الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"البوابة نيوز" تحاور متطوعين لغسل متوفي كورونا.. رجال لا يهابون الموت ويقدمون خدماتهم بالمجان

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المشاركة في مراسم تجهيز وتغسيل جثمان مصاب الكورونا تمهيدا لتشييعه إلى مثواه الأخير.. تجربة قامت بها «البوابة نيوز» ويراها البعض نوعا من الجنون، أو المخاطرة، بينما يفر الناس منها، تذهب أنت إليها بمحض إرادتك، ولكن إيمانك برسالتك في نشر الحقيقة وتوضيح الأمور يجعل العسير سهلًا، ويسخر لك من يمد لك يد العون، وأن نشر الحقيقة هو أسمى درجات البحث عن الحق.
البداية كانت عندما علمنا بوجود «دار المهاجرين» وهى مجموعة من الرجال وأهل الخير خاطروا بأرواحهم لتغسيل موتى كورونا دون مقابل، بل يذهبون هم إليهم مهما كانت المسافة بعيدة، الأمر غاية في الصعوبة وتحفه المخاطر، تتجه خطواتك إلى منطقة الجيزة وبالقرب من ميدانها، تسأل عن مقرهم الجميع يرشدك، لن تحتاج إلى عناء البحث والوصول، وتوجه أنت قبلتك للمشاركة في تغسيل متوفى كورونا.
يستقبلك شيخ المغسلين أحمد على بابتسامة صادقة، ويخبرك بأن كل المخاطر تزول إذا كانت النية صادقة لله ولرسوله، شباب في مقتبل العمر، وشيوخ لا يهابون الموت، فهابهم الموت نفسه، تبدأ كلمات الشيخ: «الأمر بسيط، شاركنا في تغسيل المئات من موتى كورونا لم يصب أحد منا بأذى».
تدخل جسدك داخل بذلة سوداء معقمة وترتدى قناع الوجه بعد الوضوء، فقط عليك أن تخلص النية لله، وتضرب مثالًا للجميع بأن الأمر يحتاج الإخلاص، فلا تهربوا من ذويكم وتتركوهم وتفروا، فالفرار بالنسبة لهم أشد ألمًا من سكرات الموت، ولا تجعلوا البعض يتاجر في موتاكم. 
تصل إلى مغسلة الموتى وتبدأ رحلتك في المساعدة معهم، تقوم بالمساعدة في الغُسل، وتُكفن الميت وتنهى مراسم التكفين، في شعور بأنك في عالم آخر.

شيخ المغسلين
داخل دار المهاجرين يستقبله الجميع، ويستمعون إليه بسعة صدر، وعلى وجه الشغف في مساعدة الناس، إنه شيخ المغسلين الذى أمضى قرابة الـ30 عامًا، وهو يغسل الموتى دون أن يتقاضى أجرًا، بل يرى أن من يغسل ميتًا ويتقاضى أجرًا متاجرة بموتى الناس، واستغلالًا لأوجاعهم، هاتفه يستقبل المكالمات ليلًا ونهارًا دون ملل، على رأس فريق من المتطوعين جميعهم يشغلون مناصب مرموقة داخل الدولة، تجد بجوارك طبيبًا ومهندسًا ومحاسبًا ورجل أعمال جميعهم طلقوا ملذات الدنيا، ليساعدوا الناس في تغسيل الموتى. 
يقول شيخ المغسلين «الشيخ أحمد» حصلت على العديد من الشهادات من المملكة العربية السعودية وإجازات من مكة والمدينة المنورة في تغسيل وتكفين الموتى، واتخذت تغسيل الموتى دراسة وعلما. 
وتابع الشيخ أحمد «بعد تفشى وباء كورونا، أصبح الأمر متاجرة من بعض المغسلين، يصل الأمر أن يتقاضى المُغسل 5 أو 7 آلاف جنيه نظير التغسيل، جعل الوضع في غاية الصعوبة، بينما يغرق الناس في هموم الرحيل يريد البعض إغراقهم في الديون، الأمر جعل دار المهاجرين تعلن عن فتح باب التطوع لتغسيل موتى كورونا.

معهد لتغسيل الميت
يحكى الشيخ أحمد أن التغسيل علم يجب على المُغسل تعلمه، ولكل متوفى له طريقة تغسيل، فالغريق يختلف تغسيله عن المحروق، والميت المتوفى بأمراض البطن له طريقة، والذى توفى ووصل جسده للتعفن له طريقة.
لا أعلم سبب تخوف البعض من متوفى كورونا، النفع والضر ما هو إلا بيد الله، طالما اتخذت كل الإجراءات الاحترازية والوقاية، فالأمر لا يجعلنا نفر من أهلنا ونتركهم، اخلص نيتك لله وسيحميك الله، هذا من الجانب الدينى، أما الجانب الصحى عليك أن ترتدى البذلة والالتزام بتعليمات وزارة الصحة، وسيكون الأمر عاديًا.

متاجرة 
وأضاف الشيخ أحمد «المتاجرة بالتغسيل جعلتنا في دار المهاجرين في التفكير في مواجهة هذه الظاهرة، فالبعض يطلق على نفسه مغسل الأموات دون علم، فقمنا بعمل أول معهد من نوعه في تعليم الغسل الشرعى وكيفية التعامل، قمنا بإعداد قاعة دراسية حديثة، ومزودة بكل الوسائل التكنولوجية لتعليم المتوعين، وفور الإعلان وجدنا العشرات من إنحاء الجمهورية يبدون رغبتهم في التعلم، كل أطياف المجتمع باختلاف المهن، هذا طبيب وذا ضابط، وآخر يعمل بالبورصة، جميعهم أبدوا الرغبة في الالتحاق للدراسة، وكل ما يقدم لهم من محتوى علمى ومحاضرات بالمجان دون أجر.
وأكد الشيخ أحمد أن التغسيل أمانة وليس متاجرة، وعلى الجميع الرفق بأحوال الناس وعدم استنزافهم، وأن الموت تأثرًا بكورونا ليس عيبًا أو أمرًا مشينا.

تجارب 
يحكى محمد مبارك وهو شاب في الثلاثين من ربيع العمل، ويعمل في كبرى شركات الاتصال، حكاية أشبه بالدراما، توفى صديق عمره، بدأ البحث عن مغسل ليقوم بإجراءات الغسل، الجميع يغلق هاتفه، الكل يفر من كورونا، ويرفض تغسيل ميتها، الأمر يشعر الجميع بالحزن، فالبعض يرفض، والآخر يغلق هاتفه؛ خوفًا من انتقال العدوى وهو يغسله، يقول مبارك، بعد أن تواصلت مع الدار وقاموا بالمساعدة، رغم أننى أشارك في التغسيل منذ أربع سنوات، إلا أننى لم أقم بتغسيل متوفى كورونا في السابق، بعد دفن صديقى، قررت أن أتطوع، والتحقت بهم للتغسيل بعد أن قاموا بتعليمى، ومنذ ذلك الوقت لم أتأخر مرة في حالة طلبى للقيام بُغسل متوفى كورونا، حتى إننى تجاوزت تغسيل 50 متوفى، والحمد لله لم أصب ولو بدور برد منذ ذلك الوقت.
ويقول حسام، مدير عمليات بسوق المال وصاحب كتاب «سياسات التجارة الخارجية دراسة مقارنة في ضوء الكتاب والسنة» الصادر عن جامعة الأزهر وحاصل على ماجستير الشريعة والاقتصاد، «أشعر بالخشوع والقدرة على التصدى للفتن والتطرف الفكرى كلما تقربت من الله، ولم أجد ذلك سوى في تغسيل الموتى، لم أكن أتوقع يومًا أن أتطوع في تغسيل الموتى، فوجدت ضالتى من الخشوع وفهم الدنيا، وتغير الأفكار وأننى أنشر أن هناك من يقوم بتغسيل الأموات بالمجان، وأحاول نشر هذه الفكرة، ووجدت أن الناس تقبل على الفكرة، دون خوف، خاصة أنهم على علم هناك الكثير يعلمون تواجد من يستغل الناس.
من جهته يقول محمد الذى درس القانون عن تجربته في تغسيل الموتى «كنت أعانى من بعض المشكلات في أسرتى، وتعب أطفالى، ورغم التدرج في مناصب مهمة في المؤسسات التعليمية، ووضع مادى ميسور، إلا أننى كنت أبحث عن الراحة النفسية، نصحنى البعض بزيارة المرضى، وتشيع الجنائز، ومن هنا كانت البداية، فعل الخير ولو بسيط، يجعلك تشعر براحة لن توفرها لك ملايين الجنيهات، وبعد ذلك بدأ التوتر يزول، بعد انتشار خبر رفض أهالى إحدى القرى دفن طبيبة بعد إصابتها بكورونا، جعلنى أقول لا بد أن أصارع في الوصول لمساعدة أهل المتوفى في تغسيل كورونا، ويشاء الله أن أجد في إحدى المجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه يستغيث في البحث عن مساعدته لدفن أخته بعد رفض الكثيرين فعل ذلك، تواصلت معه وساعدته في الدفن، وتعرفت على أحد الأشخاص الذين جعلونى أتواصل مع مجموعة الدار وأصبحت أغسل موتى كورونا بالمجان، ومن وقتها تغلبت على كل المصاعب في الحياة، وألهمنى الله الراحة والسكينة، ولو ذهبت لطبيبًا نفسيًا وأخبرته بما تفعله، سيخبرك بأن الأمر يجعلك تصاب بالأمراض النفسية التى تحتاج إلى أشهر للعلاج منها، ولكنى وجدت عكس ذلك، السكينة في قلبى، وقلت بل كادت أن تختفى كل الأمراض من أسرتى.