الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

معادلة القانون بين طفلة المعادي وسيدة السلام!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثارت ثائرة غالبية المصريين من سكان مواقع التواصل الاجتماعى على الرجل المتحرش بطفلة المعادى، فيما تسامحوا مع من أفتى بتزويج ابنة الخامسة مادامت سمينة وتطيق المعاشرة.
هذه واحدة من المفارقات العجيبة التى يمكن ملاحظتها بسهولة على ردة الفعل الغاضبة حيال فيديو واقعة التحرش؛ إذ ليس من المنطق استنكار جريمة التحرش بأنثى فى أى عمر كانت وفى نفس الوقت لا نعتبر من يفتى بزواج الصغيرات محرضًا على جريمة اغتصاب وهتك عرض طفلة!.
الإعلام كان شريكًا على نحو ما فى ارتكاب جريمة التحريض تلك، عندما استضافت برامج التوك شو غير مرة زعماء بالتيار السلفى وأشخاص يوصفون كذبًا بعلماء دين لم يألو جهدًا لإبراز الأدلة الشرعية التى تبيح زواج الصغيرات حتى لو لم يبلغن سن الحلم وهم فى ذلك لم يحرضوا فقط على اغتصاب براءة الطفولة وإنما أيضًا على انتهاك حرمة قانون الطفل الذى يجرم زواج الإنثى قبل سن الثامنة عشرة؛ واعتبر الأمر خاضعًا لمبدأ حرية التعبير، فيما ذلك يعد جريمة متكاملة الأركان ومتعددة الأبعاد إذ ليس من حق أحدهم تحريض الرأى العام على مخالفة القانون بأى صورة ومهما كان هذا القانون مجحفًا من وجهة نظر معارضيه بيد أنه من حقه الكامل المطالبة بوقف العمل بالقانون وحث المعنيين من أفراد ومؤسسات مجتمع مدنى ونواب فى البرلمان أو أعضاء فى الحكومة على تعديله أو تقديم مقترح بمشروع قانون جديد.
إباحة زواج الصغيرات والقاصرات جريمة أخلاقية والتسامح معها تحت أى لافتة دينية أو اجتماعية يؤشر إلى أن تلك الثورة ضد متحرش المعادى وعلى ذلك النحو لم تكن سوى محاولة لمواراة ما نعانيه من أمراض اجتماعية ندركها ولا نعترف بها، ومحاولة للبحث عن متنفس لمشاعر غضب أخرى لم نرد الإفصاح عنها.
فى المقابل لم تخطئ تلك القلة التى ساءها التشهير بمتحرش المعادى على هذا النطاق الواسع، فمن المتعارف عليه فى جرائم السب والقذف أن نشر اسم المتهم فى الصحف يعطيه حق مقاضاة الصحيفة والمحرر طالما لم يصدر القضاء بحقه حكمًا نهائيًا وباتًا؛ وحتى إذا باتت تكنولوجيا الكاميرات وسيلة متاحة للجميع لتوثيق الجرائم والمخالفات إلا أننا أمام تساؤل قانونى حول مدى أحقية مصور الفيديو أو مالك الكاميرا القيام بنشر ما صوره على مواقع التواصل الاجتماعى وهى طبقًا للقانون يسرى عليها ما يسرى على وسائل الإعلام التقليدية بكل ما يتعلق بشروط العلانية؟! هل يجوز له قانونًا المبادرة بنشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى قبل إبلاغ السلطات المعنية؟! أم أن حقه يقتصر على تقديم البلاغات بما لديه من دليل فنى؟! هل يعطى القانون لمن تم التشهير به على مواقع التواصل الاجتماعى مقاضاة من قاموا بنشر الفيديو الخاص به قبل صدور حكم قضائى نهائى يدينه بارتكاب الواقعة؟! ناهيك عن جريمة السب الذى يعاقب عليها قانون العقوبات حتى فى حالة ثبوت الإدانة إذ ليس من حق كائن من كان سب وإهانة أى شخص ولو صدر بحقه حكم نهائى بارتكابه أبشع الجرائم.
ردة فعل المصريين الغاضبة على هذا النحو تجاه شخص المتحرش تحتاج إلى دراسة ذات بعد اجتماعى وثقافى وسياسى للحد من حالة السيولة والفوضى التى بتنا نعيشها.
بصراحة شديدة يذهلنى الإحجام عن التشهير بمن يحرض على اغتصاب الصغيرات تحت دعوى الزواج المبكر بعلة انتسابه لفئة علماء الدين ويدفعنى إلى طرح التساؤل عن الأسباب غير المباشرة والكامنة وراء كل تلك الثورة ضد متحرش المعادى؟! هل نحن حقًا فى المدينة الفاضلة التى تستنكر مثل هذه الأفعال؟! فبماذا إذًا نفسر تكرار وقائع التحرش فى العديد من المستويات؟! فهذا الداء لم يفرق بين الغنى والفقير، المثقف والجاهل، الأمى والمتعلم.
ومن متحرش المعادى إلى سيدة السلام، فبعيدًا عن ملابسات الجريمة وظروف ارتكابها إلا أن الثابت فيها التلصص على الحياة الشخصية لمواطنة تبعه اقتحام لمنزلها الخاص وهى حرمات أكد على صيانتها وحمايتها الدستور المصرى فى المادتين 57 و58، وقيد القانون السلطات المعنية بشروط قانونية للتسجيل أو تفتيش المنزل الخاص وجرم هذا الفعل على المواطن العادى إلا فى حالة الخطر مثل الحرائق أو استغاثة صاحب المنزل.
للأسف انشغلت بعض وسائل الإعلام بطبيعة علاقة الشخص الذى وجد مقيدًا بشقة المجنى عليها وخطورة هذه المعالجة أنها تكرس واحدة من أمراضنا الاجتماعية وهى التدخل فى شئون الغير والتلصص على الآخرين والتى قد يكرسها تجاوز أى مستوى من مستويات الدولة والمجتمع حدود القانون فيما يخص حرمات الحياة الشخصية.
يا سادة احترام القانون وحده من يقيم مجتمع الفضيلة ويحمى الأخلاق والضمير.