السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

البيت المصري.. وطوق نجاة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دعوت من خلال مقالات سابقة السيد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية إلى مراجعة القرارات المتعلقة بغذاء المصريين خصوصا فيما يتعلق بملف المبيدات الزراعية الكيماوية، وأن يتعاون مع وزارة البيئة والجهات المعنية للتخلص الآمن من المبيدات منتهية الصلاحية والراكدة في مخازن هالكة عبر السنين. كما دعوته أيضا للتعاون الوثيق مع وزارة الصحة لتحديد الآثار الصحية الناتجة عن استخدام المبيدات الزراعية والأمراض التي قد تتسبب فيها عند استهلاك حاصلات لم تتخلص ثمارها من متبقيات تلك المبيدات.
أعاود من خلال هذه السطور تأكيدي على كل هذه الأمور لكن هذه المرة ليس لتناول قضية مستقبل الزراعة المصرية إنما من أجل صحة الإنسان الذي أصبح يعاني بشدة من تبعات الملوثات البيئية بمختلف أشكالها، وتأتي المبيدات الزراعية الكيماوية على قمة هذه الملوثات لكونها مازالت إلى الآن سلاحا خطيرا متاحا في يد من لا يجيد استخدامه فيلوث غذاء المصريين بهذه الكيماويات السامة، وتشهد على ذلك مراكز علاج السموم والمستشفيات التي باتت تعج بالمرضى. كما أن علماء كيمياء المبيدات والسموم يحذرون من أن خطر هذه المبيدات لا يتوقف عند الآثار المرئية منها، انما يتخطى إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث إنها تحدث أضرارا غير مرئية يصعب توقعها حتى لو كانت هذه المبيدات مجرد آثار بسيطة وصلت لهذا الشخص منذ أن كان جنينا في بطن أمه التي تعرضت لها أثناء فترة حمله، وقد لا تظهر عليه الأعراض إلا عند سن البلوغ والتي تتفاوت في ضررها بين تأثيرات نفسية كحالات الاكتئاب، أو ظهور حالات من الصرع والأمراض السمعية والبصرية. كما أثبت العلم أيضا أن بعض أنواع المبيدات تعد سببا لحدوث أمراض عصبية وسلوكية كمرض التوحد وتؤثر على قابلية المخ لتداول المعلومات.
وبعضها يؤثر على سلامة الغدد الصماء فتعمل كمعطلات هرمونية تؤثر سلبا على عدة هرمونات منها هرمون الاستروجين والاندروجين والبروجيسترون والتستوستيرون، كما ثبت ضررها البالغ أيضا على العلاقة الزوجية لتمثل خطرا بالغا يزيد أسباب الطلاق تعقيدا وينهي علاقات أسرية دامت مستقرة سنين طوال.
لنا أن نتصور كيف ستكون ردود فعل أشخاص طالتهم هذه الأضرار النفسية والعصبية والسلوكية والهرمونية عند أي موقف وكيف سيكون حال علاقاتهم الأسرية.
لذا فالتوسع في دراسة هذه الآثار السلبية للمبيدات الكيماوية على صحة المواطن المصري قد يفيد إلى حد كبير في تفسير بعض من هذه الظواهر المرضية في مجتمعنا والتي أصبحت متلاحقة بشكل ينم عن تغير كبير وسريع في سمات وسلوكيات الشخصية المصرية مما أثر سلبا على البيت المصري وفقد الزواج في أيامنا هذه مفهوم قيمة الأسرة التي كانت لها قدسية.
لا شك أن أنماط التعليم التي غيبت لغتنا العربية الجميلة التي هي عنوان هويتنا، وأساليب التنشئة الخاطئة في ظل انشغال الآباء بتلبية رغبات أبنائهم المادية، ومحتوى وسائل الإعلام المختلفة التي طغى فيها الغث على الثمين، وغيرها من العوامل المشتركة والمتداخلة قد ساهم في تعزيز انتشار هذه الظواهر المرضية الغريبة عن مجتمعنا، ومع ذلك تظل فرضية ارتباط مظاهر الجريمة المفرطة في العنف والتفكك الأسري غير المسبوق مرتبطة بسلوك الإنسان الذي يتأثر من الناحية الفسيولوجية بالخلل الهرموني والأضرار النفسية والعصبية.
وقد يكون من المجدي دراسة شكل ونوع الجريمة في عهود سابقة قبل خمسين عاما فلا بد أن هناك ثمة علاقة ما بين الخلل الهرموني الذي تعرض له الإنسان والجريمة التي يرتكبها. فهل كان متصور في العقود الماضية أن الأم موطن الأمان باتت هي من تقتل رضيعها بيديها؟! 
والأب حامي الحمى أصبح هو من يلقي برضيعته وربما يهتك سترها، والأبناء أصبحت تغريهم أقل حفنة مال ليتخلصوا من آبائهم.
وذاك الزوج الذي يملك عقدة النكاح ما عاد يرحل بسلام إذا ما أرادت الفراق، إنما يعمد في تشويه عرض زوجته بكم من البهتان ينشره على وسائل الإعلام.
ما يدعو للدهشة والنفور أن كل هذا يتم دون أدنى درجة من الندم. 
لذلك فمراكز البحوث الاجتماعية والجنائية والطبية والغذائية والمعامل المختصة بتحليل متبقيات المبيدات وجهات رصدها في البيئة المصرية والهيئة المصرية لسلامة الغذاء مدعوة إلى دراسة تأثير الأنماط الغذائية المختلفة وما تتعرض له من مواد كيماوية، على سلوكنا الاجتماعي وطريقة تفكيرنا وتعاملنا مع المواقف المختلفة.
وكما أننا نبحث في الأسباب المادية وراء هذه الظواهر المرضية لا يجب علينا إغفال الجانب الروحي والأخلاقي، خصوصا أن واقع الحال يؤكد أن هذه الظواهر المرضية غير مرتبطة بالفقر ولا بالجهل أو بالدرجة العلمية لحاملها وهذا يعيدنا إلى أن الدين والخلق والأمانة صفات تحتاج إلى أن نعتني بها في الأجيال الحالية والحديثة عن طريق تأهيل المقبلين على الزواج لحمل هذه الأمانة.
لذا أرى أن الفكرة التي طرحها الداعية الأزهري الشيخ أحمد المالكي هي بمثابة طوق نجاة تكتمل به دائرة العمل المشترك من أجل إصلاح حال البيت المصري، حيث طالب فيها بوضع شرطٍ مهمٍ قبل إتمام عقد الزواج، وهو اجتياز المقبلين على الزواج دورة لتعليم أحكام الزواج، وكيفية إدارة الأسرة، وما يتعلق بتربية الأبناء، من منظورٍ شرعيٍّ ونفسيٍّ واجتماعيٍّ وقانونيٍّ، من خلال تدريس منهج علمي تدريبي يشترك في وضعه كبار المتخصصين برعاية كريمة من الدولة المصرية تحت مظلّة الأزهر الشريف من خلال فتح نوافذ تعليمية في كل محافظة. 
طوق النجاة هذا، لا يجب أن يظل مجرد مقترح، بل قد يتم على نطاق يسع كل المصريين وتفتح له أبواب المساجد والكنائس، فمخرجات العلم والخبرات المصرية العريقة يجب أن يتم استثمارها على نحو أمثل للبحث عن آليات تعالج كل السلبيات الغريبة عن المصريين وتقلل تبعاتها، ومن خلاله يمكن أن تتقاسم جميع كيانات الدولة المصرية ومؤسسات المجتمع المدني دورها تجاه أسمى مسئولية اجتماعية نحو البيت المصري حاضرا ومستقبلا.