الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

النيل معركة المصريين منذ القدم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"إذا انخفض منسوب النهر، فليهرع كل جنود الملك ولا يعودون إلا بعد تحرير النيل مما يقيد حريته".. تلك العبارة كثر تداولها هذه الأيام بين المصريين، تعبيرا عن غضبهم من فشل المفاوضات المتتالي مع الجانب الإثيوبي، والتى قد تؤدى لتطورات لا يحمد عقباها.. ويقال إن هذه العبارة منقوشة على جدران "مقياس النيل" في مدينة إدفو بأسوان، وتعود لآلاف السنين، حيث كان قدماء المصريين يهتمون بقياس ارتفاع المياه في النيل، للتنبؤ بموسمى الفيضان والجفاف، وما يترتب على ذلك من حسابات مثل توقيتات مواسم الزراعة والحصاد، وتحديد الضرائب على المزارعين وغيره..وهو ما انتهت الحاجة إليه بعد إنشاء السدود، وتحولت تلك المقاييس لمعالم أثرية.. ولكن على ما يبدو من تلك العبارة، أن معاناة المصريين القدماء لم تكن فقط خلال مواسم الجفاف، والتى عانت مصر منها فترات طويلة عبر التاريخ، بل يبدو أن فكرة تقييد النيل ومحاولة إعاقته لعدم الوصول لمصر لم تكن فكرة جديدة!.. وهو ما جعل المصرى القديم يحذر من ذلك ويستعد له.. ويقول الدكتور وسيم السيسي، عالم المصريات، إن السبب الأساسى لتشكيل الجيش المصرى منذ آلاف السنين كان لحماية نهر النيل، فبعد أن استقروا حول النيل، وأنشأوا حضاراتهم في محيطه، كان لا بد من تكوين هيئة تقوم على حماية المياه وتوزيعها، خاصة وأن المجتمعات المحيطة بها كانت تسعى للحصول على المياه.. ولا شك أن النيل هو شريان حياة المصريين، وهو ما جعلهم يقدسونه منذ القدم، حتى أنهم اعتبروه في بعض العصور هو الخالق لمصر وواهبها الحياة، فقالوا عنه مقولات كثيرة تعبر عن العرفان والتقديس منها: "فليحيا الإله الكامل، الذي في الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل امريء أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر".. هكذا أدرك القدماء أهمية النيل واعتبروا تلويثه وتدنيسه جرما يعرض صاحبه لغضب الآلهة يوم الحساب، واعتبروا الحفاظ على طهارته واجبًا مقدسًا، وهناك الكثير من النقوش القديمة التى تشير لذلك، مثل ما ورد في "كتاب الموتى"، نقلا عن الترجمة الفرنسية للعالم بول بارجيه، والتى ينفى فيها أحد المصريين في اعترافاته قيامه بما يستوجب عقابه قائلا: "لم أمنع الماء في موسمه، لم أقم عائقا (سدا) أمام الماء المتدفق"، وفي نص مشابه على جدران مقبرة "حرخوف" في أسوان عدّد صفاته أمام الإله من بينها "أنا لم ألوث ماء النهر... لم أمنع الفيضان في موسمه... لم أقم سدا للماء الجاري... أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى".
والسؤال هل نملك نحن في هذا العصر بعضا من هذا الوعى والإدراك بأهمية النيل؟!.. ربما زاد الوعى إلى حد ما خلال السنوات الأخيرة بعد التهديد الذى أصبح يشكله السد الإثيوبي على تدفق مياه النيل لمصر، ولكن هل هذا الوعى لدى كل الشرائح والطبقات؟!وهل انعكس على سلوك المصريين؟!.. بالتأكيد ملايين المصريين الآن منشغلون بما قد تنتهى إليه الأمور مع إثيوبيا، وهو ما نتركه للقيادة السياسية التى نثق في قدرتها على تقدير الموقف، ولكن علينا أن نحاول غرس الوعى بأهمية المياه لدى الصغار والكبار، بحيث ينعكس في حرصنا على كل قطرة من مياه النيل والحرص على طهارته وعدم تلويثه.. فكما أكد المحلل السياسى الأمريكى روبرت كابلان في أحد مقالاته أنه في القرن الحادى والعشرين، يمكن أن تبرز المياه كسلعة أغلى من البترول، وخاصة مع ارتفاع عدد السكان، وتغير المناخ الذى يؤدى إلى الجفاف في أماكن كثيرة، وحتى إن لم تحدث حروب بسبب المياه، لكن لا شك أنها ستصبح عاملا مهما في الجغرافيا السياسية.. لذلك آن الأوان أن يستعيد المصريون اهتمامهم وحرصهم ووعيهم بأهمية نهر النيل، الذى كان وسيظل شريان حياة لا نقبل العبث به قيادة وشعبا.