الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ولكم في جنازة «البدرى» عبرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما شهدته جنازة الصديق والنائب والمناضل، الراحل البدرى فرغلى، تأكيد أن الناس لها من تحب فقط، وليس من يتاجر بألامهم وهمومهم، ويستنفع من وراء قضاياهم، بل الناس تعشق فقط، هؤلاء من وهبوا حياتهم من أجل إسعاد الآخرين، والدفاع عنهم.
البدرى نموذج خاص جدا في النضال، استحق عن جدارة "نائب الغلابة"، ومن لا يعرف البدرى، لم يعرف معنى تاريخ النضال من أجل الوطن والناس، فحياته سجل طويل من الكفاح، وهو ما زال في عمر الصبا، إن لم يكن من عمر الطفولة.
والحضور الجماهيرى المتدفق كالسيل في الجنازة تأكيد على مكانة رجل في قلوب الملايين، وما شهدته مواقع "السوشيال ميديا" والتى تحولت إلى سرادق عزاء من كل بقعة في البلاد، دليل حب آخر لرجل أحبه الناس دون أن تراه، ودون أن تعرفه، بل أحبته لمجرد أن سمعته وشاهدته مدافعا عن الحق البشر في الحياة الكريمة.

لم يتخل البدرى عن أى شخص، طلب منه مساعدة، ولم يكن نائب دائرة، بل نائب وطن، بل قل أوطان، ومدافعا عن الحق، ولم يخش سلطان، ولا أصحاب نفوذ، انطلاقا من وصية والدته "إن كنت هتتكلم متسرقش، وإن كنت هتسرق متتكلمش".
من يتتبع تاريخ البدرى السياسى على مدى أكثر من ٥٠ عاما، يعرف للوهلة الأولى أنه عبارة عن محطات متكاملة، وكل مرحلة لها خصوصيتها، وتوقيتها، وأهدافها، والتى حقق فيها الكثير والكثير، وفاق ما استهدفه في كل مرحلة، مخاطبا في الناس همومهم، وقضاياهم وأحلامهم.
وندقق في مراحل نضال البدرى، المولود قبل ثورة ٢٣ يوليو بخمس سنوات، فقد بدأ حياته عاملًا في الشحن والتفريغ في ميناء بورسعيد، لتبدأ مرحلة النضال الأولى خلال فترة العدوان الثلاثى في ١٩٥٦، بعدما تعرضت بورسعيد للخراب وظل يدافع عن مدينته الباسلة حاملا على كتفه بندقية، وامتد النضال خلال العمل التطوعى في أعقاب النكسة عام ١٩٦٧، وتلك مرحلة لها خصوصية.
لتأتي المرحلة أخرى من ١٩٧٤، عندما تعرض للاعتقال لمدة ٦ أشهر بسجن الزقازيق، بسبب قصيدة كتبها لابنته، ذات الأربع سنوات وقتها، ويقصد بها محبوبته الكبرى مصر، ليتعرف على رفقاء جدد، تقوده إلى أن يجد في حزب التجمع ضالته، في عام ١٩٧٦، وليتخذ من عضوية المجلس المحلى في مدينته "بورسعيد" منبرا للدفاع عن الفقراء.

وفى ١٩٩٠ تبدأ مرحلة جديدة من نضال البدرى، عندما تم انتخابه عضوا فر مجلس الشعب لأول مرة، فائزا على سطوة المال، ودون أن ينفق مليمًا واحدًا في الدعاية، فحمله الناس على الأعناق وفى القلوب، ليقرر في دورة أخرى الترشح في دائرة غير تلك التى فاز فيها في الدورة الأولى، ويحقق فوزا "فرديا" لم يسبقه فيه نائب ولم يلحق به نائب، لأنه رجل أحب الناس فأحبوه.
وفى مرحلة أخرى وفى العام ٢٠٠٧، وجد البدرى،- الذى أحببت أن أطلق عليه "بدر النضال"- في قضايا أصحاب المعاشات مرحلة يختتم بها حياته، مدافعا ومطالبا بحقوق أصحاب المعاشات من الضعفاء والمهمشين خاصة مع خروجه على المعاش، ليؤسس أول نقابة مستقلة لأصحاب المعاشات في العام ٢٠٠٨.
وبداية الرحلة في ٢٠٠٩، ضد القانون رقم ١٣٥، الخاص بالتأمينات والمعاشات، والذى حمل ظلما كبيرا ضد أصحاب المعاشات، حتى انتهي الأمر بإلغائه بإصدار قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات الجديد، وبإسقاط قانون التأمين الصحى القديم.

وفى ٢٠١٣، أصبح رئيسًا لاتحاد أصحاب المعاشات، ليخوض مع زملائه، معركة ضم الـ٨٠٪ من آخر ٥ علاوات لأصحاب المعاشات، حتى أصدرت المحكمة حكما يقر بأحقيتهم لتلك الأموال، وصدور قرارات جمهورية في هذا الخصوص، لينال البدرى لقلبا جديدا "المنتصر لأصحاب المعاشات".
المؤكد أن البدرى رحل في ١٥ فبراير ٢٠٢١، وهو راض عن نفسه، لم يبخل بجهد أو حياة من أجل وطن وشعب، رأى فيه أنه يستحق الغالى والنفيس، وصدقت مقولة مواطن بسيط في تعبير عنه على صفحات فيس بوك، " من قال لا في وجه من قالوا نعم " إسوة حسنة يا أعضاء مجالس الأمة والشعب والنواب.
ولهذا زف الناس البدرى فرغلى في يوم رحيله، في خاتمة تليق بواحد من الناس وللناس، عاش نظيف اليدين، متصالحا مع نفسه، وما ثوابته، وحتما سيظل بدرا للنضال وفى قلوب البسطاء في ربوع البلاد.