الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

دراسات مثيرة حول القراءة.. وخفافيش الظلام تخترق السوشيال ميديا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تمثل القراءة واحدة من أهم النوافذ الحقيقية لثراء شخصية الإنسان وفتح مداركه، والمتابع للإحصائيات المتداولة عن حجم ما يقرأه المواطن العربي من صفحات، أو عدد الدقائق التي يقضيها في القراءة على مدى سنة كاملة، يجدها مخزية تمامًا، ما يدعو للشك فيها، فعلى الرغم من تدني مستوى القراءة في العالم العربي عن الطموح المطلوب فإنه ليس متدنيًا لدرجة أن "العربي يقرأ ربع صفحة سنويًا، أو لمدة ست دقائق سنويًا".
في المقابل أصدرت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا تفصيليا حول مؤشرات القراءة العربية 2016، شارك فيه أكثر من 148 ألف مواطن من جميع الدول العربية، ومن مختلف الفئات، منهم 60.680 طالبًا وطالبة من مختلف المراحل التعليمية، و87.614 من غير الطلبة المنتمين إلى شرائح اجتماعية ومهنية مختلفة.

وبحسب التقرير، فقد بلغ المعدل العربي لساعات القراءة سنويًا 35.24 ساعة سنويًا، وتراوحت الأرقام بين 7.78 ساعة في الصومال، التي تعد أقل معدل، و63.85 ساعة في مصر كأعلى معدل. فيما بلغ المتوسط العربي لعدد الكتب المقروءة سنويًا أكثر من 16 كتابًا في السنة، وسجلت جيبوتي وجزر القمر والصومال أقل معدل في عدد الكتب المقروءة بما يساوي 1.76، بينما سجلت لبنان المعدل الأعلى بموجب (28.6)، وجاءت 12 دولة فوق درجة المتوسط العربي من حيث عدد الكتب المقروءة سنويًا، هي على التوالي لبنان والمغرب ومصر والإمارات وتونس والأردن والسعودية وقطر والبحرين وفلسطين والجزائر وعُمان، وهي الدول ذاتها التي تأتي فوق متوسط إجمالي ساعات القراءة سنويًا باستثناء عُمان.
من ناحية ثانية فإن الإنترنت سهل عملية إتاحة الكتب، فالقراءة تأثر بعدة عوامل منها إتاحة الكتب بأسعار رمزية، تسهيل الوصول إلى الكتب عبر شبكة الإنترنت، نسبة الأمية والانتظام في العملية التعليمية، إذ كيف تبحث عن وصول المواطن العربي لدرجة امتلاك عادة القراءة "لتحرير العقول وكسر حواجز الجهل وإنقاذ الأمم والشعوب من مستنقعات التخلف والجهل والتبعية"، كيف تأمل في الصول إلى هذه المرحلة ولاتزال نسبة الأمية عالية.
وبحسب تقرير لمنظمة اليونسكو، فإنه "على الرغم من الارتفاع المطرد في معدلات معرفة القراءة والكتابة على مدى الخمسين عامًا الماضية، لا يزال هناك 773 مليون أمي بالغ في جميع أنحاء العالم، معظمهم من النساء".
ومع وصول جائحة "كوفيد19" إلى المنطقة العربية، واتخاذ الدول عددا من الإجراءات الوقائية ومنها الحجر الصحي، والتشديد على المواطنين بالبقاء في المنازل إلا للضرورة، فقد عبر الكثير عن شعورهم بالملل على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي ظل الظروف التي تسعى فيها الحكومات لقضاء مصالح الناس عن طريق الإنترنت، مثل وزارة التربية والتعليم التي حثت المعلمين على مباشرة تدريس المناهج على عدد من التطبيقات التي يجرى استخدامها بين الطلاب، كما لجأت الجامعات إلى شرح مناهجها للطلاب من خلال المنصات التعليمية المتوفرة على شبكة الإنترنت، ففي ظل هذا الاتجاه الجاد ناحية التعليم عن بعد، كيف يقضى الفرد وقت فراغه أثناء تواجده في البيت دون أن يشعر بالملل والضجر؟ ما ساعد على طرح عدة مبادرات رسمية وأخرى غير رسمية للحث على القراءة واستثمار الوقت في اكتساب عادة القراءة.
لعبت مجموعات التواصل الاجتماعي "الجروبات" دورا مهما في تحفيز الشباب والمواطنين على اكتساب عادة القراءة، وأيضا على تطويرها ونموها، فمن خلال جروب فيس بوك يجد المستخدم نفسه وسط بيئة متشابهة، يمارسون هواية واحدة، ويواجهون مشكلات وهموم مشتركة، وبات لكل عضو أن يشارك بقية الأعضاء صور المكتبة الخاصة به، أو أغلفة الكتب التي حصل عليها مؤخرا، أو عدد الكتب التي قرأها خلال المدد الفائتة.
وزادت أهمية الجروبات التي انطلقت في فترة ما بعد الانفتاح الإلكتروني واستخدام الشباب للفضاء الافتراضي للتعبير عن مشكلاتهم الحياتية، ومن ثم تنظيم عدة احتجاجات عصفت بالمنطقة العربية بداية من العقد الثاني في الألفية الثالثة.
وفي العام 2012 انطلق جروب "عصير الكتب" وحصد الآن ما يقرب من 275 ألف عضو، وجروب "نادي القراء المحترفين" في 2017 الذي يشترك فيه قرابة الـ135 ألف عضو، وجروب "بوك مارك" في 2018 الذي يضم أكثر من 110 ألف عضو، ومن الجروبات المهتمة بالقراءة "ريفيو.. ننقد لنرتقي" في 2016 الذي يضم قرابة 33 ألف عضو، وهو غير منفتح على الجميع لأنه يطلب مشاركة الإناث فقط. ومن الصفحات "قراءة في كتاب" التي تجاوزت 6 آلاف إعجاب.
تسهل الجروبات من عملية التواصل بين مجموعة لديها نفس الاهتمامات بخصوص المطالعة والقراءة، ففي المساء يشارك الأعضاء أغلفة للكتب التي يسهرون على قراءتها، ويطلبون من البقية أن يبادلونهم عناوين الكتب التي يحبون السهر معها، وإلى جانب تحميل صور المكتبات الخاصة وتزيينها وعدد الكتب الذي تضمه، فإن البعض يسعى لطلب رأي الأعضاء في الكتب التي يفضل أن يبدأ بها خاصة أنه في طور البداية، أيضا الإعلان عن أخبار المبدعين الخاصة بندوات المناقشة وموعد طرح القصص والروايات والمجموعات الشعرية، ومواعيد معارض الكتب المختلفة: معرض الساقية، ومعرض الأوبرا، ومعرض الدقي، ومعرض ملوى بالمنيا، ومعرض القاهرة الدولي للكتاب.

من ناحية أخرى يسأل عضو عن التدرج في قراءة أعمال الأديب الروسي ديستويفسكي، ويسأل عضو عن الأعمال الأدبية التي ترقى للتحويل السينمائي والتلفزيوني، والاستفسار عن أحسن التطبيقات الصوتية التي تتيح الكتب بطريقة مسموعة.
من الأدباء الذين أشادوا مؤخرا بجروب "نادي القراء المحترفين" كان الروائي أدهم العبودي، من خلال تدوينة نشرها على الجروب قال فيها: "بقيت تلقائيًا أفتح فيس بوك على جروب نادي القرّاء المحترفين، بشكل ما فيه نوع من أنواع الونس والحميمية، كإنه مجتمع صغيّر يشبه القرية اللي النّاس فيها شبه بعض، قاعدين على مصطبة، بيحكوا وبيتجادلوا، اهتمامات مشتركة، ود متبادل، إضافة لتحقيق أهم عنصر من عناصر السوشيال ميديا: المعرفة، التواصل مع أفكار جميع النّاس، قبل الجروب مكنتش مهتم بفكرة "التلاقي"، انهردا ليا أصدقاء عرفتهم من الجروب، قراء كسبتهم من الجروب، ناس شفتهم وجهًا لوجه لأول مرة، صور ذهنية بتتبدد وبنبتدي نعرف بعضنا على طبيعتنا، نصنع علاقات قوية حقيقية، هنا فيه مساحات ومساحات من القرب خلقها الجروب، وده دور عظيم جدًا جدًا".
في حين شاركت الكاتبة بيداء صالح العبد اقتباسًا من روايتها "مذكرات أبي"، والكاتب حسام عمر يعلن عن روايته "رسالة لم تكتب بعد"، وشارك بعض الأعضاء من الصحفيين المواد المكتوبة حول الثقافة والأدب والفلسفة، ونشر البعض إعلانات دور النشر عن المسابقات، وعن فتح باب التقدم للنشر، كما تم الإعلان عن إجراء بث مباشر لحوارات مع كتاب ومثقفين.
من المشكلات التي تواجه مثل هذه الجروبات: الاختراق من قبل أشخاص يتظاهرون بكونهم من النخبة القارئة، لكن مع تتبع تعليقاتهم تجدهم يحضون بشكل فج على منع القراءة، وأيضا السخرية من الكتاب بحسب الآراء والأفكار، رغم أن القراءة يجدر بها أن تحرر العقل من التمييز على أساس طائفي أو سياسي.
ففي الحين الذي يسأل فيه أحد الأعضاء عن أي الكتب للكاتب إبراهيم عيسى يمكن أن يبدأ بها، حتى تنهال عليه التعليقات التي تحذره من القراءة لها، وذلك نظرا لتناوله موضوعات حساسة في التاريخ الإسلامي، وهو ما يفصح عن توجه الحسابات التي تدخل على خط المنع، وممارسة المصادرة، والخوف من القراءة، بينما نجد آخرين بصفة دائمة يقللون من أي كتب مرشحة للأعضاء؛ وذلك بتعليقات مثل "جرب أن تقرأ القرآن"، وهو ما يدفعك كي تكون محصورا في كتاب يأمر أتباعه أصلا بالتدبر والقراءة ويدعوهم لتحرير عقولهم.