الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مائة بيت من الشعر العربي القديم – أبو مدين التلمساني (21)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في تراث الشعر العربي، منذ ما قبل الإسلام إلى نهاية العصر العباسي، كنوز وجواهر لا ينبغي للأجيال الجديدة أن تجهلها. نقدم كل يوم بيتا من عيون الشعر القديم، مصحوبا بإضاءة قليلة الكلمات، في محاولة لتحقيق التواصل الضروري والاستمتاع بعصير الحب والحكمة والموت.

21 – أبو مدين التلمساني
" فقل للذي ينهي عن الوجد أهله
إذا لم تذق معني شراب الهوى دعنا "

على الصعيدين المادي والمعنوي، يعادي العاديون من الناس، وهم الأغلبية الساحقة، ما يجهلون. يلوذ هؤلاء بأحكام وقوانين محنطة سابقة التجهيز، ويبرعون في تقديم النصائح الماسخة الفجة، ذات الطلاء الباهت الذي يوحي ظاهره بالعقل والحكمة. ليس أسهل عندهم من طرح العلاج السريع لكل مشكلة، وفي ساحة الحب يفتون برعونة فيستفزون العشاق. يتصدى أبو مدين لهم، مسلحا بضبط النفس والحرص على تجنب الاشتباك والصدام العبثي. غاية ما يطلبه أن يلتزموا الصمت، فهو يعي أنه لا جدوى من حوار لن يفضي إلى شيء، وكيف لمن لم يذق معنى الحب أن يستوعب بعض معاناة الغارقين فيه؟.
ليس مثل كلمة "دعنا" في تجسيدها العميق المكثف للزهد الأصيل في المناقشة البعيدة عن الجدية، فلا متسع للتواصل مع المحرومين من نعمة ولذة الحب، المجترئين بجهلهم زاعمين أنهم بارعون قادرون على الاستيعاب والفهم، والنهي والأمر، وارتداء مسوح الإدراك الخائب، والقدرة الهزلية على التشخيص والعلاج.
ينحصر طموح التلمساني في فض الاشتباك، وفي ثنايا البيت الهادىء غضب مكتوم يترجم شعور اليأس، وينأى عن الاهتمام بما لا يستحق الاهتمام، كأنه يقول: عندنا معشر المحبين ما يغنينا عن مجادلة السفهاء.