الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«القرموطى» في مواجهة الكورونا والإرهاب..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ولنا في الفن وعى وحياة، لا أظن أحدًا يختلف على هذه المقولة فبوسع الفن أن يصنع ما تعجز عنه الكتب والمقالات، بل وما عجز عنه السيف والبارود.
آفاق الفن الرحبة وقدرته الفائقة على المناورة لكسب المساحات الأكبر من أرض الحرية تجعله الأسرع والأقوى نفاذًا إلى العقول والقلوب فيفعل بها مفعول السحر، نصاله ناعمة لكنها الأقدر والأشد بأسًا من نصال الحراب بل وحتى ألسنة الساسة مهما كانت مصداقيتهم ومهما بلغت براعتهم في اللعب بسلاح الدبلوماسية.
ليس من مُنازل أجاد سلاح الفن إلا وانتصر في كل معاركه ولنا في تجربة الستينيات المثل الأعلى، حتى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه حسد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على إعلامه، والفن أمضى أسلحة الإعلام، وكلنا يذكر سينما الخمسينيات والستينيات التى بدونها لم تكن روائع كبار كتابنا لتعرف طريقها إلى الجمهور.
لكن الستينيات لم تكن الوحيدة المحظوظة بصناع الفن والإعلام والمسئولين عن إدارتهما، ففيما عايشت وأدركت كانت ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى أيضًا محظوظة بكثير من الفن وإن كانت أقل حظًا قليلًا من حقبة الستينيات.
لن أتشعب في كل دروب الفن فهى كثيرة ومتعددة يكفينى في هذه السطور الإشارة إلى حملات التوعية التى اعتمدت على الفن في تحقيق أهدافها مثل تنظيم الأسرة ومكافحة الإدمان والإرشاد الزراعى للفلاحين كيف يعاملون زرعهم وكيف يقاومون أعدائهم من الآفات والأمراض والحشرات، ناهيك عن حملات التوعية ضد البلهارسيا.
من منا لا يذكر العملاقين المعلم محمد رضا والفنان الكبير عبد السلام محمد في حملة مكافحة البلهارسيا وعبارتها الشهيرة "إدى ضهرك للترعة عمر البلهارسيا في جتتنا ما ترعى".
"سر الأرض" وشخصيتها الأشهر "القرموطى" كانت أكثر الحملات التوعوية التى ارتبط بها الجمهور بمعناه العريض، وأقصد جمهور الريف والحضر على حد سواء رغم أنها موجهة في الأساس للمزارع بما تقدمه من محتوى إرشادى في التعامل مع المحاصيل المختلفة.
كنا نحن سكان القاهرة ننتظر الحلقة الجديدة من سر الأرض مع كل يوم جمعة، كانت دراما اجتماعية من طراز رفيع إلى جانب دورها الإرشادى، كانت تجسد قيم المجتمع المصرى الأصيلة وتناقش بعض مشكلاته في إطار درامى كوميدى استطاع جذب الجمهور بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية والعمرية ونالت شخصية القرموطى التى قدمها الفنان القدير أحمد آدم شهرة واسعة بسبب ثرائها من ناحية وقدرة آدم على إبداعها بأدائه التمثيلى الراقى ولا أقول تجسيدها، وكأنه أعاد خلق الشخصية المكتوبة على ورق السيناريو ببث روحه الفنانة بداخلها.
ما أحوجنا اليوم للقرموطى في كل ما نواجه من تحديات كبرى تتصل أساسًا بالوعى، فبمثل هذه الشخصية الدرامية قد نستطيع فعل ما عجزت عنه صحافة البيانات وحملات التوعية الجافة.
دعنى عزيزى القارئ أشير سريعًا لعدة وقائع جرت وتجرى يوميًا جعلتنى استدعى شخصية القرموطى؛ رغم كل ما يقال عن مخاطر الكورونا وانتشار عدواها السريع، إلا أن إحدى العائلات التى تسلمت جثمان فقيدها من أحد مستشفيات وزارة الصحة قامت بنزع الكفن الطبى الذى وضعه المختصون بالمستشفى وبدءوا يتعاملون مع الجثمان وأشاعوا أن مرضه بالقلب كان سبب الوفاة والنتيجة إصابة أغلب أفراد هذه العائلة بالكورونا وبالتبعية نقلوا العدوى لبعض من حضر الجنازة والعزاء، ومثل هذه الواقعة نسمع بتكرارها كثيرًا.
أكاذيب الإخوان وشائعاتهم التى تحاصرنا صباح ومساء على مواقع التواصل الاجتماعي وآخرها ما تعلق بالقطار الكهربائى السريع سبب آخر جعلنى استدعى "القرموطى".
قد يقول أحدهم "انتهى زمن القرموطى"، والرد بسيط: بعض من أساؤوا الأدب وهتفوا ضد الوطن قد عادوا، وليس لهم رصيد القرموطى في وعى المصريين ولا حتى قدرته على التأثير ناهيك عن رصيد مبدع الشخصية السنيمائى والدرامى الفنان أحمد آدم.
لتكن عودة القرموطى مع أبنائه وأحفاده ولابأس أن تكون بنفس الاسم "سر الأرض" فمصر أرضنا تواجه الجهل والفساد وانعدام الضمير، ومثال الكورونا السالف يجسد الأمراض الثلاثة ومن يخفون حقيقة فقيدهم المتوفى بالكورونا هم أنفسهم من يدفعون الرشاوى لنيل حقوقًا ليست لهم وينشرون الفساد في الأرض وهم في سبيل ذلك يعملون ضمن آلة بث الأكاذيب الإخوانية حتى يستمر فسادهم وإن لم يكونوا إخوانًا بالمعنى التنظيمى.
القرموطى يستطيع في سياق درامى شيق مواجهة الفكر المتطرف ويجعل رسائل الاعتدال والتنوير تتسلل إلى عقل ووجدان جمهوره بطريقة سلسة تساعده على استيعاب وعى مختلف على عكس تلك التى تصله معلبة فيبدأ يتعامل معها بكثير من الحذر والريبة.