السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

مصطفى بيومي يكتب: «حجازى».. أوجاع الأحلام المجهضة

مصطفى بيومي
مصطفى بيومي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ينتمي الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي إلى ذلك الجيل الاستثنائي الذي يمكن تلخيص تجربته الثرية المعقدة في التأرجح المرعب بين نقيضين: التحليق في سماوات الأحلام الوردية والسقوط في هاوية الكوابيس غير المسبوقة. قصائده عن عبد الناصر، في حياة الزعيم وبعد رحيله، شهادة فنية وفكرية بالغة الأهمية والعمق عن مرحلتي الازدهار والانكسار، الرهان على المستحيل والاصطدام بلعنة اليقظة الصادمة.
كان صلاح عبد الصبور بعيدا عن الثقة بالتجربة منذ البدء، مسكونا بهواجس الشك والريبة صانعة الأحزان، وكان أمل دنقل على موعد مبكر مع الغضب والاحتجاج الذي يتحول فيه الإجهاض إلى مدخل للسخط والاحتجاج الغاضب بلا ضفاف، أما حجازي فهو الذي لا متسع في عالمه للتمييز والفصل بين الذاتي والموضوعي. الهزيمة التي تطول المشروع الناصري هي هزيمته الشخصية على نحو ما، والمرارة التي تسكنه تجسيد للخليط الذي يضفي على رؤيته شجنا موجعا يليق بأسلافه العظماء من الباكين على الأطلال، أو كأنه ذلك الرجل من أتباع الإمام على بن أبي طالب، يُسأل عن حزنه بعد اغتيال الخليفة-الحلم فيقول: كمن ذبحوا وليدها في حجرها.
بعد نصف قرن من كتابتها، تبقى قصيدة "مرثية للعمر الجميل" علامة ذات شأن رفيع متفرد في تاريخ الشعر العربي عبر كل العصور، وليس في مسيرة الشاعر الكبير وحده. العمر الذي يعنيه يتجاوز الفرد المأزوم إلى الوطن المهزوم، وتمتزج فيه أوجاع الشاعر بانكسار الزعيم:
"من تُرى يحمل الآن عبءَ الهزيمةِ فينا؟!
المغنيّ الذي طاف يبحث للحلم عن جسدٍ يرتديه
أم هو الملكُ المدعي أن حلم المغنيّ تجسد فيه؟!
هل خُدعتُ بملكك حتى حسبتك صاحبيَ المنتظر
أم خُدعتَ بأغنيتي،
وانتظرتَ الذي وعدتك به ثم لم تنتصر
أم خُدعنا معا بسرابِ الزمانِ الجميل؟!"
اللوحة التي يقدمها حجازي في السطور السابقة عظيمة الدلالة عن تجربة الجيل الذي يواجه المحنة وينكسر بها، ولا شيء يملكه إلا طرح السؤال المشروع الذي ما زال مطروحا: من يتحمل المسئولية؟. الزعيم الذي ينثر الأحلام الوردية، أم الذين يندفعون للبيعة تحت راية الحب دون العقل؟!. تتوزع المسئولية بين طرفي المعادلة، واكتشاف الحقيقة، أو ما يشبه الحقيقة، لا يعني شيئا بعد فوات الأوان، لكن جوهر الأزمة يتمثل في سطور مضيئة تؤكد أن الوعي لم يكن غائبا، لكن الأحلام وليدة الحب قادرة على إزاحة الوعي:
"كنتُ في قلعةٍ من قلاع المدينةِ مُلقىً سجينا
كنتُ أكتب مظلمةً،
وأراقبُ موكبك الذهبيّ
فتأخذني نشوةُ، وأمزق مظلمتي،
ثم أكتبُ فيك قصيدة"
لذة النشوة عابرة مؤقتة، والمحبون المخلصون لا يرون إلا ما يريدون رؤيته؛ وهنا الكارثة. البيعة العاطفية غير المشروطة لا بد أن تفضي إلى الهزيمة، و"المستبد العادل" وهم لا وجود له، ذلك أن العدل والاستبداد لا يجتمعان.
بعد نصف قرن من رحيل الزعيم وميلاد القصيدة، لا يملك أبناء وأحفاد حجازي إلا استعادة جوهر وجيعته:
"لا، لستُ أبكي على المُلكِ،
لكن على عُمرٍ ضائعٍ لم يكن غير وهمٍ جميل!"
أيتها الأوهام الجميلة، صانعة الأحلام المجهضة، آن أن نعيد النظر بعد سقوط غرناطة في المحيط!.