السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنا و«نيتشه» والأربعين نسخة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«1»
وبيني وبين نيتشه الكثير من الأحاديث ففي تلك الجبال التقينا مرات، تجادلنا وتعاركنا وتصافينا، كتبت ديواني الأول له وطبعت أربعين نسخة منه، بعدما اقتطعت تكلفتها من راتبي الذي كان ٣٥٠ جنيها.. جمعت التكلفة في ثلاثة أعوام، أهديته إحدى النسخ بعدما عنونتها بـ«الموت حبا»، إذ أنني كنت أشعر بوجعه حينما ترك الحرب والوباء ونوبات الصداع وقرر أن يصارح "لو فون سالومي" بحبه.
«2»
اصلبيني إن شئتي
لكن على جدار قلبك اصلبيني
وضعي لحمي خرزا في عقدك
لعلي أنبس من دبس نحرك
هنالك يا امرأة أضعت تاريخي
وجئتك أخلد نفسي في كفك
فصفديني بأسدال ثوبك
بشراشيف مهدك
بخصال شعرك
حتى أظل هنا
هنالك يا امرأة أضعت تاريخي
وجئتك بلا تاريخ
أخلد نفسي في كفك
«3»
لم تفطن «سالومي» لحجم معاناة «نيتشه» لرفضه العالم إلاها، لفراره من الحرب وبحثه عن السلام في عيناها، رفضته كما رفضه العالم والأصدقاء وآثرت غيره، كنت آراه كفارس قيدته حبيبته بذيل حصان في تلك الجبال الوعرة للحياة.. فسألته لماذا أنت حزين يا نيتشه؟.. فأجابني.. ووجهه غمامة حزن تُمطر صباحا مساء.. هذا السؤال نفسه هو الذي يُحزنني.. تلك الحيرة في العيون والإلحاح على سماع الإجابة.. فأدركت لماذا هو حزين!.
وهل هناك أكثر من أن تذهب كلماته بعيدا هناك.. وترتد وحيدة تسكن قلبه دون صديق!
قرأنا الديوان "سويا.. ضحكنا وبكينا وفشلنا في توزيع النسخ المتبقية فقد كانت قرانا انشغلت عن القراءة وكفرت الشعراء والمبدعين.
«4»
خرجنا من كهفنا بحثا عن الحقيقة فاختلفنا مع شوبنهار، كانت الأقلام قد بدأت في تفريغ مداد الخير واستبداله بطلقات عمياء من الشر تصيب القلوب فتقتلها.
خسرنا إرادتنا على أعتاب ليل فرض سطوته، ونادينا الله أن يأت، كان خلفنا كثر يكررون النداء، فقد كنا على يقين أن الأغنياء لم يتركوا لنا شيئا إلا الله فناديناه.. ناديناه.. لكن كان ثمة شيء حال دون وصول أصواتنا إلى السماء، فأصاب نيتشه الجنون وتملكني اليأس.
واريت جثمانه مع نسخ ديواني وأقصوصات الشعر التي كنت كتبتها عن الحياة، فلربما عاد وعاودنا قراءة ما كتبناه سويا.
«5»
العالم الآن يذكره يخلده لكن هل يعرف "نيتشه" ذلك!، هل يدرك أن الصوت وصل السماء وأن الله آتى، وأنه هو من استعجل الرحيل قبل الموعد، وأن منصة التتويج وسرادق الاحتفاء كان خلف عباءة الليل التي كنا نراها..
«6»
أكان يُدرك ما قاله يوما: «يولد البعض بعد وفاتهم» فاستعجل ميلاده.