امتدت لقاءاتنا ساعات.. أسأل ويجيب، أنصت بشدة لتجربة أكثر فصولها مريرة، سالت فيها الدماء وتناثرت خلالها الأشلاء في مواجهات دامية بين الجماعة الإسلامية والدولة والمجتمع كله. استحلال واغتيالات وسطو على محلات الذهب وتكفير المجتمع مسلميه ومسيحييه. حكى إمام التائبين كرم زهدى فصول حياته، نشأته، مشاركته في الفرق المسرحية في صباه وكيف تحول ابن المنيا إلى أحد أهم مؤسسى الجماعة الإسلامية التى رفعت السلاح وحاولت الاستيلاء على الحكم وفرض رؤيتها المتشددة والضيقة للدين بالقوة وبالفتوى والتكفير والإرهاب، وكثيرًا ما ردد: «إحنا اضحك علينا واحنا صغيرين». وانتقل الحديث بيننا إلى مرحلة السجن وسداد فاتورة العنف، وكيف بدأت المراجعات الفكرية والفقهية بقناعة كاملة من مجلس شورى الجماعة إلا بعض القيادات (منهم عاصم عبد الماجد)، التى استفادت من مكاسب المراجعات بالخروج من السجن دون التخلى عن أفكار العنف وحمل السلاح. لم يكن الرجل يميل في حديثه للانتقام من رفاق سلاح ضلوا، ولم يكن انتقاميًا وهو يسرد تفاصيل، لكنه عندما تحدث عن الإخوان لم يكتم شهادة وقال خالفوا طريق الله وتلقوا تمويلات وما حدث لهم «نهاية حتمية» بعد أن ظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، استغلوا إرهابيى سيناء للضغط على الجيش، وتحالفوا مع المتطرفين، وأقصوا كل من ليس إخوانيًا، واعتقدوا أنهم سيبقون 500 سنة.. كان الحوار كاشفًا وفاضحًا لأدعياء الدعوة وسماسرة الدين دون افتراء أو مبالغات أو اتهامات بلا سند.. شهادة هى وثيقة نضعها أما الأجيال من رجل شجاع اعترف بخطئه وتراجع وحاول الإصلاح ما استطاع إليه سبيلًا. وإلى صفحات ما رواه الراحل كرم زهدى ونشرته «البوابة» في 2015.. شهادة تفضح المتاجرين وتكشف خطايا أمراء الإرهاب.
«إمام التائبين».. كرم زهدى يواصل محاكمة «الإرهابية»:
بعض القيادات تحايلوا بالمراجعات للخروج من السجون ثم انقلبوا على الدولة
هناك تيارات إسلامية كانت تعمل بحرية وينتقدون نظام الحكم لدرجة وصفهم لكامب ديفيد بالكفر
أحداث 81 عرقلت مسيرة الجماعة الإسلامية وأحداث الأقصر عطلت مبادرة وقف العنف 3 سنوات
كشف الشيخ كرم زهدى رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، عن جميع كواليس مبادرة وقف العنف والمراجعات الفكرية، وكيف لعبت قناعة اللواء أحمد رأفت وثقته في قيادة الجماعة الدور الأهم في نجاحها، ولم يجد زهدى حرجًا في تحميل رفاعى طه القيادى بالجماعة الإسلامية مسئولية تعثر مبادرة وقف العنف بعد عملية الأقصر التي شكلت ضربة قاضية للمراجعات وتأخرها لمدة ثلاث سنوات على الأقل.. وإلى نص الحوار:
الإسلامبولي والمتهمون في قضية اغتيال السادات داخل القفص
■ حديثك عن رفض أمير الجماعة الإسلامية الدكتور عمر عبدالرحمن القيام بمهاجمة مديرية أمن أسيوط يؤكد عشوائية القرار داخل الجماعة؟
- ليس هذا بالضبط فمجلس الشورى بالكامل كان متفقًا على مسألة محاولة السيطرة على كمية كبيرة من السلاح من المديرية ليسافر بها للقاهرة لمساعدة الإخوة هناك على إكمال ما أطلق عليه ساعتها «ثورة إسلامية» واحتلال المناطق الحيوية، أضف لذلك معظم هؤلاء الشباب كانوا متأثرين بتراث السلف الصالح فأرادوا أن يستشهدوا في سبيل الله، وهذا الكلام طبعًا كان ينبغى الرد عليه، فلو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا كنا تفهمنا الأمور بشكل أكثر عمقًا وراجعنا كل الفتاوى التي صدرت في هذا الصدد.
■ قضيت ثلاثة أعوام بصحبة الشيخ عمر عبدالرحمن فهل كان ذلك يخفف عنكم أيامكم داخل السجن؟
- بالفعل كان وجوده تخفيفًا على من حوله، وفى الوقت ذاته عالم جليل يفيدنا كثيرًا في قضايا الفقه، وكان له مواقف رائعة جدًا فحينما سألناه عن الحكم بغير ما أنزل الله قال «إنتوا عايزين تبرروا أحداث أسيوط أنا مش موافق عليها.. هو كل واحد يزعل من واحد يرفع السلاح ويقتله دى تبقى فوضى».
■ كانت علاقات السادات بالجماعات الإسلامية جيدة فلماذا انقلبتم عليه؟
- الدعاة داخل السجون وخارجها كانوا دائمى التحريض والتكفير ضد معاهدة كامب ديفيد، والتي لو نظرنا لها بقليل من البصر والبصيرة لوجدنا لها أصلًا في الشريعة وهو صلح الحديبية، فكل الجماعات الكبرى الموجودة هي التي أخرجها السادات من سجون عبدالناصر وحرضتنا على حكم السادات وقالوا لنا إن السادات بنفسه كان عضوًا في المحكمة العسكرية التي حاكمت الإخوان وأعدمتهم، وخلاف ذلك فقد رسخوا لدينا فكرة الانتقام.
■ رغم الحرية في العمل الدعوى والتنظيمى التي كنتم تتمتعون بها؟
- هذا صحيح، فهناك تيارات إسلامية كانت تتواجد على الساحة بصورة لافتة وبحرية، ورغم ذلك كانوا ينتقدون نظام الحكم لدرجة وصفهم لكامب ديفيد بالكفر، ووقتها كنا شبابًا صغيرًا نستمع ونتأثر سريعًا، فكانوا يثيرون غضبنا متجاهلين ترحيب الدولة بهم وخروجهم من السجون وصرف المرتبات والمعاشات وإعطاءهم الفرصة في دخول الجامعات والتعيين في مناصب هيئات التدريس.
■ وماذا كان ينتظر السادات منهم؟
- كان ينتظر رد الجميل له فللأسف لم نفهم هذا ولم نفهم أن ٢٥ أبريل وموعد انسحاب آخر جندى إسرائيلى من سيناء وبعدها سيتم الإفراج عن المعتقلين جميعا إخوان أو جماعات أو أي تيارات أخرى، فلو كنا فهمنا هذا لكان الأمر تغير، لكن للأسف الشديد تأثرنا بأجواء التحريض ومقاتلة الرئيس وإجباره على التنحى، وهى جملة من الأخطاء التي استوعبناها جيدا، أيام المراجعات قلنا "إننا لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا لكان الأمر مختلفا تماما وما كنا أقدمنا على ما تورطنا فيه".
■ وأين كانت العائلة مما يجرى؟
- في الواقع كان موقف الأهل في هذه المحنة موقفًا نبيلًا جدًا، ذلك أنهم كانوا يدركون أننا لم نفعل هذه الأحداث عن عمد، لكنها جاءت بفعل خاطئ في مرحلة الشباب، وكان السبب الحقيقى فيها هو التحريض من المؤسسات المختلفة في الدولة على نظام رئيس السادات ولو بشكل غير مباشر.
■ وكيف كانت حياتك الأسرية خلال فترة المطاردات الأمنية؟
- قبل الأحداث بستة أشهر كان القبض علينا مطلوبًا في بعض القضايا الصغيرة، ففى وسط هذه المطاردات كتبت عقد زواجى في أسيوط مسقط رأس زوجتى ثم انتقلنا لبنى سويف ومكثنا في منزل خالتى، وبعد ١١ يومًا تحركنا للنزول للمنيا واستوقفنا كمين في الطريق وأخذوا جوازات السفر الخاصة بنا وفحصوها ثم أعادوها مرة أخرى وتركونا نرحل، وبعد وصولنا لمدخل المنيا عند مسكنى فوجئت بالبوليس يطاردنى وتم إلقاء القبض على وذهبت زوجتى للمنزل وذهبت أنا مع الأمن وكنت كل يوم أذهب للنيابة للبت في إحدى القضايا التي كان معظمها تظاهرات وخروجًا عن القانون.
■ هل كان والداك ما زالا على قيد الحياة في تلك الفترة؟
- نعم كانا معى، وكان والدى دائما ما يقول لى «يا ابنى أنا كنت متخوفا أن يتم تحويلك للقضية العسكرية ولكن الحمد لله إنه ماحصلش»، وكان والدى يرحمه الله يعاملنى دائما أمام الناس معاملة إكبار واحترام.
■ هل قام بزيارتك في الأيام الأولى لوجودك في السجن؟
- حين جاء لزيارتى في السجن الحربى بعد ترحيلنا إليه وإلحاقنا بالقضية العسكرية، فدخل علينا أحد الضباط وقال له «كده يا عم زهدى بعد ما نتعب فيهم ونربيهم يعملوا كده» فرد عليه قائلا «يا بيه الحمد لله دول لا بياخدوا كأس ولا مخدرات ولا حاجة دول شباب خرجوا لطاعة الله حتى ولو زلوا فسوف يعودون إن شاء الله» فكانت كلماته جميلة جدًا.
■ حققت الجماعة الإسلامية خلال سنواتها الأولى انتشارا في أوساط الجماهير وقدمت لهم خدمات غير أن كل شيء تغير خلال سنوات قليلة؟
- في الفترة التي ظهرت فيها الجماعة الإسلامية كانت تدعو للسلمية والوسطية والاعتدال، وكانت تحل مشكلات الناس، فكل من كان لديه مشكلة كان يذهب للجماعة لحلها، ولولا خطيئة ٨١ لكان للجماعة مكان آخر.
■ لكن هناك من اعتبر أن الجماعة غرست بذرة العنف في التيارات الإسلامية؟
- أكرر مجددا أنه لو لم تقع خطيئة ١٩٨١ ما كنا لنرى التطور السلبى لفكر الجماعات الجهادية، حيث أخذوا من الفكر القديم للجماعة وطوروه وباتوا أشد تطرفًا وعنفًا وتكفيرًا.
■ بعد انتهاء المحاكمة شهدت البلاد حالة هدنة من الجماعة والدولة حتى عام ١٩٩٠ الذي تلته موجة جديدة من العنف استمرت سنوات حتى فاجأت الجماعة الرأى العام بإعلان المراجعات.. فما هي إرهاصات هذه المراجعات؟
- كنا في ضنك شديد في التسعينيات بشكل دفع كوادر الخارج للتحرك لتحسين ظروف الحبس لقياداته في الداخل أو الضغط على الدولة لتسوية قضاياهم وبدءوا يوجهون الضربات تارة ضد أتوبيس سياحى، وبعدها قتلوا سائحة وآخرها استهداف فندق أوروبا بالهرم ووقع فيه عدد كبير من القتلى، ولن ننسى أيضا مذبحة الأقصر، وكل ذلك كان كفيلا بأن نستشيط غضبا من داخل السجن، ونسأل الله أن يجعل لنا وللإخوة جميعا مخرجا فهذه الأعمال كانت لها نتائج سيئة، وهو ما جعلنا نفكر بجدية في مسألة الخروج والتفاهم مع المسئولين.
■ وماذا كان موقف الشيخ عمر عبدالرحمن من المراجعات.. هل كان رافضًا؟
- نحن أعلنا مراجعتنا في السجن وأرسلنا منها نسخة للشيخ عمر عبدالرحمن عن طريق الأخ منتصر الزيات وأعلن الشيخ عمر خلال مؤتمر صحفى أن هناك تفويضا للإخوة سجناء ليمان طرة في اتخاذ الأمر المناسب حيث إننا أقرب للموقف منه.
■ وكيف كانت البداية إذن؟
- كنا في فترة التسعينيات كما ذكرت سابقا في ضنك شديد وحياة مرة، كان هناك ضابط معنا في السجن يضيق علينا وكان لا يسمح لنا بلقاء ذوينا في الزيارات إلا بصعوبة بالغة، وتصاعدت المعاناة لاسيما بعد اكتشافنا للأخطاء التي وقعنا في تأويل النصوص القرآنية التي كلما فهمنا إحداها خطأ أودى بنا هذا الفهم الخطأ إلى الضياع، فتقدمنا بطلب لضابط السجن باستعدادنا للتحاور والتفاهم.
■ وماذا كان رد فعل أجهزة الأمن على عرض الحوار مع الدولة؟
- في السجن كانوا يقومون بحملات لتفقد أحوالنا، كما أنهم كانوا يزيلون الأوراق والكراريس فتركت لهم ورقة فيها مقترح للتفاهم مع الدولة، فحين قرأوها جاء الضابط وحذرنى من تحمل نتائج جميع ما حدث من عمليات إرهابية، ولكنى لم أتراجع عن قرارى، وطلبت منه نقل هذا العرض بالحوار للقيادات.
■ هل استجاب الضابط لطلبكم؟
- شاءت الأقدار وفى اليوم الثانى أن يتم تغيير الضابط، وتحدثت معه وطلبت منه أن يوافق على دخول الزيارة في ميعاد مناسب فوافق وطلب منى أن نتحدث سويا في مكتبه عقب انتهاء الزيارة، وبالفعل تقابلنا وكانت معاملته طيبة جدا حتى الإخوة كانوا سعداء جدا بمعاملته، وهذا كان من النادر أن يحدث خصوصا في هذه الفترة بسبب الأحداث التي كانت في الخارج، فوقتها كانت أحداث أديس أبابا، كما تم تفجير فندق أوروبا هنا.
■ ما تفاصيل اللقاء الذي جمعك بالمسئول الأمني عن السجن للبحث في إمكانية التسوية؟
- أثناء حديثى مع الضابط سألنى عن أي حلول لإيقاف ما يحدث من عمليات تفجيرية فأخبرته أن الحل في التفاهم مع الدولة فسألنى عن الشروط فقلت له "ما فيش شروط".
■ لكن حديثك عن عدم وجود شروط كان يزعج عددًا من القيادات التاريخية للجماعة؟
- العقدة أن هناك أكثر من أخ كان يطلب نفس الطلب، ولكن كان يحدث توقف عند مسألة «المقابل»، فأحد الإخوة ذات مرة قال لهم «مش ها نعمل حاجة غير لما تعيدوا مساجدنا»، فقالوا له «إحنا الحكومة مش أنت".
■ لكن هذا النهج لم يرق للدولة؟
- رفضت نهج الشروط وتحدثت مع الضابط وأخبرته بأننا لا نرغب في أي مقابل، نحن فقط نريد أن نحل المسألة كى نبقى أمة واحدة ووطنًا واحدًا، فلا يصح أن تستمر الأوضاع هكذا، وأمضينا فترة عقوبتنا لكن الخوف على الشباب الجديد أن يقع بنفس الخطأ فيجب أن نتحدث ونتفاهم قبل أن يتكرر الخطأ، فسألنى مرة أخرى عن موافقتى على التفاوض بدون قيد أو شرط، فأكدت له وقلت له «نعم نبدأ الحوار بدون قيد أو شرط»، في اليوم التالى أرسلوا لى عميدًا وتحدثنا سويًا بشكل طيب.
■ كيف سارت الأمور بعد هذا اللقاء؟
- كانت الأزمة في من أين نبدأ، وكانت هناك جلسة محاكمة في القضية رقم ٢٣٥ عسكرية فقمنا بإصدار بيان نناشد فيه جميع الإخوة المتواجدين خارج السجون وفى الجبال والأحراش بوضع السلاح، وعدم الصدام مع الدولة، وقرأنا البيان داخل المحكمة، ووقتها جاءنا الضابط مسرعًا وسأل لماذا لم نخبره بهذا البيان فأخبرته بأننا أردنا أن ينبع منا نحن وفوجئ الضابط بالبيان وقام بالاتصال بمدير إدارة مكافحة الإرهاب وقتها اللواء أحمد رأفت النحاس وعرض عليه البيان.
■ وماذا كان موقف النحاس من هذه المبادرة؟
- رد على الضابط «تمام هو ده إللى أنا عاوزه»، هذا دليل على صدقهم وأخبرنا أنه سيأتى لنا لنتشاور، وبالفعل جاء هو وعدد من اللواءات الكبار وبدأ يسمع منا ومن مجلس شورى الجماعة، وأكد لنا أن الدولة مش محتاجة لسجن أو اعتقال أي شخص، ولكننا نحتاج إلى الحوار والنقاش وبدأ يطمئننا ويقول «نريد السير في طريق واحد لإصلاح البلد»، فمن الممكن أن أقول «إنه وجد ضالته في شخصي».
■ غير أن هذه المراجعات ومبادرة وقف العنف كانت تواجه بمعارضة شديدة من بعض قيادات الجماعة؟
- بفضل الله تعالى عشنا أيامًا كنا نتبادل فيها وجهات النظر وبالطبع مصلحة السجون بدأت بالاستجابة لنا «كانوا يفتحون الزنازين ويريحون الناس»، وبدأت تصل الصورة في السجون وقوبل الأمر برفض شديد وتشدد، بل وبكوا وقالوا «طيب إخواتنا اللى ماتوا كيف نثأر لحقهم»، فقمنا بإرسال الردود لهم وطلبنا من اللواء أحمد رأفت الانتقال بين تلك السجون لمحاورتهم ومناقشتهم في هذه الأمور.
■ من تزعم معسكر الرافضين لهذه المراجعات؟
- ليسوا أسماء، بل كانوا أفرادا فسجن الوادى الجديد بمفرده كان يحوى ٤٥٠٠ فرد من الجماعة، وسجن الفيوم كان يحوى تقريبا ٣٠٠٠، ونجحنا في انتزاع موافقتهم على وقف إطلاق النار وتأييد المراجعات بعد زيارات مكثفة للسجون.
■ ولكن المبادرة والمراجعات بعد هذه الزيارات تعثرت لعدة سنوات؟
- أحداث الأقصر شكلت صاعقة لنا فوجئنا بها، بعد قيام بعض الإخوة الهاربين في الجبال بالتشاور مع الأخ رفاعى أحمد طه وخلال الفترة التي تلت الحادث تم نقل اللواء أحمد رأفت لمنصب قنصل مصر بألمانيا وقبل سفره طلب منى ضرورة وقف تلك العمليات بشكل تام، وشدد على أن هذه المراجعات ستنجح وأنه سيعود لإتمامها وهو ما أثار الارتياح بالنسبة لى تيقنا منه بصدق نوايانا وسافر لألمانيا ومضينا وقتا نعد فيه هذه المراجعات من داخل السجون.
■ خلال الفترة التي سافر فيها اللواء أحمد رأفت لألمانيا هل سارت الأمور في مسارها الطبيعى؟
- تولى إدارة التطرف الدينى اللواء محمود عبدالرحيم وجلس برفقتنا أكثر من مرة وتحدثنا عن خطوات إقناع الإخوان في السجون الأخرى، وبالفعل جلسنا لمدة ثلاث سنوات بعد حادث الأقصر، ونحن في حالة من الحزن فالمسألة كانت على وشك أن تحل، ولكن ضيعها أخونا رفاعى بما حدث.
■ بما رد رفاعى طه على تحميله مسئولية تعثر المراجعات والعودة بكم للمربع «صفر»؟
- وقتها لم يكن بيننا أي قنوات اتصال، ولكن بعدما تم القبض عليه أبدى أمامنا جميعا وأمام اللواء أحمد رأفت حبه للوطن واقتناعه بالمبادرة وبعدها أمضينا ثلاث سنوات عجاف كنا نتمنى فيها أن نستكمل ما بدأناه وطلبنا كتبا كثيرة فأحضروها لنا في السجن وبدأنا نعد كتب المراجعات وبدأنا بالأربعة كتب الصغيرة حول مبادرة نبذ العنف وتوقف الجهاد وما إلى ذلك، ثم جاء حادث تفجير في الصعيد والهجوم على بعض البنوك، ما كانت له تداعيات سلبية على أوضاعنا.
■ يبدو أن القدر كان يخبئ لكم مفاجآت سارة لإتمام المراجعات؟
- بالفعل فقد عاد اللواء أحمد رأفت لمنصبه السابق وبالطبع التقينا واتفقنا على إكمال مشوار المراجعات الشرعية في طاعة الله سبحانه وتعالى، واستؤنفت رحلات السجون بموافقة من وزير الداخلية على ذلك، وأتوا لنا بأتوبيس سياحى كبير وذهبنا إلى الصعيد في السجون هناك وقلنا نبدأ من حيث توقفنا.
■ لا بد أن الأمر واجه معارضة من بين كوادر الجماعة في السجون المختلفة؟
- كانت هناك معارضة شديدة وفى المقابل كان هناك أفق واسع يرى أن الخروج سيحل كل المشكلات، وكان هناك نحو ١١ عنبرا، وقمنا بتوزيع أنفسنا على العنابر وبدأنا نتحدث مع الإخوة عن الأطر الشرعية، وكيف لنا أن نتفهم الأمور بصحيحها المطلوب، فسألونا «وأين ما فعلناه وأين ثوابه فنحن مضينا فترة طويلة وأزهقنا الدماء؟»، فذكرناهم بقول الله تعالى «وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله لرءوف رحيم»، وفهم الإخوة بالمسألة جيدا وقمنا بالردود على كل المتشابهات ومحاولة فهم المشتبهات.
■ ما أكثر السجون التي شهدتم فيها نقاشات حامية؟
- سجن الوادى الجديد.. وبعد ذلك فتحت السجون والزنازين وبدأ المعتقلون يحصلون على كل الطلبات التي كانوا يرغبون فيها، ومنها الخروج في الشمس خارج الزنازين واستخدام الملاعب في الترفيه وإعطاء الدروس، وتم كل هذا قبل رحيلنا من السجن، واعتبرنا ما حدث بمثابة «الفتح» مقارنة بما كانت تشهده السجون من تضييق.
■ كيف كانت الدولة تتعاطى مع نجاح المراجعات وتزايد الاقتناع بمبادرة وقف العنف؟
- انتقلنا بعد ذلك من سجن الوادى الجديد، والذي كان فيه بعض الحالات تستحق الإفراج، وبالفعل قام بأمر إعدادها وتهيئتها وأخذ إذنا من وزير الداخلية وخرجوا، كان هذا بالنسبة للاعتقالات وليس الأحكام، وعدنا مرة أخرى وكررنا هذه الرحلة بعد فترة في سجن الفيوم، وبعد ذلك كان وادى النطرون ثم سجن دمنهور وكنا نشرح قواعد الفقه وما إلى ذلك.
■ خلال هذا التوقيت المهم ترددت اتهامات من قبل بعض الكوادر أن الأمن استطاع أن يشترى القيادات وأنكم قمتم ببيع الدين بالدنيا؟
- كان الرد على تلك الأسئلة ردًا سهلًا وميسرًا فنحن كنا قضينا فترة الأحكام الخاصة بنا من الأساس، لو أن المسألة تختلف عن ذلك، كنا دافعنا عن أنفسنا فقط، وفى أول جلسة لنا مع الإخوة قلت لهم «أنا لا أتنصل من المسئولية، فأنا المسئول من الألف للياء» ولذلك لا يمكن لأحد أن يزعم أننا أقررنا المراجعات من أجل الخروج خصوصا أن أعدادا كبيرة من كوادر الجماعة أفرج عنها قبل القيادات، والحمد لله هناك إخوة كثيرون يتصلون بنا إلى الآن ويشكروننا ويقولون لو لم نكن خرجنا وقتها لبقينا في السجون حتى الآن.
■ نجاحات المبادرة كان لها انعكاس على جماعات أخرى ومنها الجهاد؟
- المراجعات الفقهية امتدت لجماعة الجهاد وكان على رأسهم الدكتور سيد إمام وكتب هو الآخر كتابا حول المراجعات الشرعية يرد فيها من وجهة نظره على أمور الجهاد، وتم طبع هذا الكتاب ودون اسمه عليها وكانت المراجعات بشرة خير للجميع بفضل الله، لكن للأسف الشديد جاءت ٢٥ يناير بما لا تشتهى السفن وبدأت الأمور تتصاعد تصاعدًا كبيرًا مثل اقتحام السجون وما إلى ذلك، ما أدى إلى نتائج غير مرضية، ما جعل الإخوة الذين كانوا في أماكن متفرقة يعودون مرة أخرى إلى الفكر القطبى مرة أخرى.
■ كيف ترى الجماعة الإسلامية بعد ثورة يناير خصوصًا أن البعض نكص على عقبيه؟
- الجماعة الإسلامية بحسب ما في الصدور، وهو الأمر الذي يعلمه الله وحده، انقلب البعض منهم على عقبيه في أن هذا كلام كان لمجرد التحايل على الدولة للخروج من السجون، ولكن الله سلم لأن أكبر عدد من الجماعة الإسلامية في الصعيد لديهم قناعة داخلية بأن هذه المراجعات هي الصحيحة، لذا لم ينقلبوا ولم تحدث جرائم بشعة كانت كلها أشياء بسيطة، لكن ليس من فعل أناس مقتنعين كما حدث في أماكن أخرى كانوا متصورين أن نظام جماعة الإخوان سيستمر ولن يتركوه قبل ٥٠٠ عام، فأحيانا الإنسان يغتر برحمة الله ويخوض في أشياء لا يمكن الخوض فيها.