الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

رفقا بأبناء الطلاق!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أسرّ لي أحد الأصدقاء بأنّ ابنه لا يريد أن يراه منذ طلاقه من والدته وكيف أنه يبعث له برسائل سلبية جارحة طوال الوقت تنتقده كأب مقصّر في حقه. صديقي أصيب باكتئاب جراء هذا الموقف رغم كونه يعرف حق المعرفة أن طليقته هي من تنفّر ابنهما منه. يقول إنها لوّثت فكره وسمّمت خياله تجاهه ونقلت له مشاعر الكراهية والحقد التي أصبحت تضمرها له منذ انخراطهما في مشاكل الطلاق وقضايا النفقة والحضانة، لدرجة أن الطفل لم يعد يشعر بالانتماء إلى والده، بل أصبح يرفض موعد اللقاء الأسبوعي الذي يتم في أحد النوادي ويتعذر بالمرض تارة والامتحانات أخرى، بل وتنتابه موجات غضب وصراخ عندما يلتقيان!
إحدى صديقاتي روت لي قصة أخرى مشابهة حيث أُصيب أبناؤها بحالة نفسية منذ طلاقها من زوجها لدرجة أنهم يتقيؤون في كل مرة يتعين عليهم رؤية والدهم في مركز شباب خاضع للإشراف. وعندما طلبت من محاميها أن يسعى جاهدا لمنع الاتصال تمامًا بينهم وبين والدهم لحمايتهم نفسيا، نصحها بألاّ تلجأ لهذا الخيار لأن العزلة بين أبنائها و والدهم ستُفاقم حالتهم النفسية و تزيدها سوءا مما يؤدي إلى شعورهم بالاغتراب تجاهه.
وحالة نفور الأطفال ضحايا الطلاق من آبائهم متكررة داخل العائلات، والقصص كثيرة تئن بها سجلات محكمة الأسرة. لكن من المسؤول عن هذه الوضعيات التي تتحول إلى ندوب عميقة في نفسية الأطفال؟
"القوانين ليست كل شيء".. هذا ما قاله الرئيس السيسي في كلمته إلى عظيمات مصر في عيدهن عندما تحدث عن مخاوف البعض من قانون الأحوال الشخصية الجديد المنظور حاليا في البرلمان. وقد عرّج على قيمة مهمة قد تلخص بعض الجهود المطلوبة لتفادي الكثير من المشاكل التي تنشأ بعد الطلاق ويتضرر منها الأبناء بشدة وهي قيمة التسامح وإعلاء شأن كل طرف، حتى لو كان ذلك غير حقيقي، بهدف تجنيب أطفال الطلاق الضرر الخطير اللاحق بهم جراء اهتزاز صورة أحد الأبوين داخلهم، وتحقيق بعض التوازن في شخصيتهم بقطع النظر عن العلاقة السيئة والصراع السائد بين الزوجين والذي قادهما للطلاق.
للأسف يذُمّ الأب والأم في الطرف الثاني ويشتمه أمام أطفالهما ويقدح في سيرته ويلعنها بلا وعي بما قد يتسببان فيه من إيذاء نفسي لأبنائهما. وفقدان العلاقة أو خللها مع أحد الأبوين بشكل خاص هو بمثابة نقص في الفيتامينات التي تغذي أجساد الأبناء وعقولهم وشخصياتهم. وهذه الفيتامينات تسمى في علم نفس الطفل بـ "فيتامين الأبوين- بارنتس فيتامين" وهي تشكل قاعدة عريضة في المكون العاطفي للطفل وإذا ما حُرم من هذا العنصر المهم يظل فاقدا لهذه العاطفة في وجدانه ويتأثر سلوكه طوال حياته بما يسمى بالاغتراب الأبوي، وربما يتعامل بنفس الطريقة مع أبنائه عندما يصبح أبا/أما في المستقبل. وهناك نظرية علمية حديثة كاملة تسمى نظرية الاغتراب الأبوي.
وقد تم نشر هذه النظرية لأول مرة من قبل الطبيب النفسي المتخصص في الأطفال ريتشارد جاردنر في الثمانينيات باسم "متلازمة نفور الوالدين". وتشير إلى أن مشاعر الأمهات الغاضبات من الآباء قد تدفعهن للانتقام منهم باستخدام الأطفال وغالبا ما يتم تلفيق/مبالغة الكثير من المزاعم ضد الآباء، ومن بينها الاعتداء بالعنف، من أجل الانتقام. في غالبية قصص الطلاق، سرعان ما يعيد الرجل بناء حياته الجديدة بسهولة وتكون مسؤولية أبناء الطلاق ملقاة بالكامل على الأمهات المطلقات فيتوقف "نموهن" الوظيفي والاجتماعي، خاصة إذا كان الآباء مقصرين في النفقة للأبناء وهذا يزيد من نقمة الأمهات التي تتجلى في الحديث بشكل سيء كلما جاء ذكر الآباء. ومن الطبيعي أن يتعاطف الأبناء مع الأم ويبتعدون عن الأب، وبدورهم، قد تتملكهم الرغبة في الانتقام منه رغم صغرهم. ويرى الطبيب غاردنر ضرورة علاج الطرفين: الأم بمساعدتها على كيفية السيطرة على غضبها ومساعدة الطفل على إعادة إحياء العلاقة مع الوالد المرفوض. ورغم أن "المتلازمة" سرعان ما وجدت رواجا في نظام الأسرة الغربي ومحاكم الأسرة إلا أنه تم إسقاط هذا المصطلح بعد تشكيك الباحثين في النظرية ووفاة صاحبها في بداية الألفية الثانية. ومع ذلك، لا تزال الفكرة الكامنة وراءها قائمة ويتم الاستفادة من جوهرها عند التعامل مع أطفال الطلاق و تجنيبهم العبء النفسي والعقد الناجمة عن صراع الأبوين.
والدروس المستفادة قبل الحديث عن القوانين- كما نادى الرئيس بذلك- الوعي بمصلحة الأطفال و اتزانهم العاطفي وعدم إلحاق الأذى النفسي بهم، وعدم إقدام الآباء والأمهات المنفصلين على تشجيع الأبناء على الانتماء لأحد الطرفين ونصرته وعداء الطرف الذي كان شريكا سابقا. والنصيحة إذن: فكروا في الأبناء ملياّ لأن الضرر الذي يصيبهم من هذا الصراع لا يمكن إصلاحه أبدا!
olfa@aucegypt.edu