الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

إبداع| "قسوة الشتاء".. نص لـ نهى جلال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الآن أشعر بقسوة الشتاء..
بالرغم من أنه فصلي المفضل الآمن لأسباب عدة، أهمها أنه يترك المساحات آمنة، يُنزل الظلام على الطرقات سريعاً ليختفي البشر و يتلاشوا تدريجياً. يُسدل ستائر الهدوء ليمنحني بعض السلام والأريحية، و يختفي أصدقاء ومُريدي الدفء والصيف والحركات العشوائية التي تصيبني بالتوتر والاختناق..
تتساقط الأمطار لتمحو بصماتهم، و تُطهر الأرصفة و الطرقات من آثار أقدامهم؛ و هُنا، في تلك اللحظة تحديداً، أشعر و كأن جميع الطرقات و الميادين لي وحدي، أتجول بكامل حريتي، أشعر و كأنه لا يوجد في الحياة سواي.
ولكن الليلة تغير الشتاء. اشتد قسوة و غضب، كان باردًا، صادمًا، حقيقيًا. لا يُبالي.
جلست خلف نافذتي أتابعه وهو يسطو على هؤلاء المشردين الذين لم تمنحهم الحياه أقل حقوقهم -أربعة جدران- وجزء بسيط من الدفء و الأمان -ذلك الأمان الذي أسعى جاهدة أن أُدركه بالمناسبة-والخصوصية التي انتزعتها الأرصفة و الطرقات. ولكنها موجودة في أحلامهم.
لم أتخيل شخص لم يستطع أن يحلم !تلك مأساة في حد ذاتها.. ألسنا -نحن أبناء الشتاء- لا نملك سوى الأحلام؟ ولو قليلاً ؟!
جلست خلف ستائري الشفافة أتابع قطة صغيره ترتعش متوسطة الطريق أحياناً، و تركض للبحث عن طعام أحيان أخرى، ومكان دافئ تارة ثالثة، ولكن دون جدوى. الشتاء الليلة لعين، ولا أقصد هُنا ان ألعنه والعياذ بالله، ولكنه يذكرني الليلة.
وكأنه إنسان، يخلع ذلك القناع الذي يستخدمونه البشر في اللهاث وراء أهدافهم و إخفاء حقيقتهم عن من حولهم لأشياء عديدة؛ منها "ضعفهم" أو بمعنى أدق "قلة حيلتهم" و الوصول لمبتغاهم بسهولة ومكر ودهاء، ولكنه يسقط دائمًا أمامي في الدقائق الأولى. لا أدري لماذا في الحقيقة، و لم أفكر يومًا في إجابة. على العكس، أتركهم يستمتعون بحماقتهم، ويجتهدون، ويبذلون ما بوسعهم؛ ولكنني أكرههم، ولشدة كرهي أستمتع وأنا اشاهدهم يعيشون الوهم. وأنا أبتسم وألعنهم في قرارة نفسي.
هؤلاء البشر أصحاب الأقنعة الباردة، و القسوة الغير مبررة، ألعنه صراحة.
الآن ألعن كل ما هو قاسي، بارد، مزيف، كل من جعلني مشتتة تائهة، لا أملك سوى نافذة تُطل على كائنات وبشر مُشردين بلا أحلام، غير آمنين، بلا مأوى.
عليهم اللعنة حقاً، وليذهبوا إلى الجحيم جميعاً دُفعة واحدة.