الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أنطونيو جرامشي.. "المثقف العضوي"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تحل اليوم الذكرى الثلاثين بعد المائة على ميلاد الفيلسوف " أنطونيو جرامشي" وهو فيلسوف ومناضل ماركسي إيطالي، ولد في الـ 22 من يناير عام 1891 في مدينة أليس وهي إحدى محافظات مدينة كاغلياري، وبالتحديد بمنطقة ساردينيا، والده هو فرانشيسكو وأمه جويسبينا مارشياس. 
كان لجرامشي نظرية خاصة بالمثقف ووضعه بداخل المجتمع فكان يرى أن وضعية المثقف وعضويته في المجتمع من خلال نوعين متقابلين من المثقفين؛ وهم "المثقف التقليدي" و"المثقف العضوي" حيث عرف المثقف العضوي بأنه "المثقف الذي ينتمي إلى طبقته ويمنحها وعيًا بمهامها، ويصوغ تصوراتها النظرية عن العالم، ويفرضه على الطبقات الأخرى من خلال الهيمنة، ويدافع عن مصالحها، ويقوم بالوظائف التنظيمية، والأداتية لضمان تقسيم العمل الاجتماعي داخل الطبقة من ثم استمرارها".
ويقول "جرامشي":"إن كل الناس مثقفون، ولكن لايمارس كل الناس دور المثقف). من ثمّ، فهو لا يميز بين أنواع الأعمال ويضع التقسيمات على أساس العمل الذهني والفكري واليدوي، كما كان متبعًا في القرن الـ19، فهو يبين أنه حتى لو كان عمل الإنسان عضليًا بشكل خالص، فهو يقوم على مهارة ما يتعلمها من مثقف لديه معرفة كافية بهذه المهارة، ويساعد على تأهيله مهنيًا، بالإضافة إلى أن كل إنسان يمارس نوعًا من الثقافة والتذوق الفني والأدبي خارج مهنته بالضرورة". 
ومن أهم إسهامات "جرامشي الأدبية" هي تلك الرسائل التي كان يكتبها لأمه من داخل جدران السجن والتي كان يتحدث دائمًا خلالها عن حالته الصحية التي كانت سيئة، فكان مصابًا بالوهن باستمرار، فكان يعاني من متاعب في المعدة وكانت الاضطرابات المعوية تدفعه إلى بصق الدم، وكان يعاني أيضًا من الصداع النصفي المزمن والأرق المستمر بسبب الممارسات التي كان يمارسها الحراس ضده لإقلاق نومه وإزعاجه باستمرار، وعلى الرغم من كل ذلك كان يحاول طمأنة والدته على حالته الصحية من خلال رسائله حتى لا يثير قلقها، ودائمًا ما كان يخبرها كذبًا بان وضعه الصحي جيد. 
ومن بين تلك الرسائل:" أمي الحبيبة، فكرت فيك كثيرًا هذه الأيام، فكرت في الحزن الجديد الذي سببته لك، وأنت في مثل هذا العمر وبعد كل الأحزان التي عشتها، يجب أن تكوني قوية مثلي، رغم كل شيء، فلتسامحيني بحنان حبك الهائل وطيبتك، عندما سأدرك قوتك وجَلَدك في الأوجاع ستصبح لدي ذريعة لقوة زائدة، فكري في هذا، حينما تكتبين لي على العنوان الذي سأرسله لك، طمئنيني عنك" 
ويتابع "جرامشي":"أنا هادئ ومتيقظ، كنت قد أعددت نفسي ذهنيًّا، وبشكل جيد. سأحاول أن أتخطى الصعاب التي تنتظرني جسديًّا أيضًا، لأحافظ على توازني، أنت تعرفين مزاجي وبداخلي دائمًا شيء من الفكاهة والمرح، هذا سيساعدني على العيش. 
"أمي العزيز: لم تعد لي القوة على الاستمرار، كتبت رسائل أخرى / فكرت في أشياء كثيرة، كما أن قلة النوم أرهقتني قليلًا، طمئنيني على الجميع، قولي للجميع أنه ما من داع للإحساس بالعار بسببي ويجب أن نكون أسمي من العقلية الضعيفة والخسيسة للبلدان الصغيرة". 
وكانت الطبعة الأولى من كتابات السجن، والتي نشرت في ستة مجلدات، لم تظهر إلا بعد سقوط النظام الفاشي ونهاية الحرب العالمية الثانية ما بين عامي 1947 و1951 تحت إشراف الأمين العام للحزب الشيوعي الإيطالي (Palmiro Togliatti)؛ وقد كان المجلد الأول عبارة عن مجموعة من رسائل السجن المختارة، والذي حصل على جائزة (Viareggio) وهي من أكثر الجوائز الأدبية الإيطالية رصانة وشهرة.
وفي عام 1947 تولى قيادة البلاد تحالف الحزب الشيوعي والديمقراطيون المسيحيون وهما من أكبر التنظيمات السياسية وأكثرها شعبية، والذين ساهموا في دحر وهزيمة نظام موسوليني الفاشي وأصبح أنطونيو غرامشي رمزًا لضحايا العهد الفاشي وعنوانًا للمقاومة؛ وكان أيضًا في تلك الفترة نوع من الاحتفاء بغرامشي المتعدد: السياسي والفيلسوف والمؤرخ والناقد الأدبي والمربي، وقد تم تجميع الكتابات العديدة الواردة في المجلدات وترتيبها وفقًا لموضوعاتها المختلفة: أولًا الفلسفة وخاصة الماركسية، ثانيًا الثقافة مع قسم منفصل يتناول المثقفين، ثم التاريخ والسياسة والأدب الإيطالي، وأخيرًا الملاحظات التي دونها وتناولت مختلف القضايا والمواضيع.
كان "جرامشي" هو الابن الرابع ضمن سبعة أخوات هم جينارو، وغرازبيتا، وايما، أنطونيو، ماريو، تيريسينا وكارلو"، عاني منذ صغره من مشكلات صحية خطيرة، ففي سن الرابعة تعرض للإهمال ما نتج عنه تشوهات في القفص الصدري، وعلى الرغم من ذلك حصل على شهادته الدراسية في عام 1905، ليجد نفسه أمام عراقيل الوضع المادي الصعب بعد أن فصل والده عن عمله، ليضطر إلى العمل لمدة عامين لكي يتمكن من استكمال دراستة الثانوية، ويعود الفضل في هذا إلى مساعدة والدته وأخواته، حيث التحق بالمدرسة الثانوية بسانتو لوسورجوي، وظهر نبوغ "جرامشي" في مادتي الرياضيات والعلوم. 
هوى "جرامشي" مطالعة الصحف الاشتراكية، وقام بنشر أول مقال له في صحيفة غالغياري عام 1910، وحصل بعدها بعام على شهادة الباكالوريا والتحق بالجامعة، بعد حصوله على منحة دراسية، ليجد نفسه مرة أخرى أمام الظروف المادية الصعبة، وحاول خلال تلك الفترة بتكريس وقته بين الدراسة الأدبية والدراسة القانونية، وقام بتأسيس مجلة اشتراكية في عام 1914، وفي عام 1917 تولى إدارة تحرير العدد الأول والأخير من نشرة الشبيه الاشتراكية، وبعد الإضراب العمالي في 23 أغسطس تم اعتقال عدد كبير من الأعضاء الاشتراكيين، ليصبح جرامشي سكرتير تحرير اللجنة التنفيذية المؤقتة لفرع تورينو، وفي نفس الوقت تحمل إدارة تحرير صحيفة Grido del popolo، ويبدأ جرامشي خطوة جديدة في حياته وهي بداية النشاط السياسي له. 
وفي يوم 8 نوفمبر عام 1923 تم اعتقال "جرامشي" وتم إيداعه في سجن ريجينا كولي وأوستيكا في عزلة تامة، ليقضى في السجن أهم أيام حياته، حتى خرج من السجن في عام 1937 ويتم ايداعه في مصحة ليودعنا جرامشي تاركًا الحياة إثر معاناته مع المرض بعد أيام قليلة من خروجه من المعتقل وفي هذه الفترة "فترة الاعتقال" قام جرامشي بكتابة رسائل تحت عنوان " دفاتر السجن" والتي تُعد أعظم منجز فكري وسياسي وأدبي، حيث كتب بخط يده ما يقارب من 2884 صفحة من المسودات والتي كان الغرض منها هو تقديم تحليل نقدي لتاريخ المثقفين الإيطاليين.