الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«الإخوان المسلمين» في ليبيا رحلة فشل وانكسار وهزيمة.. الجماعة الإرهابية تشكل حزبا سياسيا بعد 6 عقود من العمل السرى.. خالد المشرى انسحب من قائمة المتنافسين.. فتحى باشاغا لم يفز برئاسة الحكومة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تعد ليبيا من أول البلاد العربية التى انطلقت إليها جماعة الإخوان المسلمين بعد فلسطين والسودان في منتصف القرن الماضى، فالتنظيم تمتد جذوره منذ بدايات نشأته الأولى في مصر على يد حسن البنا، عندما عاصره عدد من المهاجرين والطلبة الليبيين بين جنبات الأزهر الشريف وفى أروقته وعلى صفحات الإصدارات الدينية.


وعقب ثورة ١٧ فبراير عام ٢٠١١ ضد نظام معمر القذافى، بدأ الإخوان ينتعشون، وأظهروا أنفسهم أمام الجميع وعلى الملأ، واستفاد إخوان ليبيا من تجارب نُظرائهم بمصر، حيث شكلوا خلايا في كل من جربة وبنغازى والقاهرة، ثم دخلوا عبر بوابة المجلس الوطنى الانتقالى، وسيطروا على الحكومة حتى بات مصطفى عبدالجليل يوصف بأنه إخوانى صغير، ووفر لهم جناحهم العسكرى «الجماعة المقاتلة»، حماية لظهورهم.
ودعا المكتب التنفيذى لجماعة الإخوان آنذاك الحكومة الانتقالية المؤقتة أعْضَاءَ الجماعة وكل الليبيين إلى «الالتفاف حول الشرعية والديمقراطية، والتمسك بها، ورفض كل أشكال تجاوز الشرعية أو محاولة الاعتداء عليها، حفاظًا على أمن الوطن واستقراره».
وشكلت جماعة الإخوان في ٥ مارس ٢٠١٢، حزبًا سياسيًا باسم «العدالة والبناء»، وذلك بعد ستة عقود كانوا يعملون خلالها في سرية تامة، أثناء نظام معمر القذافى، وتم إنشاؤه في ظل غياب القوانين بطرح عملية رسمية لإنشاء الأحزاب السياسية، ومثّلت الجماعة في أكثر من ١٨ مدينة في جميع أنحاء البلاد.
واختاروا محمد صوان رئيسًا للحزب، وهو مواطن من مدينة مصراته التى شهدت بعضًا من أسوأ درجات القتال في الحرب الأهلية التى أسقطت القذافى، وشمل الحزب أنصارًا لرجال الأعمال الأثرياء الذين عادوا إلى البلاد بعد الحرب.
كان الغطاء الخارجى لأهداف الحزب وقتها، إقامة مجتمع عادل على أساس قيم ومبادئ الإسلام، وقال الحكام المدعومون من الغرب في ليبيا، إن الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيسى للتشريع».
ونجحت جماعة الإخوان بليبيا، في التمكين من المؤسسات السيادية في الدولة، بداية من الحكومة، ومرورًا بمصرف ليبيا المركزى، وباقى مراكز المال الأخرى.
وزعمت الجماعة تمسكها بثوابت ثورة ١٧ فبراير من بناء دولة المؤسسات مع الفصل بين السلطات وحرية الإعلام والصحافة وفق الضوابط الشرعية واستكمال مشروع الدستور بضوابط الشرع الحنيف، مع دور بارز وفعال لمؤسسات المجتمع المدنى، ليرتد خالد المشرى عضو حزب العدالة والبناء المنتمى لتيار «الإخوان المسلمين» عن الثورة إلى أعادتهم للحياة بالقول إن الجموع التى خرجت يوم ٧ فبراير ٢٠١٢ لمواجهة هيمنتهم على الحكم ما هى إلا أطفال مغرر بهم تم استغلالهم.
وفى محاولة من الإخوان لإفشال حكومة على زيدان، التى شُكلت عقب حل المجلس الانتقالى الليبى، أعلن حزب العدالة والبناء الإسلامى، الذراع السياسية للجماعة بليبيا، سحب وزرائه من الحكومة الليبية، وحاول الإخوان لأكثر من مرة أن يدفعوا حكومة زيدان إلى الاستقالة سواء من بوابة المؤتمر الوطنى، أو من خلال الضغوط الميدانية وتحريك أذرعهم العسكرية وميليشياتهم.
وسرعان ما أطاح إخوان ليبيا برئيس الوزراء، لاعترافه بثورة يونيو في مصر بعد خطفه والتنكيل به وكان القرار من المؤتمر الوطنى العام الواجهة الحقيقية لجماعة الإخوان وهو سحب الثقة من رئيس الوزراء الليبى السابق على زيدان، حيث تمكن من الفرار إلى ألمانيا.


وبعد سقوط نظام الإخوان في ٣٠ يونيو و٣ يوليو، وفور ذهابه إلى مصر عَقد زيدان اجتماعًا بالقيادة المصرية واعتبر أن ما حدث في مصر ثورة دعم حقيقى لحكمه في ليبيا، وأنه قد آن الأوان لبدء تعاون فورى وفعلى على جميع المستويات، خاصة الاقتصادية والأمنية مع مصر من أجل ضبط الحدود بالدرجة الأولى والسيطرة على الوضع الداخلى الليبى.
وقام الإخوان بالتعاون مع تنظيم القاعدة بتدشين ما يسمى «الجيش المصرى الحر» في ليبيا، الذى تموله قطر وتركيا وإيران، وكانت مهمته الهجوم على قيادة المنطقة العسكرية الغربية، وتدمير وحدات مصر القتالية بمطروح.
وطالب الليبيون وجموع الثوار آنذاك بثورة جديدة تطيح بالإخوان والقاعدة من حكم ليبيا، على غرار ما حدث في مصر.
وأشاروا إلى أن الإخوان والقاعدة أعداء للدين وللوطن لا يعرفون معنى الإسلام ويسعون لدولة الخلافة المزعومة منهم، مؤكدا أنهم نسفوا منزله وقناة ليبيا أولا.
وفى عام ٢٠١٥ تشكلت حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج بدعم وتمويل تركى، حيث عبر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن دعمه لحكومة الوفاق، وبالتالى قدمت تركيا لحكومة الوفاق كامل الدعم المادى والمعنوى بالأسلحة والمرتزقة وطائرات دون طيار، ومدرعات وذخائر إلى جانب ذلك تم توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين.
فيما اعتبر الإخوان ما قام به الجيش الليبى بقيادة اللواء خليفة حفتر من رفض لمشروع أخونة ليبيا على يد السراج، انقلابًا على الشرعية كما زعموا، ودخلوا في تحالف وتنسيق مع الجماعات الإرهابية التى يقاتلها حفتر تحت شعار «معركة الكرامة».
يعتمد تنظيم الإخوان الإرهابى على بقائه لاعبا في الساحة الليبية على الفوضى الأمنية والارتباك والانشقاق السياسى وانتشار السلاح والميليشيات وضعف الدولة والفساد المالى، فهذه العوامل هى الوسط الحيوى لحياة التنظيم ونموه، وبالتالى الحفاظ على بقائه لأطول فترة ممكنة.
ويرى مراقبون أن حالة من الهلع تصيب هذا التنظيم وميليشياته كلما لاحت حلول لأزمة البلاد الغارقة في الفوضى منذ عام ٢٠١١، ويعبر هذا الهلع عن نفسه في شكل تدبير عمليات إرهابية وإحداث فوضى وإعادة تمركز لعناصره قرب المنشآت الحيوية، إضافة إلى محاولات ضرب المسارات التفاوضية أو تشتيتها.
وفى بداية الشهر الجارى لم يحقق إخوان ليبيا ما كانوا ينتظرونه من ملتقى الحوار السياسى في جنيف، واضطر مرشحهم الأبرز للمجلس الرئاسى خالد المشرى إلى الانسحاب من قائمة المتنافسين قبل ساعات من الانتخابات، كما فشل مرشحهم لرئاسة الحكومة فتحى باشاغا في الفوز بالمنصب.
وفى الوقت الذى بدأت الانفراجة تلوح في الأفق وتشكلت حكومة انتقالية في ليبيا وكعادتهم بالانقلاب على السلطة وتقويض السلام رفض عدد من قيادات إخوان ليبيا لقاء المشير حفتر مع رئيس المجلس الرئاسى الجديد محمد المنفى، حيث وصف المشرى لقاء حفتر والمنفى «أول القصيدة كفر»، على حد تعبيره.
وزعم المشرى أن لقاء المنفى وحفتر رسالة سلبية لليبيين لا علاقة لها بالتوافق وجمع الوطن بعد كل ما تسبب فيه من دمار ومآسٍ»، على حد قوله.
ويرى المراقبون أن الإخوان سعوا كعادتهم إلى تقاسم الأدوار بين مرحب بنتائج ملتقى جنيف مثل على الصلابى، وإلى مكتف بالأسف والحزن مثل محمد صوان، مقابل طيف آخر أعلن رفضه التام للسلطات الجديدة.
وأعرب الإخوانى المقيم في تركيا عبدالباسط غويلة، عضو دار الإفتاء، عن رفضه للحكومة الجديدة التى نتجت عن حوار جنيف وفاز بها محمد المنفى رئيسًا للمجلس الرئاسى، وعبدالحميد الدبيبة رئيسًا للحكومة، وقال في تسجيل مرئى: حكومة ستيفانى لا تمثلنى.
ويرى الليبيون أن نتائج جنيف مثلت هزيمة مدوية لجماعة الإخوان، وفشلًا لمشروعهم، وانكسارًا لمخططهم الذى كانوا يطمحون لتمريره، والذى يهدفون من خلاله إلى التلاعب بخطة الطريق الأممية ووضع العراقيل أمام الاستحقاقات المقبلة، سواء على الصعيد الترتيبات العسكرية أو الدستورية أو الاستحقاقات الانتخابية.