الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

أوديب وأطلس وسندريلا وبيتر بان.. أساطير وقصص تحولت لعُقد نفسية!

سندريلا
سندريلا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تتعدد العقد النفسية وتتشعب لعدد لا نهائي، على الرغم من اشتراكها تحت فروع ثابتة كأصل لمثل تلك التشعبات، ولعل علم النفس قد حاول بمناهجه القديمة وبتطور مناهج البحث في حصر أهم العُقد النفسية المشتركة بين عدد كبير من البشر، هذه العُقد وإن كان علم النفس كعلم مؤسس حديث نسبياً فور دخوله المعمل وتحوله للمنهج العلمي والتجريبي لازال يعتمد تسميات قديمة منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن لتلك العقد النفسية.
ويعزو الفضل الأكبر في هذه التسميات للعالم النفسي فرويد، فما سبب تسمية تلك العقد بهذه الأسماء؟ وما وراء التسمية لكل عقدة على حدى؟ في الواقع أن فرويد استطاع أن يستخدم الأساطير اليونانية في توصيل معنى معين لتشخيص المرض، فالقصة لها الدور الأكبر في تحديد المسمى للمرض عنده، وهو رأي قد لا يقبله البعض للبعد النسبي للمرض عن الأسطورة الحقيقية وراء تلك التسميات..
وفيما يلي نستعرض بعض الأمراض النفسية والقصة وراء تسميتها بتلك الأسماء..

النرجسية أو حب الذات (ناركسوس)
يصف قاموس كولينز باللغة الإنجليزية النرجسية بأنها "اهتمام استثنائي بالذات أو الإعجاب بها، خاصة المظهر الجسدي للذات"، ويعرفه البعض بأنه الإفراط في حب الذات، والاهتمام بالمظهر الخارجي وراحة الذات وتضخيم الفرد من أهميته وقدراته.ويتم تصنيفه إحدى الأنواع المتعددة لاضطرابات الشخصية؛ فهي حالة نفسية يتملّك المريض بها شعور مبالَغ فيه بأهميته، فضلاً عن حاجة عميقة إلى زيادة الاهتمام والإعجاب، ولكن يكمن وراء هذا المسمى أسطورة يونانية قديمة تم إستخدامها في توضيح ماهيه هذا المرض كوصف له.
يظن البعض بأن النرجسية تم تسميتها لزهرة النرجس، حيث إنها تقتل أي نبات ينمو بجوارها، ولكن الحقيقة غير ذلك، فالنرجسية سميت تبعاً لناركسوس، فكما تشير الأسطورة اليونانية القديمة فناركسوس شخص معتد بنفسه، لم تخلق ألهه اليونان شخص أجمل منه، فقد وهبته منذ طفولته حُسناً رائعاً وجمالاً أخاذ، فلم يره إنساناً ادون ان يُعجب بجماله، وكان يزداد جمالاً كلما تقدم به العمر، يحبه اصدقائه ورفقائه من الذكور والإناث، وكان يدرك جماله وحُسنه، لكنه لا يتجاوب مع أي من المعجبين به، فكان يصدهم جميعاً، فلم يكن يعرف الحب، ولايقيم للعواطف وزناً.
وقصته تتلخص في حُب حورية لناركسوس، ومحاولتها بمصارحته بحبها، ولكنه يرفض حبها، لتحاول تلك الحورية الإنتقام منه وتشكوه إلى افروديت، لتتوعد افروديت بالأنقام من ناركسوس لها، وهكذا يتعلق ناركسوس بحورية اخرى رأها يوماً ما وهو يستريح من الصيد على شط البحيرة على صفحات المياة، ليظل يذهب لتلك البحيرة لمقابلتها يوماً بعد يوم، ليمد يده إلى المياة يحاول لمسها، فاهتزت المياه واختفت محبوبته على الفور، سيطر عليه الحزن من هروب محبوبته منه، فربما لا تبادله الحب أو تتهرب منه! حزن ناركسوس وذبُل جماله، أصبح كسيراً حزيناً حتى فارق الحياة، والحقيقة أن حوريته لم تكن سوى انعكاس لصورته هو على صفحات المياه.

عقدة أوديب
هي مفهوم أنشأه سيجموند فرويد واستوحاه من أسطورة أوديب الإغريقية، وهي عقدة نفسية تطلق على الذكر الذي يحب والدته ويتعلق بها ويغار عليها من أبيه فيكرهه، في نظرية التحليل النفسي مصطلح عقدة أوديب يدل على المشاعر والأفكار والأحاسيس الجنسية التي تبقى مكبوتة في العقل الباطن للطفل تجاه أمه، أما عن الأسطورة اليونانية المستوحى منها تلك العقدة النفسية فهي تتحدث عن قصة قديمة.
تتحدث القصة عن أوديب ذلك الطفل الذي وُلد بنبؤة بأنه سيقتل والده وسيتزوج أمه، ليحاول أبوه التخلص منه، ولكن القدر يسوق اوديب لتتبناه ملكة أخرى في مملكة مجاورة حيث إنها غير قادرة على الإنجاب هي وزوجها الملك، ليكبر في كنف أم غير أمه وهو يعتقد أنها أمه، ويحارب والده الحقيقي ويقتله دون أن يعرف أنه والده، وعندما أتاه خبر موت والدته التي تبنته يضحك على انتصاره على النبؤة وهو لا يعلم بأن من ماتت ليست أمه الحقيقية، بل أمه الحقيقية هي زوجة الملك الذي قام بقتله وتزوجها، وهكذا يكتشف أوديب الحقيقة في نهاية الأمر، ويكتشف بأنه قد قام بما قالت به النبؤة التي سبقت ولادته بتفاصيلها..
تلك هي أسطورة اوديب كما تناقلتها الأجيال وتناولتها المصادر الأدبية والفلسفية والسيكولوجية قديماً وحتى الأن، مع تغيير بسيط في بنية القصة دون تغيير عن تكوين الموضوع، وهي الشرح الأبسط لما تناولة فرويد في أعماله النفسية.

عقدة كورونوس (السيطرة)
مسمى هذه العقدة أيضاً مستمد من الأساطير اليونانية القديمة أيضاً، من حيث الدافع الأساسي لشخصية كورونوس، كورونوس هو أحد أهم آلهة اليونان القديمة، ولا يتم استخدام اسمه كثيراً سوى في بيان كيفية نشأة ألهة الأوليمب، فهو ابيهم جميعاً، اب لكل من زيوس وهادس وبوسيدون وبقية اعضاء المجمع الأوليمبي، وتتمثل أسطورته في تلك القصة؛ كورونوس ذلك الإله المشتهي للسلطة، الذي لم يطق معارضة أشقائه ومساعديه، الذي قتل بعضهم ونفى بعضهم لغياهب الجحيم "تارتاروس" العالم السفلي.
عاش كورونوس سلطاناً مطلقاً باستبعاد كل من يعوق طريقه، ولكن كانت لنبؤة والدته شأن آخر، كانت عن أن مصرع كورونوس ستكون بيد أحد أطفاله، سوف يعزل عن العرش والقوة بيد أحد أبنائه، لذا فقد قرر عدم الإنجاب، ولكن ذلك كان صعباً عليه، فلجأ لحيلة أخرى، وهي بابتلاع اي طفل يولد له لئلا ينازعه السلطة وتتحقق نبؤة امه، ولكن كان لزوجته "ريا" رأياً آخر اذ انها تراقبه وهو يبتلع الطفل تلو الآخر وليس بيدها شىء، ليسيطر عليها الغضب والحزن على أولادها وتقرر التدخل بشكل ما، وما أن وضعت ابنها زيوس حتى أخفته عن أبيه ووضعت مكانه حجراً، وعندما أتاها كورونوس وطلب منها الوليد ليبتلعه ابتلع بدلاً منه الحجر، ليشب زيوس في منأى عن أبيه ويتفق مع امه لأنقاذ إخوته، ليضعوا له السُم في الطعام وما أن اكله كرونوس حتى أخرج ما في معدته من أبنائه ألهه الأوليمب الذين تم ابتلاعهم، وقد قامت حرب شرسة استطاع زيوس فيها هزيمة أبيه كورونوس بمساعدة اشقائه وليصبح كبير الألهة خلفاً لأبيه وكبيراً لأخوته في جبل الأوليمب.
تلك هي الأسطورة اليونانية مع اختلاف بعض التفاصيل الصغيرة في كتب التاريخ اليوناني القديمة، حيث انها تظل تحت مظلة الميثولوجيا القديمة ولكنها في نفس الوقت مؤسسة لفكرة السلطة المطلقة، والجزء المشار إليه في علم النفس ويصنف كعقدة هي الإستمساك بالسلطة المطلقة بأي شكل كان وتحت أي مسمى وبأي ثمن.

عقدة أطلس
تلك العقدة أيضاً مستوحاة من الأساطير اليونانية، أطلس ذلك التايتن أحد الألهة القديمة، الذي لم يتبق منهم سوى عدد يسير بعد حرب زيوس مع ابيه كرونوس.
ولكن زيوس أبقى عليه ليظل يحمل الأرض على أكتافه حتى النهاية كعقاب له، وتتمثل تلك العقدة في الشخص الذي يقحم نفسه بما لا يقدر عليه لمجرد ادعاء الشهامة، وليبدو بأنه يصارع القدر.

متلازمة بيتر بان
على الرغم من عدم اعتبارها حتى الآن كأحد العقد أو الأمراض النفسية الا أنها اتجاه يجب الاهتمام به، وهكذا كان، فقد تم الاهتمام بالجانب النفسي في قصة بيتر بأن للمؤلف والكاتب المسرحي الإسكتلندي جيمس ماثيو باري، والتي تحكي عن طفل شقي لا يكبر أبداً! ليتحول لنموذج عن إضطراب في الشخصية لمحاولة الشخص في الأستمرار في فترة عمرية إلى الأبد، وايضاً تجاهل الواقع الإنساني والعيش في عالم الخيال. وعلى الرغم من ان تلك المتلازمة مازالت محض دراسة إلا أنها تحولت من الإطار الروائي للإطار السيكولوجي ويتم النظر اليها حالياً بالتحليل والدراسة.

عقدة سندريلا
وكما لعبت الأساطير دوراً في تسمية أهم العُقد النفسية تلعب أيضاً الروايات والقصص دوراً جديداً في التسميات المعاصرة. من منا لم يسمع بقصة سندريلا التي كتبها الأخوان غريم؟ تلك القصة التي تحكي عن طفلة تتربى في كنف زوجه ابيها التي تسيء معاملتها على غرار ابنتيها الأخريان، لتكبر الفتاة في ظل الضغط والظلم والقهر في محاولة منها للاستمرار والتماشي مع ما يفرضه الواقع، حتى يقيم الأمير حفلاً يدعو فيه كل فتيات القرية لأخيار عروسة منهم، ولكن بسبب تعنت زوجة أب سندريلا تُمنع سندريلا عن الحفل، وأيضاً لعدم وجود ثوب ملائم لها للحضور، حتى تتفاجئ سندريلا بجنية تساعدها على الذهاب للحفل بشرط الحضور قبل الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، وتذهب سندريلا للحفل، وتتعرف على الأمير الذي يُعجب بها وهي تبادله الأعجاب، لتتناسى الوقت وفجأة تسمع رنين ساعة القصر وهو يقرع بحلول منتصف الليل، لتجري سندريلا على عجالة وتترك أحد فردتي حذائها وتستمر في الركض، ويحاول الأمير اللحاق بها ولكنها تكون قد ذهبت ولم تخلُف وراءها سوى فردة حذاء واحدة، ليحاول الأمير العثور عليها من خلال تجربة الحذاء على كل فتيات القرية، حتى يجدها في نهاية القصة ويتزوجها وتُختتم القصة.
وهكذا تغيب القصة هنا ايضاً كما غابت من ذي قبل، فالمضمون هو سبب المُسمى الحقيقي للعقدة، التي تتمثل في عدم استطاعة المرأة او الفتاة الاستقلال سوى في كنف سلطة ما، تشملها بالرعاية والإعتناء، لتتحول سندريلا من قصة خيالية للأطفال لأسم لعقدة نفسية للفتاة تدل على سعيها للبحث عمن يرعاها ويتولى شأنها.
وعقدة سندريلا كمصطلح حديث نسبياً، وفهو قد وصف لأول مرة عام 1981 من قِبَل الكاتبة والمعالجة النفسية الأمريكية كوليت داولينغ في كتابها "عقدة سندريلا: خوف النساء الخفي من الاستقلال" ليتم تحويلها من مجرد قصة لإحدى العقد النفسية.