الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«الاختيار».. بين تصحيح وتشتيت المفاهيم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم متابعتى لمسلسل «الاختيار» عند عرضه الأول فى رمضان الماضى، فإننى انتظرت إعادته كى أتابعه بشكل أكثر تركيزا، حرصا على الإلمام بكل التفاصيل التى تناولت حياة الشهيد البطل أحمد المنسى، والتى ربما فاتنى بعض منها عند العرض الأول، بسبب الأجواء الرمضانية التى قد تمنعنا أحيانا من التركيز بشكل كاف.. وبالفعل أثناء متابعة إحدى الحلقات لفت انتباهى مشهد مهم لا تتجاوز مدته دقيقة ونصف، لكنه شديد الخطورة!.. يتحدث فيه القائد المنسى مع جنود كتيبته، محاولا تصحيح مفاهيمهم حول الإرهاب والإرهابيين.. فيوجه حديثه لأحد الجنود: «إيه يا حسين تعبت ولا إيه».. يرد الجندى: «وحوش يا فندم ما بنتعبش وهنفضل نتمرن لحد ما ناكل الإرهابيين بسنانا»..فيقول المنسى: «جدع يا حسين.. بس بلاش كلمة إرهابيين لأنى ما بحبهاش اسمهم تكفيريين.. أوعوا تنسوا الكلمة دى يا رجالة.. اسمهم تكفيريين.. ليه بقى تكفيريين علشان البهوات قالوا على وأنت وأبوك وأمك وأهلك وكل الناس اللى ما مشيوش وراهم قالوا علينا إننا كفار.. يبقى اسمهم تكفيريين يا حسين».. يرد المجند: «لا مؤاخذة يا فندم.. بيقولوا عليهم فى التليفزيون والجرائد إنهم إرهابيين».. يرد منسى: «يا حسين سيبك من التليفزيون.. ما التليفزيون كمان طلع حرام.. إحنا اللى لازم نعلمهم مش هما اللى يعلمونا.. كلمة إرهابى يعنى بيخوف وربنا سبحانه وتعالى قال (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) حد خايف!.. طبعا هم اللى لازم يخافوا..هم اللى لازم ما يناموش من التفكير فى اللى هنعملوا فيهم، ولو ناموا هيصحوا على كوابيس وإحنا بنعلمهم الأدب وبنربيهم.. الناس دى اسمهم تكفيريين.. لا هما مجاهدين، ولا إرهابيين.. الناس دى كفرتنا وإحنا ما كفرناش.. حاربونا وإحنا ما اعتديناش.. الناس دى ما تعرفش حاجة عن دين ربنا.. بس إن شاء الله ربنا هينصرنا عليهم علشان ربنا عادل ومطلع.. وعارف نيتنا وعارف نيتهم.. تمام يا رجالة».. إلى هنا ينتهى المشهد الذى حاول فيه السيناريست باهر دويدار الترسيخ لمفهوم مغاير للإرهاب، عكس ما ثبت فى أذهاننا عنه!.. وليس كما هو متعارف عليه اصطلاحا.. ووضع مصطلحى «إرهابيين ومجاهدين» فى سلة واحدة، بطلب التوقف عن وصفهم بهذين الوصفين واستبداله بوصف «التكفيريين»!..وكأن للإرهاب مفهوما إيجابىا مرتبطا بتفسير الآية الكريمة!. رغم أن تفسيرها الحقيقى ليس مقصودا منه تخويف الآمنين- والذى نهى عنه الإسلام- بل مقصده مفهوم «الردع».. وهو المبدأ الذى تستخدمه الدول لترسيخ سيادتها، وقد تتجنب من خلاله الحرب.. من ناحية أخرى فاقتصار وصفهم بالتكفيرين، لأنهم يكفرون المسلمين ويحاربونهم بناء على ذلك، ربما يعطى دلالة على أن الإسلام يبيح تلك الأفعال مع من يكفرون بالإسلام!.. رغم أن المبدأ العام فى الإسلام هو عدم الاعتداء، وألا يحارب المسلمون إلا من يحاربهم-أى العقيدة الدفاعية وليست الهجومية كعقيدة قواتنا المسلحة.. وحتى فى الحرب لا يجوز فى الإسلام استهداف المسالمين.. ولا يجوز قتل شيخ، ولا امرأة، ولا طفل، ولا راهب، ولا مريض.. وكما جاء فى الحديث الشريف: «المسلم من سلم الناس من لسانه ويده».. فالإسلام يمنع ترويع الآمنين من الناس والكائنات الحية كافة.. فعن عبدالله بن مسعود قال: «كنا مع الرسولﷺ فى سفر، ومررنا بشجرة فيها فرخا حُمَّرة «طائر صغير كالعصفور»، فأخذناهما.. قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله وهى تصيح.. فقال النبيﷺ: «من فجع هذه بفرخيها؟» فقلنا: نحن.. قال: «فردوهما».. فإذا كان قد منع ترويع الطائر ما بالنا بالبشر!.. لا شك أن التفسير الذى جاء على لسان البطل لكلمة إرهابى ليس جديدا، فقد حاولت بعض الجماعات الإسلامية توصيف الإرهاب من خلال تأويل الآية الكريمة، واعتباره فعلا إيجابيا يحض عليه الإسلام!..حتى إن الإخوانى الفلسطينى عبد الله عزام الملقب بـ«شيخ المجاهدين»، ألقى محاضرة عام 1988 بمدينة أمريكية قال فيها: «نحن إرهابيون والإرهاب فريضة بالكتاب والسنة.. يجب أن نعلنها نحن إرهابيون.. المسلم إرهابى.. والمسلم مرعب.. نصرنا بالرعب.. ديننا قام بالسيف، بدون السيف ما فى دين».. وبالتالى فمحاولة تأويل الآية الكريمة بهذا الشكل، تجعل الإسلام دين إرهاب!!.. رغم أن الكلمات فى اللغة العربية تتعدد وتتباين معانيها، وقد يكون لبعض الكلمات تعريفا لغويا وآخر اصطلاحيا.. فالتعريف اللغوى لكلمة «إرهاب» مثلا يشتق من فعل «أرهب»، والتى تعنى خوَّفه وفزَّعه.. إلا أن معناه الاصطلاحى استقر فى الأذهان على أنه الأعمال غير المشروعة والعنف كالقتل وإلقاء المتفجرات والتخريب، والذى تقوم به الجماعات المتطرفة والمتشددة، التى تتستر فى الغالب خلف الدين، لإقامة سلطة أو تقويض أخرى.. والجدير بالذكر أن المعاجم القديمة قد خلت من كلمة الإرهاب لأنها من الكلمات حديثة الاستخدام.. ورغم أننى لا أعلم إن كان هذا الحوار ينسب فعليا للشهيد البطل، أم من وحى خيال المؤلف، ولكن فى كل الأحوال لا أعتقد أن وضعه مناسب فى مسلسل يشاهده العامة بمختلف أعمارهم ومستويات تعليمهم، وقد يتسبب فى بلبلة فى أذهان الكثيرين، وخاصة أن المصطلح يطاردنا فى نشرات الأخبار وغيرها، كمرادف للإجرام والقتل واستهداف الأبرياء، وبالتالى فليس من المجدى طرح هذا الموضوع وإثارة اللغط حوله، بعد أن استقر المعنى فى الأذهان بمفهومه الاصطلاحى الحالى!