الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

البدري فرغلي.. رحل ويظل خالدا بذاكرة الوطن والفقراء.. ذاق مرارة السجن 11 مرة إحداهما بسبب قصيدة لابنته.. كافح ضد الإنجليز طفلا وخاض ببسالة معارك البرلمان وتحول لـ"أيقونة المعاشات"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
52 عامًا، دافع وكافح فيها "البدري فرغلي" من أجل حقوق الضعفاء والمهمشين وأصحاب المعاشات، معارك كثيرة خاضها، كُللت معظمها بالنجاح، ورغم تداعيات المرض التي أثرت في؛ ضعف رؤية عينيه خلال السنوات الأخيرة، إلا أنه لم يفقد "بصيرته" حتى رحل عن عالمنا اليوم.




(1) الميلاد
في حي العرب، ببور سعيد، وُلد "البدري فرغلي محمد على " في 28 يوليو 1947. حصل على الابتدائية بنظامها القديم سنة 1960. لديه من الأولاد 6، ومن الأحفاد "كتيبة" من الأطفال.
بدأ عاملًا في الشحن والتفريغ في ميناء بورسعيد، سنة 1965. وقتها التحق بمنظمة الشباب الاشتراكي وعمره 18 عاما. ثم التحق في سنة 1976عضوًا في حزب التجمع، بداية تأسيسه.

(2) الكفاح ضد الإنجليز
وعُمره 9 سنوات، بدأ فرغلي، الكفاح ضد الإنجليز حينما تعرضت بورسعيد للخراب أثناء العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، وظل يدافع عن مدينته الباسلة، حاملًا على كتفه بندقيه، في العام 1967.
اعتلى منبر الدفاع على الناس أول مرة أثناء فترة عمله بالميناء، ففي مؤتمر بشارع كسرة ببورسعيد، وعلى تربيزة، في مقهى شعبي، بدأ يخطب في أهل مدينته ليثوروا ضد المحافظ والفساد، وقتها تعلم ألا ينطق بالشعارات، حيث قالت والدته له بعد رجوعه للمنزل: "لو كنت هتتكلم ماتسرقش، وإن كنت هتسرق ماتتكلمش"، فقرر أن يتكلم وألا يكون باحثًا عن المادة من خلف كلامه.
وفي الستينيات، كان على عتبة سن الشباب، حينما تعلق "فرغلي" بقراءة أمهات الكتب والروايات ذات الطابع الاجتماعي والبعد السياسي، وبدأ يتأثر بها. وفي 1979 أصبح عضوًا في المجلس المحلي بمدينته ليكون منصفًا للفقراء فيما يقع تحت يده من قضايا أو مشكلات.



3) كتابة الشعر
تعرض "فرغلي" للسجن 11 مرة في حياته، بتهمة ممارسة السياسة، تتراوح مدة الواحدة فيهم بين 6 أشهُر وعام، زار خلالها سجون ومعتقلات ربوع مصر. وكان رفيقًا خلالها لكتاب وشعراء وأدباء ومثقفين وسياسيين وصحفيين ورؤساء أحزاب وبرلمانيين. وربما أكثر السجون التى تردد عليها هو ليمان طره، الذي يصف فترته فيه بأنها "الأجمل" حيث ظل يقرأ ويكتب ويغني.
وفي سنة 1974 تعرض للاعتقال، لمدة 6 أشهر، بسجن الزقازيق، بسبب قصيدة كتبها لابنته، ذات الأربعة سنوات وقتها، ويقصد بها محبوبته الكبرى؛ مصر.
كانت كلمات القصيدة تقول: "حبي ليكي مالُهش آخر، زي حبك للفَقَرا.. مش بإيدي إني أشوفك، أو بإيدهم يطفوا صورتك من عيوني.. اسمعيني بوحي قلبك، زي ما كنتي بعينيكي تسأليني.. عرفيهم يا حبيبتي مهما يبنوا للقصور، من عظام المحرومين، مهما علوا ألف سور.. مش هيعموا عيون ولاد الحواري". ومن وقتها امتنع عن كتابة الشعر، ليس خوفًا، بل امتثالا لنصيحه من رفيقيه في السجن، الشاعران؛ أحمد فؤاد نجم، وعبدالرحمن الأبنودي.
هاجم "فرغلي" الإخوان بشدة وهم في سُدة الحكم، قائلًا: "إن النظام الحالي في مصر يسعى إلى إظهار شهداء بورسعيد على أنهم مطلوبون خطيرون وخريجو سجون حتى لا يكون هناك عقاب لمن قتلهم". مشددًا على أن "مَنْ يحكم البلاد حاليًا هم من خريجي السجون".

(4) نائبًا في المجلس بدون دعاية
في سنة 1990، أصبح "فرغلي" عضوًا بمجلس الشعب لأول مرة، دون أن ينفق مليمًا واحدًا في الدعاية. تحمل أهل دائرته تكاليف تعليق لافتات مصنوعة من ورق الجرائد، تتزين بها بلكونات بور سعيد. نجح "باكتساح" بعدما امتثل لرأي الناس بأنه حان الوقت لأن يكون صوتهم في البرلمان "هما اللي طلبوني". وكان أول نائب ينجح في الحصول على مقعد في مجلس الشعب في دائرتين مختلفتين.
وفي أول برلمان بعد 25 يناير، اختار أبناء بورسعيد البدرى فرغلي نائبًا عنهم في البرلمان للمرة الرابعة، لكنه وصف معركته وقتها بأنها كانت الأكثر شراسة، لأنه واجه من وصفهم بأصحاب الأفكار الظلامية الذين كفروه وحولوا منابر المساجد التى يسيطرون عليها إلى منابر انتخابية لصالح منافسه، ووصل الأمر بهم إلى حد إطلاق شائعة بوفاته أثناء التصويت في انتخابات الإعادة وكأنهم يتحكمون في القضاء والقدر.
خلال فترته الثانية نائبًا عن الشعب، عَرَضَ عليه وزيرا في الحكومة نقله من قائمة "عُمال" إلى "فئات"، لكن رد فرغلي جاء حاسمًا وسريعًا: "أنا ربنا خلقني كده وهعيش كده.. الفقر صديقي.. وأنا واحد من العُمال اللي متاكل حقهم، وهفضل أدافع عنه".



(5) مقهى "سمارة" ببورسعيد
"فرغلي" يُعد علمًا من أعلام بورسعيد. فما أن تطأ قدمك المدينة الباسلة وتسأل عنه سائقي التاكسي أو الميكروباص إلا ويخبروك بأنه جالسًا بين الباحثين عن حقوقهم والحرية في مقهى "سمارة".
قضى "فرغلي" معظم وقته على قهوة؛ سمارة، القاطنة في شارع أفريقيا الشرق ببورسعيد، وتحمل طابعًا سياسيًا بسبب روادها المتمردين على كل ما هو سيئ في المحافظة أو البلد. يرى أن تلك المقهى انطلقت منها كل التغييرات التي حدثت في المحافظة أو مصر بشكل عام. يقول: "سمارة كانت في فترة ثورتي 25 يناير و30 يونيو خندقًا للمطالبين بالحرية والتغيير".
يعشق بورسعيد، ولا يكف عن وصفها بأنها "مدينة متطرفة وطنيًا". قال للبوابة في حوار سابق عنها: "شعبها أيضًا مُتطرفًا في حب الحرية، عانت كثيرًا أثناء الحروب، لكنها أذاقت المعتدين مرارة الخسارة في كُل مرة".

(6) نصير الغلابة والمهمشين
ارتبطت شهرة فرغلي، في بورسعيد وربوع مصر، بأبناء الطبقة الكادحة، من العمال وأرباب المعاشات، حيث دافع عن العمال بشراسة قائلا: "إن العامل المصري بلا حقوق، ولابد من تعديل قوانين العمل لحماية العمال، فهم الحلقة الأضعف في المجتمع".
أثناء مجالسته للحديث، لا يكف "تليفون" فرغلي عن الرن، فهو تعود أن يتسلم نحو 500 مكالمة تليفونية يوميًا، بداية من السابعة صباحًا وصولًا بـ12 منتصف الليل، يكون رده مقتضبًا على أغلبها، ولكنه يحرص على الاستماع لمشكلات الناس وإيجاد حلولًا لها بقدر الإمكان.
وبعد أن يعود إلى منزله من سهرة مقهى "سمارة" ليلًا، يطلع على بعض الأخبار المحلية والعالمية، ليعرف ما يدور حوله. لكن عقله يظل مشغولًا بسؤال: "هعمل إيه بكره". يقول: "وهبت حياتي لخدمة الآخر، لأني على قناعة بإني ميت، ولن يتبقى لي في الآخرة غير تلك الخدمات".



(7) الدفاع عن أصحاب المعاشات
بدأ "فرغلي" رحلته في المطالبة بحقوق أصحاب المعاشات من الضعفاء والمهمشين والمكلومين بعد خروجه على المعاش في 2007، حيث أسس أول نقابة لأصحاب المعاشات في العام 2008 بمقر حزب التجمع بعدما وجد ملايين من المصريين المهضوم حقهم في المعاشات، حتى أضحى رئيسًا لاتحاد أصحاب المعاشات في 2013.
وخلال سنوات كفاحه عن حقوق أصحاب المعاشات المهدرة خاض "فرغلي" عدة معارك كان أبرزها؛ إسقاط قانون التأمين الصحي القديم في 2010، وإسقاط القانون رقم 135، في عام 2009، الذي وضعه وزير التضامن الاجتماعي السابق؛ يوسف بطرس غالي، ثم توالت الأحداث بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث كان "فرغلي" كالشوكة في حلق الإخوان أبان توليهم حكم مصر، وهي المعارك التي يحبذ أن يصفها بـ"الصدامية".
ومُنذ نحو 5 سنوات خاض "فرغلي" رحلة الدفاع عن؛ ضم الـ80% من آخر 5 علاوات لأصحاب المعاشات في المحاكم، بعدما احتكم للإدارية العليا للفصل في أحقيتهم لتلك النسبة، حتى أن أصدرت المحكمة حكمًا في مارس 2018 يُقر بأحقية أصحاب المعاشات في تلك الأموال.
لكن وزارة التضامن عارضت الحكم ليخوض "فرغلي" مرحلة جديدة من الدفاع عن حقوق أصحاب المعاشات داخل المحكمة، في معركة أطلق عليها "معركة الحسم"، حتى أسدلت المحكمة الإدارية العليا، الستار، نهائيًا على قضية، وحكمت بضم آخر 5 علاوات إلى الأجر الأساسي المُتغير لأصحاب المعاشات، ورفضت الطعون المُقدمة من وزيرة التضامن الاجتماعي. فاهتزت جدران المحكمة "تصفيقًا" للبدري فرغلي.. بطل المعاشات.