الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حظر تجوال الرجال!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الوقت الذي كان المصريون يتابعون تحقيقات النيابة مع المتهم بالتحرش بطفلة المعادي، كانت هناك قضية مماثلة تدور أحداثها في لندن، بطلتها فتاة في الثلاثينيات من عمرها تدعى سارة إيفيرارد، اختفت خلال سيرها في ساعات الليل الأولى. والغريب أن الاختفاء تم في طريق مزدحم بالمارّة جنوب لندن ورجحت الشرطة أن يكون وراءه جريمة اختطاف وقتل الشابة "سارة"، خاصة بعد العثور على رفات بشرية داخل غابة قريبة من مكان الاختفاء، يُعتقد أنها للضحية "سارة"، وتم القبض على اثنين من المشتبه بهما. وهذا ما ضاعف حالة الهلع التي سادت أنحاء بريطانيا بل وهزت الرأي العام في كامل دول أوروبا. 
وقد استوقفتني ردود الفعل حول الحادث ومظاهر التشابه مع ردود فعل الشارع المصري تجاه هذه النوعية من الجرائم. وقد انتفضت وسائل التواصل الاجتماعي في بريطانيا إزاء هذا الحادث وحمّل بعضها الفتاة المسئولية لخروجها للشارع ليلا بمفردها، كما يحدث في مصر عندما يُحمّل البعض الضحية مسئولية الاعتداء بسبب ركوبها "توك توك" ليلا أو بسبب ملابسها أو مظهرها وغير ذلك من المزاعم الكاذبة! 
ولعل ما ضاعف الغضب وأشعل المعارك الطاحنة على مواقع التواصل الاجتماعي هو تعليق شرطة لندن على الحادث بضرورة تفادي خروج النساء ليلا بمفردهن. وقد عجّت التغريدات على تويتر من ناشطات وشخصيات عامة بالسخط تجاه نصيحة الشرطة، وروت الكثيرات تجاربهن المؤلمة جراء التعرض للتحرش والمطاردة والاعتداء أثناء المشي، والتي زادت معدلاتها خلال فترات الإغلاق الممتدة بسبب جائحة كورونا. كما خصّص البرلمان جلسة عاصفة لمناقشة الاختفاء المُروّع خاصة بعد تعليق الشرطة. وعلت أصوات برلمانيات يطالبن بفرض حظر تجوال على الرجال في الشوارع بعد حلول الظلام بدلا من إلقاء اللوم على النساء عندما يتعرضن للهجوم، رغم كونهن يقضين حياتهن في التفكير حول كيفية تجنب الاغتصاب أو القتل حتى حين يتواجدن في الأماكن العامة العامرة بالناس. وتساءلت البارونة جونز لماذا لا يتم فرض حظر التجوال بعد حلول الظلام على الرجال، وترى أن مثل هذا الاقتراح من شأنه "جعل النساء يشعرن بالأمان ويقلل من التمييز ضدهن".
وخرجت مسيرة احتجاجا على ما حدث لـ "سارة" ولنصرة جميع النساء اللّواتي يشعرن بعدم الأمان، وحملت لافتات كتب عليها "لا حظر تجوال على النساء – مطلوب فرض حظر التجوال على الرجال". وكتبت الصحافة أنه لم يتغير شيء منذ قُتلت يوريديس ديكسون في حديقة برينسز بارك في ملبورن عام 2018، وقبل ذلك أيضا في عام 2015 بعد مقتل ماسا فوكوتيك في حديقة ملبورن في وضح النهار. ورغم اندلاع موجات الغضب آنذاك تجاه استجابة الشرطة المنعدمة وتنصّلها من تحمّل المسئولية عن ضعف التأمين في الأماكن العامة، إلا أن تعليق الشرطة لم يتغير حتى هذه المرة عند اختفاء "سارة"، حيث قالت: "على النساء عدم التواجد بمفردهن في الحدائق"!
ويشتكي العديد من النساء من تأثير الإغلاق في شتاء لندن بسبب جائحة كورونا على حالتهن النفسية خاصة في ظل عدم التمكن من ممارسة رياضة المشي والتريض في الحدائق العامة بعد انتهاء يوم العمل المليء بالضغوط نتيجة ارتداء الكمامة لساعات طويلة والتباعد خوفا من العدوى وتضاعف الضغوط بعد أن أصبح الخروج بمفردهن عند حلول الظلام مخاطرة لا ينبغي عليهن تحملها. 
لكن علّق أحدهم في تغريدة معترضا على ما وصفه بالتحيز والظلم من النساء ضد الرجال، وكتب: "هذاغيرعادل، بعض النساء يُنزلن عقوبة على جميع الرجال لمجرد جنسهم، أوأفعال قلة منهم". لكن كلامه قوبل بهجوم من تغريدات "نسائية" تقول إن الاعتداءات على كل من النساء والرجال يرتكبها الرجال بأغلبية ساحقة (97% - إحصائية عامي 2018 و2019)، وأن النساء يواجهن قيودا على حركتهن وعدم الخروج بمفردهن منذ الطفولة ويستمر ذلك طوال حياتهن. واستشهدت تغريدة بتقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة في المملكة المتحدة يشير إلى أن 97 % من النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و24 عامًا قد تعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة.
هذه الجرائم وتكرارها في لندن أو القاهرة أو أماكن أخرى حول العالم يوميا تؤكد أن النساء يواجهن تهديدًا مستمرًا بالعنف الذي يسحق حقهن في حياة مستقلة - وهو تهديد تفاقم أيضا خلال الوباء- ومازال هناك الكثير الذي ينبغي فعله لجعل المرأة تشعر بأمان أكبر.. لا يزال يتعين على النساء أن يشرحن أنه ليس عليهن تكييف سلوكهن بدافع الخوف، حتى عندما يتعلمن الدفاع عن النفس، ويتجنبن الشوارع المظلمة والهادئة، ويرتدين الملابس المحتشمة، لأن جرائم الاعتداء وهتك العرض والتحرش والاغتصاب والقتل بالرغم من ذلك مستمرة!! 
لا تحتاج النساء إلى عالم يكون فيه يوم المرأة العالمي أو عيد الأم أو حتى شهر مارس كاملا مناسبات استثنائية للاحتفال بالمرأة ثم ينتهي الأمر، بل تحتاج إلى تعليم الرجال منذ الطفولة أن ينظروا إلى النساء على قدم المساواة، وبناء ثقافة تخلق حقوقًا متساوية للمرأة في مكان العمل والشارع والأسرة والمجتمع. إما ذلك كله، أو حظر تجوال الرجال!
Olfa@aucegypt.edu