كل الذين أضاءوا شمعة في هذا العالم ثم رحلوا في هدوء، ومنهم من لم يلتفت إليه أحد إلا بعد رحيله بعقود.
الأضواء لم تعن لهم كثيرا، والصعود المبتسر لم يشغلهم لحظة لأنهم وثقوا في حكمة كونفوشيوس ورجاحة عقله عندما ترك لهم عبارته الأبدية: "لا يهم أنك تمشي ببطء، ولكن المهم هو ألا تتوقف". لذا نجد أن "مونتيسكو" قضى عمره لإنجاز "روح القوانين" الذي أخذت منه كل دساتير العالم "مبدأ الفصل بين السلطات" وكان لكتابه "الرسائل الفارسية" و"رسائل إلى الإنجليز" الذي أنجزه فولتير بعده بثلاثة عشر عاما أثرا كبيرا في فرنسا وسببا قويا لدخول باريس عصر الأنوار.
يقول كونفوشيوس: "نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر" ولأن مكيافيلي لم يكن عبدا ولا متعصبا ولا مجنونا فقد كتب" الأمير" لتخليص إيطاليا من الاعتداءات المستمرة عليها من الخارج.
أنجز مكيافيلي "الأمير" وهو لا يعبأ بالضرر الكبير الذي سيلحق بسمعته لا لشيء سوى أنه ترك بين دفتي كتابه مقولته الأشهر "الغاية تبرر الوسيلة".
ولغاية لا تقل أهمية عن غاية مكيافيلي، كان كارل ماركس مستعدا لينفق حياته هو وأولاده ليرى "رأس المال" النور، فقد توفي ثلاثة من أبنائه وهم صغار بسبب الحياة البائسة التي كان يحياها هو وزوجته، ولشدة الفقر كتب مرة إلى رفيقه آدم سميث إنه لا يستطيع الخروج من منزله لأنه رهن معطفه ليسدد ديونه.
الغريب أنه قال ذات مرة عن نفسه "لا أحسب أن أحدًا قد كتب عن النقود وجيوبه خاوية إلى هذا الحد". وبرغم ما كان يعانيه هذا العظيم البائس فقد أحدث كتابه دويا كبيرا في الوقت الذي كانت أحوال الصناعة في أوروبا وانجلترا على وجه الخصوص مريرة وبائسة.
رحل ماركس تاركا كتابه لتعتبره بعض الشعوب مقدسا وأبى رفيقه آدم سميث أن يرحل دون أن يترك أثرا يغير به الحياة الاقتصادية في العالم من خلال "ثروة الأمم "الذي أسس للنظرية الكلاسيكية في الاقتصاد وفي الليبرالية الاقتصادية على السواء كما يقول أمارتياكومارسين أحد الحاصلين على جائزة نوبل في الاقتصاد.
الذين آمنوا بالكلمة وضرورتها ليغيروا الأوضاع البائسة التي تلتهم سعادة البشر وحياتهم كثيرون، ورغم أن أثرهم لن ينمحي، لكن الحياة ما زالت بحاجة إلى متطوعين جدد لا يعبأون بالأسى وشظف العيش ليحققوا حلمهم هم وآبائهم الأوائل، ولا يبالون أيضا بالذين صعدوا إلى الضوء في غفلة، فكثير من الصعود زائف ومبتسر.