الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

ابن بطوطة.. رحلة إلى «الشيخ عبادة» أرض الحضارة على ضفاف النيل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أرض تشرق فوقها شمس الحضارة بريقها يلمع على مرمى البصر يفوح منها رائحة التاريخ وروحانيات الماضي وتسمع فيها أصوات الفراعنة والإغريق والرومان والأقباط والحضارة الإسلامية وتجلجل فيها أصوات خيول صلاح الدين الأيوبى وتفوح فيها بركات منزل السيدة مارية القبطية زوجة النبي محمد عليه الصلاة والسلام وتندهش فيها منها سحر الطبيعة الذى يمتد على نهر النيل الساحر بأكثر من ٤ كيلو مترات.

وإذا حاولت أن تصل إلى منزل مارية القبطية، وتصلي في مسجد الصحابي "عبادة بن صامت"، فعليك أن تستقل "معدية"، عند قرية الروضة بـ"ملوي"، جنوب المنيا، لتصل بها إلى هذه الأرض وتتأمل المنظر، فتجد نفسك وصلت للشيخ عبادة هذه القرية التي يسكنها نحو ٦٠ ألف نسمة والذين يشتهرون بكرم الضيافة، والشهامة، ولا تفارق الابتسامة وجوههم هي مدينة انتنيو بوليس أو "الشيخ عبادة حاليا".

"انتنيو بوليس أو الشيخ عبادة حاليا"، المدينة الأثرية وأشهر القرى القديمة ذات التاريخ العريق مع عصور مصر المختلفة، حيث تقع المدينة على النيل من ناحية الشرق، وتبعد عن ملوى ٨ كم وعن المنيا ٤٦ كم، وهى مدينة أثرية عريقة وعتيقة بناها الإمبراطور هادريان على أنقاض المدينة القديمة بيسا، وتعتبر من أعظم مناطق مصر الأثرية بعد الأقصر.

تضم بين بنايتها آثارا فرعونية ورومانية وقبطية وإسلامية، وأصل المنطقة قرية تسمى "بسا’"، ثم أُقيمت عليها مدينة "هيبنو آتي" الفرعونية، والتي سُميت باسم الطبيب الخاص لرمسيس الثاني ويوجد بالبلدة معبد فرعوني على طراز معبد الأقصر ومعبد للملك رمسيس الثاني وقد أقامه تكريمًا للإله تحوت الممثل على شكل قرد ومعبد قبطي ومعالم أثرية كبيرة ترجع لجميع العصور.

ثم أصبحت "أنطيوبولس" باسم غلام الإمبراطور هارديان، وكانت من أكبر المدن الرومانية في الصعيد كما اعتبرت مركزًا لنشر الحضارة الإغريقية بالصعيد في العهد الروماني وتشتهر بأنها بلدة مارية القبطية زوجة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويقال إن لها ممرا تحت الأرض يربط بينها وقرية الأشمونين ويمر تحت نهر النيل بطول نحو ٧ كيلو مترات وهى بالقرب من أطلال المدينة القديمة انتينوى.

الإمبراطور هادريان

بدأت قصة إنشاء المدينة عندما كان الإمبراطور هادريان إمبراطور روما في رحله نيلية، لزيارة آثار مصر وفى هذا المكان وبجوار هذه المنطقة تنبأ العرافون، بحدوث حدث جلل سيحدث وهناك خسارة كبرى للإمبراطور، ولابد من فداء أو تضحية تجنبا لهذا المكروه وحتى لا يحدث فقام غلامه ويدعى (انتنيوي) بإلقاء نفسه في النيل فداء للإمبراطور وأطلق عليها الإمبراطور اسم (أنطيوبولس ) مما دفع الإمبراطور إلى دفن غلامه في هذه المنطقة، وبنى له قبرا كبيرا ونحت له تماثيل، وأصدر أمرا بأن يكون انتينيو إله يعبد، وخاصة أنه مات في أحضان النيل وكان المصريون والإغريق لديهم اعتقاد بأن من يموت غرقا يرفع إلى درجة القديسين كما أن وجهاء وأغنياء تلك المدينة العريقة أيضا جاءوا إلى الشيخ عبادة وقاموا ببناء بيوتهم بجوار قبر انتنيوى وأصبحت مدينة كبيرة وجميلة وبها حدائق وشوارع منظمة منتشره فيها تماثيل انتنيو.

وقام هادريان في ذلك الوقت بعمل على توسعة لتلك المدينة التي ازدهرت فترة الرومان وأقيمت على طراز المدن في روما، وجلب لها هادريان السكان ومنح الإمبراطور حقوق المواطنة وامتيازات لم تحصل عليها المدن الإغريقية الأخرى ومنها الإسكندرية نفسها ومن ثم أصبحت مركزًا لنشر الحضارة الإغريقية بالصعيد وازدهرت بها الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية الروحية فكانت المدينة مركزا تجاريًا كبيرًا طيلة العصر البيزنطى بعد الإسكندرية.

منزل السيدة مارية القبطية

"الشيخ عبادة" هي مسقط السيدة مارية القبطية زوجة الرسول، والتي أهداها له المقوقس حاكم مصر في العام السابع للهجرة ووصفها بأن لها ولأختها "سيرين" لامكانًا عظيمًا بالقبط وكان من بين الهدايا التي أهداها المقوقس حاكم مصر للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، و٢٠ ثوبًا من المنسوجات التي اشتهر بصناعتها إقليم المنيا وهى الثياب المعروفة باسم " القباطي" وهى ثياب من الكتان الأبيض بها زخارف. على مسافة ما يقرب من ٢ كيلومتر، يوجد منزل السيدة مارية القبطية، ومن خلال جولاتنا لاحظنا إهمالا كبيرا من مسئولي الآثار، حتى أصبح محاصرا بمقابر القرية، كما أن هذا المنزل يعد مقصدا للمنقبين عن الآثار طوال العام، باستثناء يوم واحد يقصده آلاف المحبين للاحتفال بالمولد السنوي للسيدة مارية القبطية. وقال محمد إبراهيم أحد أبناء القرية، رغم بركة منزل السيدة مارية إلا أنه لا يوجد زائرون للمكان، بسبب بعدها عن المدينة، بالإضافة إلى أنها إحدى قرى شرق النيل، إلى بجانب افتقادها الإعلان السياحي عن المكان.

الصحابي الجليل عبادة ابن الصامت

وعبادة ابن الصامت شهد بيعة العقبة الأولى والثانية وأحد الصحابة الخمسة الذين جمعوا القرآن الكريم، ووصفه عمر بن الخطاب رضى الله عنه بقوله "رجل يعد في الرجال بألف رجل شهد بيعة العقبة الأولى والثانية، وكان نقيبًا على قوافل بني عوف بن الخزرج، وآخى رسول الله بينه وبين أبي مرثد الغنوي.

وشهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله، واستعمله النبي على بعض الصدقات وعقب وصول عمرو بن العاص إلى مصر وفتحها، كان ضمن الجيش الصحابي عبادة بن الصامت وبعد موقعة البهنسا، انطلقت الجيوش بقيادة عبادة للصعيد من أجل إكمال الفتح الإسلامي، حيث وصل إلى القرية، وعلم من الأهالي أنها المنطقة التي جاءت منها زوجة الرسول مارية القبطية، فقرر البقاء هناك، وبنى مسجدا في المكان الذي كان يوجد به منزل أسرة مارية، وكان هذا هو أول مسجد في ملوي وأعفى أهل البلد من الخراج وأكرمهم إكراما للسيدة مارية وهنا تغير أيضا اسم البلد ليصبح الشيخ عبادة.

مسجد الـ١٠٠ متر

بناه الصحابي عبادة بن الصامت ويقع مسجد الشيخ عبادة على مسافة لا تزيد على ١٠٠ متر من النيل، فمساحة المسجد ضيقه وبوابته خشبية من الطراز الأيوبي، وهي الواجهة الغربية الرئيسية للمسجد المطلة على النيل، أعلاها مستطيل عليه زخارف نباتية وهندسية ويتوسطه لوحة رخامية قديمة وعلى جانب المسجد تجد زخارف تؤدي إلى ميضة الوضوء، وهي غرفة مربعة يتوسطها عمودان أثريان من الرخام، على أطرافها حمامات بلدية، أمامها حنفيات المياه وخلفها مساحة للصلاة، وفي نهايتها بئر قديمة للوضوء صالحة للاستخدام، وعلى اليسار باب جانبي للمسجد، والمسجد مربع الشكل بمساحة ٢٠٠ متر مربع مبني بالطوب القديم والمسجد جدده إسماعيل باشا بن إبراهيم باشا حفيد محمد على في عام ١٢٧٧هـ مائة وستون عامًا تقريبًا وجعل له مائذنة أخرى أعلى من الأولى ووضِعَ أعلى باب المسجد لوحة حجرية منقوشة نقش بارز تحمل اسمه وتاريخ التجديد.

صلاح الدين الأيوبى

جمعت هذه القرية آثار بعض الصحابة والتابعين وتشييد المسجد العتيق منذ أكثر من ١٤٢٥ عاما من الآن تقريبًا، وبعد عام ٥٦٠هـ دخلها صلاح الدين الأيوبي محرر القدس والذي انتصر بمدينة ملوي في موقعة البابين على مشارف ملوي وتم تسمية الشارع باسمه حتى الآن شارع صلاح الدين.

والذي أخذ منه بعض الحجارة المميزة لتشييد قلعته.

القرية تنتظر وضعها على الخريطة السياحية

عانت قرية الشيخ عبادة من التهميش والإهمال على مدى عقود وتعرضت آثارها للنهب والسرقات، وطالب الأهالي بوضع مزارات القرية على خريطة السياحة العالمية باعتبارها مقصدا سياحيا عالميا يضم جميع الحضارات.