الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ملك القهوة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كافح "في. جي سيدهارثا" عندما كان شابًا من أجل إيجاد الطريق الصحيح لنفسه، وخطرت بباله فكرة الانضمام إلى القوات المسلحة قبل أن تتلاشى بسبب فشله في اجتياز امتحان الدخول إلى أكاديمية الدفاع الوطني، ولكن ماذا عن النشاط المجتمعي؟ يقول سيدهارثا متذكرًا: "منذ عدة أعوام، كنت مبهورًا بفسلفة كارل ماركس، وكنت أظن حقًا أنني سأصبح قائدًا شيوعيًا".
ومن فورباس نقرأ: انطلق سيدهارثا بعد التخرج من كلية (St. Aloysius College) في جنوب الهند إلى الأقاليم، متحمسًا للعمل من خلال مبادئ ماركس، لتنمية ثروات الفقراء، قبل أن يكتشف أنها خطوة غير عملية تمامًا مثل الخدمة العسكرية، لقد كان الريف ينضح بالفساد والمحاباة، معيقًا أي برنامج تقدمي، وقال سيدهارثا: "كانت الهند فقيرة جدًا لدرجة عدم وجود مساحة كي تكون روبين هود، عندها أدركت أنني يجب أن أصبح صانعًا للثروة، بدلًا من أن أكون موزعًا لها".
هذا ما حققه بالفعل، عندما أسس أكبر سلسلة متاجر قهوة في الهند، وهي شركة (Coffee Day Enterprises)، التي تقدر مبيعاتها بنحو ٥٧٢ مليون دولار، ويعمل بها أكثر من ١٠ آلاف موظف، وهي الشركة التي غيرت ثقافة المستهلكين وأقنعت بلدًا تربى على تناول الشاي، بتغيير مزاجه واستهلاك مشروب آخر هو القهوة، وجعله ذلك رجلًا ثريًا، أحد أغني أغنياء الهند، وكان للحظة قصيرة مليارديًا، في أعقاب اكتتاب شركة (Coffee Day) في عام ٢٠١٥، وأصبح سيدهارثا مثالًا لكل شيء تحلم به الهند: أمة حديثة، حيث يمكن لرواد الأعمال تطوير أفكار جديدة، تغيير حياتهم، وظروف جميع المرتبطين بهم. ويمثل ذلك فكرة محورية بالنسبة لأمة تأسست على التعالي المرتبط بهيكل وتوقعات الطبقة، والذي يرجع إلى آلاف الأعوام، وكان سيدهارثا مدركًا لذلك تمامًا، وقال في عام ٢٠١١: "إذا ولدتُ قبل ٢٠ عامًا، كنت سأفشل بكل تأكيد"
وصف سيدهارثا اليوم الأول في الإمبراطورية قائلًا: "شعرت بالرهبة في أول الأمر من المصعدين اللذين يعملان في مكتب بومباي، ولم أكن قد استخدمت مصعدًا من قبل في حياتي، لذا فضلت صعود الطوابق الستة على السلم"، ومن هناك، تمكن من الدخول إلى مكتب كامباني، وأضاف: "سألني من أكون، فأخبرته أنني قطعت طريقًا طويلًا قادمًا من بنغالور، وأنني أرغب في العمل لديه، لم أر من قبل مكتبًا بضخامة مكتبه، قال إنه سيقبلني، لكنه لا يملك أي فكرة عمن أكون".
أثبت سيدهارثا موهبته سريعًا، ويقول: "كنت أبدأُ اليوم ومعي ألف دولار، وأنهي اليوم محققًا ٣ آلاف دولار من التداول"، واستغرق الأمر - بناءً على تقديراته - عامًا ونصف العام فقط كي يتعلم لعبة السمسرة، وحقق ثروة تكفي لإطلاق شركته الخاصة في بنغالور، ثم بدأ في توجيه أرباحه لشراء مزارع القهوة، جامعًا ٢٥٠٠ فدان بحلول عام ١٩٩٢.
وتراجعت الحكومة الهندية خلال هذه الفترة، عن القوانين المفروضة على مزارعي القهوة، حيث كان المزارعون مجبرين على بيع محصولهم إلى البورصة الوطنية مقابل ٣٥ سنتًا للرطل، وهو سعر يعادل أقل من نصف ما ستجنيه الحبوب لو بيعت خارج الهند، ومع تخفيف القيود، بدأت أسعار القهوة في الارتفاع، لتصل إلى ٢.٢ دولار للرطل في عام ١٩٩٤، وعندما دمر الصقيع محصول البن في البرازيل، استغل سيدهارثا الفرصة، وأوفى بطلبات شراء تبلغ ٤ آلاف طن، ومهد هذا الازدهار غير المتوقع الطريق لفكرة أخرى، وهي تأسيس سلسلة من متاجر القهوة، بشكل يشبه تجربة كان قد رآها في سنغافورة، وفي عام ١٩٩٤، افتتحت شركة (Coffee Day Enterprises) أول ٢٠ متجرا لها، ويقول ناندان نيليكاني، صديق سيدهارثا والرئيس التنفيذي السابق لشركة (Infosys Technologies)، وهي شركة استشارات تقنية: "إن سيدهارثا كان يفكر باستمرار، ويبدع، ولا يكتفي بنجاحه".
وعزز امتلاك سيدهارثا مزارع القهوة على التخلص من العديد من الوسطاء الذين كانوا يحملون منافسيه تكاليف إضافية، بل إنه قام بقطع الأخشاب في ممتلكاته، وحولها إلى أثاث لمطاعمه، وانطلقت شركة (Coffee Day) بشكل حقيقي بمجرد إضافته حواسب متصلة بالإنترنت في متاجره، مؤسسا بذلك أول مقاهٍ للإنترنت في الهند.
وكان سيدهارثا يحب العمل أكثر من القهوة، فاحتفل بالعام الجديد في ٢٠٠٩ بطريقة مبتكرة، حيث قدم القهوة بنفسه إلى العملاء، كي يرصد الطريقة التي يعاملون بها موظفيه.
وأثار جهده اهتمام المستثمرين الذين يمثلون شركة (KKR) الشهيرة، ودفعهم ذلك لاستثمار ٢٠٠ مليون دولار في عام ٢٠١٠، مقابل حصة نسبتها ٣٤ ٪ من شركة (Coffee Day)، وبلغت الإيرادات في هذه الفترة ٢٠٠ مليون دولار، وتضاعفت المبيعات تقريبًا خلال ٤ أعوام، وهي النقطة التي طرح عندها سيدهارثا شركته للتداول العام، وتمددت مملكة الكافايين الخاصة به عبر الهند، لتصل إلى ١٥١٣ مقهى في ٢١٩ مدينة، ولكن ومن أجل أن يواصل توسعه، أدمن سيدهارثا على شيء، كان كما يبدو، سيضغط بقوة على عقله في نهاية حياته، لقد أدمن التمويل عبر الديون.
في ٢٩ يوليو ٢٠١٩ أغلق سيدهارثا هاتفه، وأصدر تعليمات لسائقه ليوصله إلى جسر يلال فوق نهر نتراواتي، وترجل من السيارة، ولم يشاهده أحد بعدها حيًا.
هناك مزاعم تقول إن سيدهارثا قد ترك خلفه رسالة، مفصلًا الأسى الذي دفعه إلى هذه النهاية المأساوية، مبرزًا التحرش الذي تعرض له من مسئولي الضرائب، ليشجع السياسيين الهنود على استنكار تصرفات الحكومة وعدم تقديم ما يكفي لدعم رواد الأعمال من أمثال سيدهارثا، ومحاربة الفساد، وذكر سيدهارثا أيضًا حاجته لاقتراض مبلغ كبير من المال لإنقاذ أعماله، والتخلص من العبء النفسي للضغط المتزايد من الدائنين، تقول الرسالة: "لم تكن نيتي أبدًا خداع أو تضليل أي شخص، لقد فشلت كرائد أعمال، هذا هو خضوعي الصادق، آمل أنكم ستفهمونني وتسامحونني وتعذرونني يومًا ما".، منقول.
لم يتم التأكد من صحة الرسالة، لكن نهايتها تحمل بصمة سيدهارثا بشدة، وتتمثل هذه البصمة في تبويب هادئ، ومطالبة مزدوجة مفادها: أنه يأمل في أن أصوله ستتفوق على التزاماته، وفي النهاية، ستتمكن شركته وعائلته من "رد الأموال للجميع".
هكذا ضاع المليادير الهندى،، لهم حق المصريون عندما يقولون "هو أنا هندى"