الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

تعرف على قداس البروجزماني

 قداس البروجزماني
قداس البروجزماني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد قداس البروجزماني وهو القداسات السابق تقدّيسها كخدمة ليتورجية خاصّة بزمن الصوم الكبير لها هيكلّية "صلاة الغروب" المعتادة، حيث يكون الكاهن محتفظًا في الهيكل بقرابين تمّ "تقديسُها سابقًا" يوم السبت أو الأحد (من هنا أتت التّسمية). وكلّمة بروجيازميني هي مصطلح يوناني يعني: "ما تمّ تقديسُهُ مُسبقًا"، وهو إسم هذه الخدمة الصياميّة الخاصة، التي تقام يومَي الأربعاء والجمعة من أسابيع الصوم الكبير المقدّس (صباحًا أو مساءً حسب التدبير)، بالإضافة إلى يوم خميس القانون الكبير( الخامس من الصوم الكبير)، وأيّام الاثنين والثّلاثاء والأربعاء من الأسبوع العظيم المقدّس، وأيضًا في تذكارات القدّيسين، إذا لم تقع في يوم سبت أو أحد، وكذلك في أي يوم آخر يحدّده التيبيكون، وتكون هذه الخدمة متّصلة بصلاة الغروب دومًا، لكنّها تتميّز بعناصر خاصّة بها. ويعتقد بشدّة أن هذا القدّاس ظهر في إنطاكية بين القرنين الخامس والسادس في زمن البطريرك ساويرس (512 – 518 )، ومن ثم إنتقل إلى القسطنطينية في القرن ذاته.
مراحل الخدمة
أهم مراحل هذه الخدمة هي نقل القرابين المقدّسة سابقًا إلى المائدة على مرحلتين هما:
المرحلة الأولى:
في بداية الخدمة وتحديدًا بعد الطلبة السلامية الكبرى، إذ تُنقل القرابين التي سبق تقديسها، من المائدة حيث تكون موجودة، إلى المذبح،
المرحلة الثانية:
تأتي بعد الإنجيل وبعد الطلبات الإلحاحيّة بحيث يتم نقل القرابين مجدّدًا من المذبح إلى المائدة المقدّسة (في وسط الهيكل)، وهذا يُسمّى "الدخول بالقرابين"، إذ بعد "الآن قوات السماوات يخدمون معنا." التي هي بدل الشيروبيكون، يخرج الكاهن من الهيكل حاملًا القرابين بكلّ ورع ساترًا رأسه ليدخل إلى الهيكل ثانيةً من الباب الملوكي وليضع القرابين على المائدة المقدّسة، وتتابع الخدمة، حتى نصل في النهاية إلى مناولة المؤمنين، الصائمين، منها.
أثناء نقل القرابين تُرتّل "الآن قوات السماوات يخدمون معنا، بحالً غير منظور، لأنّّه هوذا ملكُ المجد يدخلُ عابرًا". وأيضًا "ها هي الضحيّة السريّة تتزيّحُ مُكمَّلة. فلنتقدّم بإيمان وشوق، لنصيرَ شركاء الحياةِ الأبديّة. هلّلويا".
لا تجري في هذه الخدمة صلاة التقدّيس (تحويل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه المقدّسين) كما يصير في سائر القداديس، بل يتم مناولة قدسات سبق تقديسها في قدّاس سابق.
في تهيئة القرابين التتي تتم في سحر يوم الأحد أو السبت، أي الذبيحة، وبعد أن يقطع الكاهن الحمل الأوّل المعد للتقدّيس ويذبحه ويطعنه ويضعه على الصينيّة، يقطع حملًا آخر، أو إثنين أو أكثر بقدر الإحتياج مدّة الأسبوع، ويتمّم الكاهن على كلّ حمل الترتيب نفسه الذي تمّمه على الحمل الأوّل في القطع والرفع والذبح والطعن ويقول الأفاشين الخاصة بكلّ مرحلة من المراحل، ويضعها على الصينية المقدّسة إلى الشرق من الحمل الاوّل ملامسة بعضها بعضًا ويكمل إعداد الذبيحة كالعادة.

الجدير بالذكر أنه عندما يبارك الكاهن القرابين وقت الاستحالة لا يقول إصنع هذه الخبزات بل هذا الخبز بصيغة المفرد، كون المسيح واحدًا، وعندما يرفع القدسات يرفعها كلّها معًا ويقول القدسات للقدّيسين.
في قدّاس الأحد أو السبت يجزّء الكاهن الحمل الأوّل فقط، أي الذي سيتم تناوله في القدّاس الذي يُقام، ويضع الجزء المعيّن منه في الكأس كالعادة ويسكب الماء الحار، أمّا الباقون فيرفع كلّ حمل من الذي سيُترك لقدّاس السابق تقديسه ويمسكه بيده اليسرى فوق الكأس، ويمسك الملعقة بيده اليمنى ويضعها في الكأس ويرفعها مملوءة من الدم الطاهر (الخمر الذي استحال دمًا) ويقول:
ايّها المسيحُ السيّدُ، إن ذبيحة الأصنام قد بطلت بالدّم الإلهيّ من جنبك الطاهر المُحيي، والأرض كلُّها تقدّم لك ذبيحة التسبيح كلّ حين.
ثم يسكب الدم الطاهر بالملعقة على الصليب الذي رُسم على الحمل بالحربة سابقًا أثناء تحضير الذبيحة وهو يقول: إتّحاد وكمال الجسد الطاهر والدم الكريم، آمين. ومن ثم يضع الحمل مقلوبًا في علبة القرابين، ويُعيد العمل عينه على كلّ حملٍ من الخبز المقدّس.
قوانين الخدمة:
تشير وثيقة من القرن السابع ميلادي إلى وجود هذه الخدمة وإن كانت تمارس بشكل مختلف عن اليوم. كذلك يذكر القانون الأوّل من قوانين القدّيس نيكيفوروس (829-758 ) بطريرك القسطنينية على إقامة هذه الخدمة: " يصوم الرهبان يوم الأربعاء والجمعة من مرفع الجبن، وبعد تناول القدسات السابق تقديسها يتغذون بالجبن أينما وجدوا". كما يوجد قوانين مجمعية تمنع إقامة القداس في أيام الصوم:
- ينص القانون 49 من مجمع اللاذقية المحلّي المنعقد بين 343 و381 على:
" لا يجوز تقديم الخبز في أيام الصوم الكبير باستثناء السبت ويوم الرّب.
- ينص القانون 52 من المجمع المسمّى الخامس – السادس (البنثيكتي)، أو بمجمع "ترولّو" نسبة إلى قبة كنيسة القصر الإمبراطوري التي كانوا مجتمعين تحتها 692 إلى أنّه يقام قدّاس القدسات السابق تقديسها في كلّ أيام الصوم ما عدا السبوت والآحاد ويوم عيد البشارة المقدّس.
لماذا يُغطّي الكاهن وجهه ورأسه عندما يحمل القُدُسات في خدمة البروجزماني
أثناء خدمة البروجيازميني، وبعد ترتيل القطعة التي بدل الشيروبيكون:
"الآن القوات السماوية تُشاركنا في العبادة غير المنظورة" وبعد التبخير كالعادة، يتوجّه الكاهن إلى المذبح، وهناك يأخذ السِتر (الغطاء) الكبير للقرابين، ويضعه على رأسه ويُغطّي به وجهه، ثم يحمل القُدُسات ويخرج بها من الباب الشمالي، يتقدّمه حامل الشمعة والبخور، ويقول بكل تقوى وخشوع:
"بصلوات آبائنا القديسين أيها الرب الهنا ارحمنا وخلصنا آمين". وفي هذه الأثناء ينبغي أن يكون كل الشعب في الكنيسة ساجدين بكل ورعٍ وايمانٍ وتقوى ومُكبّين بوجوههم إلى الأرض، ولا ينهضون حتى يدخل الكاهن الهيكل من الباب الملوكي ويضع القُدُسات الإلهية فوق المائدة المقدسة
ان تغطية الكاهن لرأسه ووجهه تَستَحضِر إلى أذهاننا حادثتين من العهد القديم جرى فيهما اختبار تجلّيات عظيمة لله، والحاديثتين هما:
الحادثة الأولى
هي تجلّي الرب لموسى في العليقة المشتعلة، التي خاطبه الرب من خلالها، وكان ردّ فعل موسى أمام هذا التجلّي الالهي أنه غطى وجهه رهبة من الحضرة الالهية كما يقول لنا الكتاب: "فَستَرَ موسى وجههُ لأنه خاف أن ينظُر إلى الله" (خروج 6:3).
الحادثة الثانية
هي تجلّي المسيح لايليا النبيّ على جبل حوريب ومخاطبته اياه، وكان ردّ فعل إيليا مُماثلًا:
"فلمّا سمع إيليا سَتَرَ وجههُ بردائِه وخرجَ ووقفَ بمدخل المغارة.." (1ملوك 13:19).
فتغطية الكاهن لوجهه هي تعبيرٌ حسيّ عن الاجلال والوقار أمام حضور الرب بيننا في هذه اللحظات من خلال جسده ودمه المقدسين، وهو تعبيرٌ عن المهابة والرهبة إزاء تجلّي محبّة الرب واستعلان مجده العظيم في هذا السرّ المقدس الذي به منحنا ذاته قوتًا وشرابًا الهيًا. فهناك كان ظهورٌ لله عبر العلّيقة المشتعلة لموسى، والآخر عبر النسيم اللطيف لايليا، أما هنا فظهور الله لكنيسته وحلوله بيننا في سرّ الافخارستيا الذي به نتطهّر ونستنير ونتقدّس ونتألّه ونرث الحياة الأبدية.
كما يُشير الكاهن بذلك إلى صورة الكنيسة التي هي عروس المسيح المُفتداة بدمه، فهو عريسُها الالهي، فيُصوّر خضوعها للمسيح رأسها وفاديها ومُخلّصها، فلا يظهر من الكاهن رأسه أو وجهه تعبيرًا عن أن المسيح وحده هو رأس الكلّ، ورب الكلّ وله يخضع الكل (كولوسي 18:3 وأفسس 23:5) وأمام مجد حضوره ينحسرُ كل مجدٍ أرضيّ زائل.
أضاءة الشموع خلال القداس
اعتاد المسيحيون الأول أن يأتوا بقناديلهم إلى اجتماع الصلاة حيث كانت تقام الصلوات نحو مغيب الشمس، وحين يقترب وقت إنارة القناديل كان يخرج رئيس الشمامسة مع 12 شماس من الهيكل ويذهب إلى مدخل الكنيسة حيث القناديل مضاءة، فيأخذونها إلى وسط الكنيسة حيث يعلن الشماس حاملًا المبخرة: نور المسيح مضيء للجميع، حينها يضيء الأسقف كلّ القناديل الموجودة في الهيكل ويذهب الشمامسة ليضيئوا قناديل الكنسية.(مذكورة بوضوح في القرن الحادي عشر)
وتطورّت الخدمة فأصبج " في نهاية القراءة من التكوين يخرج الكاهن من الباب الملوكي مع قنديل، فيقف الجميع ويذهب إلى وسط الكنيسة حيث يرسم بالمبخرة إشارة الصليب ويعلن: الحكمة، لنصغ، نور المسيح مضيء للجميع. ( هذا ما يشابه لمل يحصل اليوم )
حيث يقف الكاهن مع المبخرة والشمعة المضاءة إمام المائدة من جهة الشرق ويرسم إشارة الصليب معلنا الحكمة، لنصغ. ثم يرسم إشارة الصليب متوجها إلى الشعب معلنا نور المسيح مضيء للجميع.
كما يُذكر في القرون الأولى أن في اجتماعات موائد المحبة Agapi كان كل إنسان يقف أمام النور الذي هو رمز المسيح ( أنا هو نور العالم) ويرتّل نشيدًا من الكتاب المقدّس، وهذا أيضُا كان يحصل في المنازل.
ومن أقدم التراتيل في الكنيسة ترتيلة " يا نورًا بهيًّا التي نقولها في صلاة الغروب".
- يقترب قداس سابق تقديسه من قداس القديس باسيليوس الكبير من جهة صلاة الغروب أيضا يقترب من قداس القديس يوحنا الذهبي الفم عندما تقام صلاة الغروب عيد البشارة إذا وقع في الصوم الكبير.
- صلاة الأخيرة التي تقال عند المنبر هو أقدم الصلوات في ترتيب الخدمة.
- يتخلّل القدّاس قراءة من كتاب التكوين وأخرى من كتاب الأمثال، وكلاهما يتكلّمان عن خلق الله العالم والإنسان وسقوطه وتدبير الله لخلاص الإنسان.، وتدخلان ضمن التعليم الذين كانوا يتلقّونه المزمعون أن يتقبلوا المعمودية في يوم سبت النور. وجميل أن نعرف أن هذا التعليم كان يتم في فترة بعد الظهر بعد صلاة التاسعة ( ما يعادل الساعة الثالثة بعد الظهر) ويستمّر حتى بداية صلاة الغروب وإضاءة الشموع.