الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

هل تنجح مصالحة الماضي بين فرنسا والجزائر؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلن قصر الاليزيه في بيان له حصلت البوابة على نسخة منه أنه تماشيا مع المهمة الموكلة إليه من قبل رئيس الجمهورية، في 24 يوليو 2020، قدم المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا استنتاجاته وتوصياته بشأن ذكرى الاستعمار والحرب الجزائرية. وأشاد رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون بجودة هذا العمل المنجز بروح الانفتاح والاستماع والاحترام للجميع. وأكد استعداده لمواصلة عمل الذاكرة والحقيقة والمصالحة الذي بدأت في السنوات الأخيرة في بلادنا وفي صلاتها بالجزائر. وسيضطلع الرئيس الفرنسي، على أساس هذا العمل، بعدة مبادرات ملموسة من أجل المضي قدمًا على طريق الاعتراف بكل الذكريات والاسترضاء.
وأعرب ماكرون عن أمله في أن تسمح هذه المبادرات لفرنسا بإلقاء نظرة واضحة على جراح الماضي، وبناء مصالحة بين الذكريات بمرور الوقت والتوجه نحو الشباب في فرنسا والجزائر، في عملية تعليم ونقل. ستتطلب العديد من مقترحات المؤرخ ستورا توجيهًا يُعهد به إلى لجنة "الذكريات والحقيقة" التي تضم العديد من الشخصيات وسيرأسها بنيامين ستورا.
وأخيرًا أكد ماكرون رغبته في أن تكون جميع الذين انقلبت حياتهم رأسًا على عقب بسبب تاريخ الحرب الجزائرية مرتبطة بشكل كامل بذكرى 25 سبتمبر (اليوم الوطني لتكريم الحركيين وأعضاء الجيش الفرنسي).
في الواقع وبعد نحو ستة عقود من نهايتها، إن موضوع الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي استمر 132 سنة والحرب التحرير الجزائرية التي راح ضحيتها مليون ونصف الملون شهيد في ستة سنوات مازال يسمم علاقات باريس مع مستعمرتها السابقة؛ فقد أضحى الخروج من صراع الذاكرة ضرورة دبلوماسية أكثر من أي وقت مضى، كونه "يطمس رسالة فرنسا إلى منطقة المغرب العربي" وسياسية لأنه “يضر بالتماسك الوطني، ولا سيما اندماج أبناء المهاجرين والحركيين".
فالرئيسان الفرنسيان السابقين الراحل جاك شيراك ثم نيكولا ساركوزي، وبقناعةً منهما بأهمية الرهان، كانا قد شرعا بالفعل في العمل على ملف الذاكرة الاستعمارية الحساس وحرب الجزائر. لكن استغلالهما، في كل مرة، لهذا الملف كان لأغراض انتخابية، إضافة إلى اضطرابات الوضع في الجزائر، أدى إلى إفساد محاولاتهما. بيد أن إيمانويل ماكرون -أول رئيس فرنسي يولد بعد استقلال الجزائر- أظهر رغبة كبيرة في تحريك الأمور، من خلال تكليفه المؤرخ الفرنسي المعروف بنيامين ستورا بإعداد تقرير حول "قضايا الذاكرة المتعلقة بالاستعمار وحرب الجزائر"، التي مازالت غصة مؤلمة في ذاكرة ملايين العائلات في كل من الجزائر وفرنسا. أما البروفسور بنيامين ستورا فهو معروف كونه "حذر وطموح" في الوقت نفسه. حذرٌ، لأنه يتجاهل قضية التّوبة والاعتذار التي ما زالت تسمم النقاش في فرنسا، من أجل التركيز على الاعتراف بأحداث معينة. أما طموحٌ، فلأنه يقترح إعادة بعض الأرشيفات إلى الجزائر، لتسليط الضوء على اغتيالات الأوروبيين في وهران في يوليو عام 1962، والتعرف بشكل منهجي على أولئك الذين اختفوا من الجانبين خلال الحرب، والعمل مع الجزائريين بشأن موضوع التلوث الذي أعقب التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء حتى عام 1966".
ويعد الاقتراح المركزي الذي قدمه ستورا إلى ماكرون هو تشكيل لجنة "الذاكرة والحقيقة" التي تضم مسؤولين وأعضاء من المجتمع المدني من كلا البلدين، والتي بحسب المؤرخ الفرنسي من شأنها أن تحفز مبادرات تذكارية مشتركة، وهنا على الرئيس الفرنسي أن يبذل قصارى جهده لنقل الزخم الذي أعطته مقترحات ستورا وتنفيذها. فغياب ضغط ماكرون على جيش بلاده لفتح الأرشيف، قد يجعل من من تقرير المؤرخ مجرد بالون اختبار، فمن المسلّم به، تبدو المهمة صعبة على المستوى الدبلوماسي؛ إذ أن موضوع الذنب الاستعماري والصراعات التذكارية، يغذي دخلًا مفيدًا دائمًا ويعد أحد أدوات التأثير القليلة المتاحة للنظام الجزائري التي ما يزال يهيمن عليها الجيش في علاقاته مع باريس.
لكن يبقى الرهان الفرنسي- الفرنسي مشتعلًا، في وقت تتزايد فيه التصدعات الاجتماعية، يمكن لخطاب وتوجيه رئاسي فرنسي واضحيْن أن يساعدا في بناء الجسور بين الذكريات المجروحة والمتضاربة للتغلب على الإنكار والأكاذيب، والاعتراف بتعقيد الحرب الجزائرية، والسماح للمجتمع الفرنسي بالتعرف على الإرث لماضٍ تم تجاوزه أخيرا.
ماكرون يريد ازالة كراهية الجزائريين لفرنسا
يبدو أن ماكرون يريد تهدئة الماضي لاستعادة الوحدة الوطنية الفرنسية ورأب صدع الماضي مع دولة بترولية وغازية وزراعية كبيرة. ليست فقط لأسباب سياسية وعسكرية واقتصادية وتجارية فحسب فمازالت الجزائر تغذي الاقتصاد الفرنسي بخمسة عشر مليار ونصف المليار وإنما كذلك لإزالة الاحقاد والكراهية في قلوب بعض الجزائريين في فرنسا الذين حتى قراءة هذه الأسطر يعانون من ازمة هوية رغم ولادتهم في فرنسا واغلبهم لا يتحدث العربية لكن ظل متمسكا ببلاده الأم الجزائر ويعيش أحزانها وآلامها حيث يمثل لهم التاريخ الدموي لفرنسا في بلادهم أثرا عميقا استغله البعض لزرع الإرهاب في فرنسا حيث لاحظت أجهزة الاستخبارات الفرنسية أن اغلب الارهابيين الذين قاموا بسلسلة من القل والتفجيرات منذ عام 1986 وحتى عام 2020 هم من الجزائريين أو من ذوي الاصول الجزائرية وفي محاولة اصلاح الماضي يزيل بذلك كمية كبيرة من الاحقاد والكراهية تجاه بلده حيث استاء الفرنسيون من اهانة الجزائريين للعلم الفرنسي بل استقبلوا النشيد الوطني الفرنسي لامارسيييز بوابل من الصفير والاستهجان حصوصا في المباريات الرسمية التي تجمع منتخب الديوك بمنتخبات دولية على أرض فرنسا. كما أن طموح الرئيس ماكرون في "التوفيق بين الذكريات" ليس بالأمر الغريب على هوسه بإعادة بناء "قصة وطنية" يتقاسمها جميع أبناء فرنسا في 2021، والتي تمر، من بين أمور أخرى، عبر الكفاح ضد الانفصالية، ومسألة الذاكرة الاستعمارية وحرب الجزائر..لكنه قد يكون من المستحيل ان ينجح في ذلك لأن حجم كوارث فرنسا في الجزائر يفوق الوصف على كافة الصعد والمجالات.
يدرك ماكرون بذكائه المعهود حجم المخاطر التي قد يتسبب بها التعاطي مع هذا الملف بتهور، كونه واجه حدود النقاش، كمرشح ضد الإنسانية. ويشعر ماكرون أنه من الخطر التستر على التاريخ، خاصة عندما يكون مؤلما ودمويا تورطن فيه بلاده، لكن يلهيه الأمل فغالبا ما يستغرق وقتا لتنقيح تفكيره وصقل كلماته. كما أن الأجندة تضع له فخًا، بحيث إن الاحتفال بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر قبل شهر من الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا لن يكون أمرا سهلا عليه.
لماذا اختار ماكرون بنجامين ستورا أن ينجز له هذا التقرير؟
لأنه أكثر اساتذة جامعات فرنسا تخصصا في ش\ئون الجزائر وقد سبق واستمع إلى احدى محاضراته تحت صومعة البرلمان الفرنسي حينما كان وزيرا للاقتصاد والمالية ضمن جلسة استماع تحدث فيها المؤرخ الفرنسي عن الجزائر وكان محايدا وبالتالي فعمله الصارم بخصوص الذاكرة الاستعمارية وحرب الجزائر، يمنح ماكرون إطارا ثمينًا من أجل السير على خط القمة الذي يريد من خلاله مواجهة التاريخ وفي نفس الوقت الامتناع عن أي توبة، أو إعلان اعتذار. ففي السابق زاد حكام فرنسا من تأجيج سخط الجزائريين، فبدلا من الاعتذار أصدرت قانونا يمجد الاستعمار، حتى اضطر الرئيس جاك شيراك إلى إلغائه، خرج نيكولا ساركوزي بشطحاته ومناوراته المعروفة ليقول: إن الوجود الفرنسي في مصر والجزائر والمغرب لم يكن استعماريا بل كان «حلما حضاريا».. يا سلام.
تقرير متحيز للوقائع وحذر بشأن الرموز التاريخية
تضمن التقرير الذي سلمه بنيامين ستورا لماكرون (في 160 صفحة) جزئيين:الأول تحت عنوان الجزائر..النسيان المستحيل ويتضمن ملفات متعلقة بذاكرة الحركيين والأقدام السوداء والجنود المفقودين خلال الحرب والمستوطنين ومؤيدي استقلال الجزائر والصراع ضد القوى الإستعمارية،أما الجزء الثاني فيتضمن العلاقات الفرنسية الجزائرية ويشرح ستورا طبيعة هذه العلاقة المبنية على المصالح الخاصة لكل من البلدين بعيدا عن الشراكة بسبب اصرار الجزائريين على العودة إلى أحداث الماضي الدامية، وهو أمر طبيعي.
في الواقع، ليس من المؤكد أن ينجح ماكرون في ايجاد توافق في الآراء، فحتما سينزعج الفرنسيون لرؤية حلقات مشينة لفرنسا يتم النبش عنها، وقد شارك فيها مسئولون فرنسيون لهم أسمائهم في التاريخ. كما قد يشعر آخرون بالإهانة بأن يتم التذكير "بالدور الذي لعبه الأوروبيون في التاريخ المعاصر" للجزائر. فمما لاشك فيه أن جروحًا سيتم إحياؤها، حيث يقوم ماكرون دون علمه بنزع قشرة جروح عمرها ستين عاما لم تتعافى حتى الآن ولكنه يسعى لمعالجتها لكونها الطريقة الوحيدة للشفاء منها. فأكثر من سبعة ملايين فرنسي من ذوي الأقدام السوداء أو المهاجرين في الستينيات، هم مرتبطون اليوم بهذه القصة من خلال روابط عائلية. وقد غذّت لعبة "الذاكرة الانتقائية الضارة" النزعة الانفصالية التي أدركها الجميع،.!!وفي نهاية النهاية، لن تنسى الشعوب جرائم المستعمرين ولن تطوي تلك الصفحة المريرة في تاريخها، ولن تتسامح مع جرائم المستعمرين ولا في ما قدمته من تضحيات لاستعادة حقوقها، وقد لا تفتح صفحة جديدة مع دول الاستعمار، إلا بعد اعتراف المستعمرين بما ارتكبوا من جرائم في حق هذه الشعوب وما نهبوا من ثروات، وأن يتحملوا بشجاعة مسؤوليتهم التاريخية والأخلاقية عن الصفحة السوداء الاستعمارية، وبدفع التعويضات وتقديم الاعتذار
إشكالية اعتذار فرنسا للجزائر المستعصية؟
على عكس كل أسلافه، لا يجد إيموانيل ماكرون غضاضة في الاعتراف بفصول من تاريخ استعماري أسود، كانت الجزائر من أكبر ضحاياه، عندما أصرّت باريس أن تجعل من هذا البلد "اقليما لفرنسا "، للنحو132 عاما. بل لم يجد في صدره حرجا من الاعتراف باستخدام بلاده نظامًا للتعذيب خلال حرب الجزائر التي تُعرف كذلك بالثورة الجزائرية (1954-1962)، سقط ضمن ضحاياه جزائريون وفرنسيون. ويُضاف هذا التصريح إلى ما قاله سابقًا عند ترّشحه للرئاسة، واصفًا استعمار الجزائر بمثابة "جريمة ضد الإنسانية ". قد يكون سبب انتماء ماكرون لجيل جديد غير مثقل بماضِ سياسي متداخل مع حرب الجزائر فماكرون غير معني بـ"استبداد الذاكرة"، وهو ما سيُتيح "الذهاب بعيدًا في نوع من المصالحة مع التاريخ". تفاؤل تحمله هذه المبادرة الجديدة فموقف ماكرون يؤكد "نهاية كذب الدولة الفرنسية تجاه الجزائر"، فقد استخدم كلمة "نظام فرنسا" في إشارته للتعذيب، وهو يتجاوز بذلك قضية الاعتذار إلى ما هو أكبر.
كما اعتذر ماكرون عن التعذيب لكن الإدارة العسكرية الفرنسية منعته من التمادي في الاعتذار حتى لا يصل إلى حقبة الاستعمار لكونه يشكل تاريخ فرنسا واحدى محطات امجاد إمبراطوريتها العظيمة التي تقاسمت بها العالم مع بريطانيا العظمى.
لم تُخفِ الحكومة الجزائرية ارتياحها لتصريحات ماكرون آنذاك، مُعتبرة إياها خطوة إيجابية يجب تثمينها. وما يزيد من ارتياح الجزائر أن قرار ماكرون الأخير سبقته خطوات أخرى في المنحى ذاته، فالرئيس الفرنسي عبّر نهاية عام 2017 عن استعداد بلاده لإرجاع جماجم موجودة في متحف باريسي، تعود لمقاومين جزائريين قُتلوا بداية احتلال بلادهم، وهو تصريح يأتي عامًا واحدًا بعد استقبال باريس للمرة الأولى في تاريخها وزيرًا للمجاهدين (المقاومين) الجزائرين، كما أقرّ المجلس الدستوري الفرنسي بداية 2018 قانونًا بتوسيع دائرة تعويضات حرب الجزائر لتشمل جميع الضحايا بعدما كانت محصورة على الفرنسيين.
قال الرئيس ماكرون إنّ "فرنسا قامت بالكثير من المبادرات، والمهم يكمن في القيام بعمل تأريخي ومصالحة الذاكرتين لا تقديم الاعتذارات. وباستثاء مظاهرات 17 أكتوبر 1961، التي قتل فيها عشرات الجزائريين في فرنسا، والتي اعترفت بها فرنسا في فترة الرئيس السابق فرانسوا هولاند ولكن دون أن تقدّم اعتذارا، "تقفز" السلطات الفرنسية على مطالب الجزائر المتكررة بضرورة الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية، وتُفضّل، مثلما قال ماكرون "النظر إلى الأمام وبناء علاقات تخدم البلدين وتتطلع إلى المستقبل لا إلى الماضي".
ملفات ساخنة لازالت مغلقة أبرزها التجارب النووية
فيما دعت باريس على مر الزمن إلى طي صفحة الماضي، تلحّ الجزائر مرارا على مطلب تقديم اعتذار رسمي عن جرائم الاستعمار وحل ملفات مرتبطة به مثل استرجاع الأرشيف وتعويض ضحايا تجارب نووية في الصحراء وهذه تحتاج إلى لجنة أخرى أكثر جدية وأشد عمقًا لأن القضية متشعبة فقد سمحت وقتها فرنسا لإسرائيل بتجربة قنابلها النووية التي أهدتها اليها في صحراء الجزائر ومازالت حتى يومنا هذا آثار تلك التجارب النووية على سكان الصحراء الذين عانوا من أمراض سرطانية وتشوهات‎.
كما أن هناك ملفات خلافية متعددة، ففرنسا لا تزال تعمل بقانون قديم صدر عام 2005 يعترف بـ"جهود" بالفرنسيين العائدين من المستعمرات ويمنح تعويضات لأنصار الاستعمار وأدواته، وثمة خلاف عميق حول ملف حقوق أبناء "الحركيين" وهم جزائريون (خونة) ساعدوا الاستعمار الفرنسي، وملف أصحاب الأقدام السوداء، وهم مستوطنون فرنسيون تركوا أملاكهم بالجزائر التي قامت لاحقا بتأميمها.
ومن أكبر المطالب الجزائرية، فتح كامل للأرشيف الفرنسي المتعلّق باستعمار بلادهم. ووعد ماكرون في رسالة "الصفح" بفتح كل القضايا المتعلّقة بالاختفاء القسري إبّان استعمار الجزائر. يندرج هذا الوعد ضمن مسار حمل تفاؤلًا للجزائريين بحسن النوايا الفرنسية، فقد سبق لحكومة بلادهم أن أكدت تلقيها وعدًا باستعداد الفرنسيين تقديم نسخة من أرشيف الفترة الاستعمارية، وهو أمر إن تم، سيفتح المجال لمعرفة مصير الملايين من المفقودين الجزائريين، وسيثير اهتمام مستعمرات فرنسية سابقة بأن تضغط بدورها على قصر الإليزية لكن الاشارات الإيجابية الفرنسية بدأت في يوليو قبل الماضي حينما استعادت الجزائر رفات 24 مقاوما، كانت تطالب باسترجاعها واسترجاع غيرها من جماجم الشهداء، بعد بقائها 170 سنة في متحف الإنسان بباريس، وكان هذا واحدا من ملفّات الذاكرة العالقة بين البلدين، والذي وجد طريقه إلى التسوية. وشكّل البلدان لجنتين لبحث موضوع الذاكرة، ترأس اللجنة الجزائرية مستشار الرئيس تبون ومدير الأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي، وعن الجانب الفرنسي المؤرخ بنيامين ستورا، لكن الطرفان لم يباشرا عملهما بسبب وباء كورونا، وبقي الأمر حبيس اتصالات عن بعد بينهما.
نرى أن بهذه الخطوة الجريئة والجديدة، يسبح ماكرون مجددًا عكس التيار في فرنسا،فرهانه مخالف لدوامة الانحدار التي تتحول من الشعور بالإنكار إلى الحبس في هوس الضحية، وفي أسوأ الأحوال، إلى الرغبة في الانتقام. فبالنسبة للرئيس الفرنسي، السعي نحو تهدئة النظرة للماضي هو شرط ضروري لدرء انشقاقات الحاضر. ومسألة الاندماج والوحدة الوطنية الهشة للغاية تمر أيضا عبر العملية التاريخية. ومع ذلك، فإن نجاح هذا الرهان لا يتوقف على النية الرئاسية وحدها؛ سيعتمد قبل كل شيء على قدرة الأمة المتنوعة على قبول رواية مشتركة.

نحو الوئام والتئام الجراح
في اتصال بقر الإليزيه قالت الرئاسة الفرنسية إن رئيس الدولة "سيتحدث في الوقت المناسب" بشأن توصيات هذا التقرير واللجنة التي ستكون مسئولة عن دراستها. وأكدت أنه "ستكون هناك أقوال" و"أفعال" للرئيس في "الأشهر المقبلة"، مضيفة أن "فترة المشاورات" بدأت. وأكد الإليزيه أن الأمر يتعلق بـ"النظر إلى التاريخ وجهًا لوجه (...) بطريقة هادئة وسلمية" من أجل "بناء ذاكرة اندماج".
وذكرت مصادر في الإليزيه أنها "عملية اعتراف" ولكن "الندم وتقديم اعتذارات غير وارد"، وذلك استنادا إلى رأي أدلى به ستورا الذي ذكر أمثلة اعتذارات قدمتها اليابان إلى كوريا الجنوبية والصين عن الحرب العالمية الثانية ولم تسمح "بمصالحة" هذه الدول.
وبين "الخطوات" التي سيتم القيام بها، نقل رفات المحامية المناهضة للاستعمار جيزيل حليمي التي توفيت في 28 يوليو 2020 إلى قصر البانثيون ( مقبرة العظماء) الذي يضم بقايا أبطال التاريخ الفرنسي. وقبل ذلك، ستقام مراسم تكريم لها في الإنفاليد في الربيع "عندما تسمح الظروف الصحية بذلك".
وشدد الإليزيه أيضا على أن إيمانويل ماكرون "ليس نادما" على تصريحاته التي أدلى بها في العاصمة الجزائرية في 2017 وندد فيها بالاستعمار باعتباره "جريمة ضد الإنسانية". وتساءل الإليزيه "ماذا كان يمكنه أن يقول أكثر من ذلك؟ لا يوجد شيء آخر يمكن قوله، لكن في المقابل هناك الكثير يجب القيام به".
من جانبه يريد ستورا، قبل كل شيء، تعزيز "الرغبة في خلق جسور وتداول وتفكيك الذاكرة" كما صرح الثلاثاء، مضيفا "هذا ليس عقائديا فحسب، وليست مجرد خطابات نلقيها، وكلمات مختارة نقولها، ولكنها أفعال، أي فتح الأرشيف، وتحديد الأماكن، والبحث من المفقودين، والحفاظ على المقابر. هذه أشياء بسيطة للغاية وعملية للغاية وواضحة للغاية، لكنها كلها مسائل خلافية وثقيلة للغاية بين فرنسا والجزائر".
فهل ينجح إيمانويل ماكرون، في حلحلة هذا الملف الشديد التعقيد، لتهدئة العلاقات المتقلبة منذ منذ غزو الجزائر واحتلالها عام 1830 حتى كتابة هذا الأسطر؟ هذا ما ستشفر عنه الأحداث القادمة وأن غدًا لناظره قريب.