تمر عليهم المحن فلا تزيدهم إلا صلابة، خير شعوب الأرض وخير جندها ونسائها وشبابها وشيوخها ورجالها.. المصريون يجتمعون في الألم والفرح، في الدموع والفرح، يرسمون ملامح حياتهم تدفعهم شهامتهم وتقودهم حماستهم وتأمرهم عقيدتهم بأننا شعب واحد، تحت أرض واحدة.
هنا مصر أرض الكنانة.. هنا التاريخ.. هنا الحضارة.. هنا في أرضها الشهامة والقوة وعدم الانكسار في لحظات الألم والدموع والحطام، هنا أرض الله الذي كتب لها "ادخلوها آمنين".. هنا يتحول الظلام إلى نور، والحزن إلى فرح، والغازي إلى تراب، هنا منَ الله على الشعب المصري بالتواجد والتوحد.. هنا صمت العالم أمام عظمة المصريين.. إنها مصر يا سادة.
توحدت قلوب المصريين خلال الأيام الماضية في مواقف لم تجدها إلا في أرض الكنانة، بداية من الدعوات المصرية الخالصة لمؤازرة الأسطول المصري في قناة السويس لتعويم السفينة البنمية، مرورًا بحادث قطاري سوهاج، قبل أن يستيقظ النائم على صوت انهيار عمارة في منطقة جسر السويس بالقاهرة، وقبل أن ينتهي يوم المصريين، ظهر معدنهم في حادث سقوط سقالة من كوبري في منطقة ترسا بالجيزة ليعقبها حريقان أحدهما في محال أسفل محطة قطار الزقازيق، وحريق بسيط في أحد فنادق الإسكندرية.
شهامة الصعايدة في حادث قطاري سوهاج
تاكسي لنقل المتبرعين بالدم مجانا.. ومواطن يفتح بيته للمتضررين.. ومطاعم تقدم الوجبات للمغتربين
الأهالي يتسابقون على التبرع بدمائهم.. ونائب مدير مستشفى سوهاج نفترش الأرض لإنقاذ المصابين
فور وقوع الحادث وقبل انتشار معلومات عن الضحايا والإصابات، تسابق المواطنون الذين كانوا بالقرب من الواقعة على تقديم المساعدات وإخراج المصابين، وتحول المشهد إلى تنافس وتصارع من أجل إنقاذ المصريين أبناء الوطن الواحد رجالا ونساء، كانوا في موقع الحادث ينتشلون المصابين ويسعفونهم ويقدمون الدعم النفسي والمعنوي لكل المصابين.
لم ينته دورهم عند القطار فامتدت الشهامة إلى خارج محيط التصادم، وبدأ الاستعداد الخاص من المواطنين لقبول الضيافة وتقديم وجبات الطعام والمياه ومواد الإسعاف قبل أن يتصارع المئات إلى المستشفيات للتبرع بالدماء لصالح المصابين في مشهد لن تراه إلا في أرض الكنانة.
تاكسي مجاني
شهامته دفعته لكتابة لافتة "هذا التاكسي لنقل المتبرعين بالدم مجانا في حادث القطارين"، أحمد سائق تاكسي سوهاج كان أول من بدأ في نقل المتبرعين بالدم مجانا لعلاج وإسعاف المصابين، بعد أن شهد مستشفى طهطا العام تزاحمًا من المواطنين للتبرع بالدم، ولاقت هذه اللفتة الإنسانية إعجاب وتفاعل الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
بيتنا مفتوح ليكم
كرم الشهاوي نشر أول رسالة على صفحته وفي بعض الجروبات الكبيرة يعلن فيها تطوعه الكامل لاستقبال المصابين أو المتضررين من الحادث بالإقامة في منزل للعائلة حيث إن به شقة مجهزة فارغة لاستقبال الضيوف وهي موجودة لأي متضرر من الحادث.
وجبات مجانية للمغتربين
في لفتة رائعة، أعلن عدد كبير من ملاك المطاعم بمحافظة سوهاج، عن تقديم وجبات ومشروبات من مطاعمهم بشكل مجاني إلى المتضررين جراء الحادث وكل أسرهم، وكتب أصحاب المحال على صفحات الواصل وفي كل "الجروبات" لتقديم الوجبات لكل المتضررين أو المساعدين في حادث القطارين.
طبيبة تفترش الأرض
الدكتورة إيمان سلامة، نائب مدير مستشفى سوهاج، وعضو مجلس النقابة العامة للأطباء، تفترش الأرض لجمع الدم وإنقاذ المصابين في طرقات مستشفى سوهاج الجامعي، لتتابع عمليات السحب من مئات المتبرعين بالدم لصالح المصابين، والتي ظهرت في مجموعة من الصور من داخل مستشفى سوهاج الجامعي، على مواقع التواصل الاجتماعي حيث علقت الدكتورة إيمان "أنا إجازة النهاردة، ونزلت سريعا وبدون تفكير متطوعة لمتابعة أعمال التبرع بالدم للمصابين، وكمان مش أنا لوحدي اللي نزلت في كتير جدا من الأطباء وأطقم التمريض تطوعوا دون استدعائهم ومش عملوا شغلهم وبس، دول كمان اتبرعوا بالدم لصالح الضحايا، هي دي جدعنة المصريين.
تبرع أهالي طهطا بالدم
مشهد مهيب تصدره المئات من أهالي مركز ومدينة طهطا وطما وجهينة لتبرعهم بالدم لمصابي حادث تصادم قطارين بمحطة الصوامعة بمركز طهطا بمحافظة سوهاج من داخل مستشفى طهطا العام.
وذلك لتوفير الدم بالمستشفي كنوع من المساعدة لمصابي الحادث وتوافدوا على مستشفى طهطا العام لمؤازرة المصابين والرفع من روحهم المعنوية بجانب تبرعهم بالدم والأكل والمشروبات والأدوية وكل احتياجات المصابين في لقطة لن تجدها إلا عند "الصعايدة".
انهيار عقار جسر السويس
الأهالي يتسابقون لإنقاذ ضحايا انهيار عقار جسر السويس
محاسب يفتح شقتين لاستضافة الأسر المشردة.. والأولوية للأطفال
لم تمر ساعات على حادث قطاري سوهاج، حتى استيقظ أهالي جسر السويس على صوت انهيار عقار بمنطقة عمر بن الخطاب، حيث هرول الأهالي المحيطين بالعقار إلى مكان الانهيار ثم خرج عشرات المواطنين بل المئات بعد نداءات ومناشدات أطلقها عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي بعد منتصف الليل لإنقاذ سكان العقار المنهار.
تجمع العشرات من الشباب يحملون الكشافات بمختلف أنواعها لمساعدة الأهالي في انتشال الجثث ونقل المصابين قبل أن تصل قوات الحماية المدنية، وتبدأ رحلة إنقاذ السكان من تحت أنقاض العقار المنهار حتى شروق صباح اليوم الجديد.
وامتد عمل رجال الإنقاذ والحماية المدنية في البحث عن ناجين حتى الساعات الأولي من صباح اليوم، وسط تجمع عشرات المواطنين للمساعدة في عمليات البحث، الأمر الذى بات محل إشادة من جميع المصريين الذين تمكنوا من مشاهدة تلك المواقف البطولية من خلال عدد من مقاطع الفيديو التى تم بثها من موقع الحادثتين.
لم يختلف الأمر كثيرا، بعدما عندما أعلن أحد شباب منطقة عين شمس، المحاسب أحمد محمود، من خلال منصات التواصل الاجتماعي، عن استضافة الأسر المشردة من عقار جسر السويس المنهار، وقال إنه يملك شقتين مناشدا الأهالي جلب الأطفال إلى الشقتين لحمايتهم من برودة الجو.
وقال "أحمد" إن شقته يجهزها للزفاف في مدينة بدر، وجاهزة لأي أسرة، والشقة الأخري قريبة من موقع الانهيار في عين شمس، وهي شقة أخيه، وأنه طلب منه أن يفتحها للمتضررين، وطلب منه توفير أي احتياجات لهم وتقديم الدعم الكامل.
تعويم الناقلة الجانحة
أزمة السفينة البنمية تتحول إلى ملحمة للدعاء والتضامن.. والمنشورات لا تخلو من حس الفكاهة
تحولت منصات التواصل الاجتماعي في مصر إلى محافل للدعاء ودعم الدولة في أزمة تعويم السفينة البنمية الجانحة في المجري الملاحي الشمالي بقناة السويس.
دعم كبير وواضح من كل المواطنين في مصر للقيادة المصرية ولإدارة الأزمة في هيئة قناة السويس، وإشادة بدور الأسطول المصري ومواجهة للشائعات وتقديم كل سبل الدعم المعنوي للقائمين على الأزمة والشد من همتهم لتجاوز الأزمة.
قدم المصريون ملحمة من الحب عبر صفحاتهم الشخصية لتقديم الدعم والرفع من الروح المعنوية للقائمين على إدارة خلية أزمة قناة السويس الذي اعترف العالم بأهميتها.
ودعم المصريون القيادة في أزمة قناة السويس عبر صفحاتهم الشخصية ومتابعتهم الدقيقة لكل لحظة تمر في تعويم السفينة البنمية العالقة في الممر الشمالي في قناة السويس.
دعوات المصريين وحبهم لبلدهم، دفعهم لتقديم دعم معنوي لصعوبة المشاركة في عمليات التكريك والتعويم، ولكن دعمهم المعنوي كان له أثر طيب عند القائمين على الأزمة والذين لمسوا روح الشعب المصري في تلك المواقف.
ولم يتخل الشعب المصري عن الفكاهة في بعض التعليقات عبر منصات التواصل الاجتماعي، فكان من أهم التعليقات "البوست" المازح عن ارتفاع أسعار الفاكهة حين عودة الموظف من عمله مرورا ببائع الفاكهة، وحين سأل البائع عن سبب الزيادة في كل أسعار الفاكهة يرد "السفن واقفة في القناة" والدنيا كلها مولعة يا باشا، أنت مش عايش في الدنيا، ثم يشتري الموظف فاكهته بالسعر الطبيعي بعد وصلة مزاح من الفكهاني والاتنين بيقولوا "هتسير على بركة الله" ومصر محفوظة.
وبفضل وهمة المصريين تم تعويم الشفينة البنمية الجانحة والتي أصبحت حديث العالم عن عظمة مصر وقوة إرادتها.
