الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

هل ينجح ماكرون في رأب الصدع بين قادة مسلمي فرنسا؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استقبل رئيس الجمهورية الفرنسية، السيد إيمانويل ماكرون، ظهر اليوم الاثنين 18 يناير بحضور وزير الداخلية ومسئول شئون الأديان السيد جيرالد دارمانان، في قصر الإليزيه، ممثلي المجلس الفرنسي للعبادة الإسلامية (CFCM) ، الذي تم إنشاؤه عام 1999، وتم تجديده عام 2003 من قبل وزارة الداخلية ليصبح الكيان المحاور الرئيسي للسلطات الفرنسية باسم نحو 20 مليون مسلم في فرنسا نصفهم فرنسيين أو حاصلين على الجنسية الفرنسية. 


فقد استاء الرئيس الفرنسي من الخلافات السياسية الأزلية بين دولتي الجزائر والمغرب على زعامة الاسلام في فرنسا والتي استمرت عقوداً؛ فقد سبق وأن قابل الرئيس الفرنسي أعضاء مجلس الديانة الاسلامية في فرنسا (CFCM) في نوفمبر 2020 وطالبهم بعرض الخطوط العريضة لتشكيل مجلس وطني للأئمة يكون مسؤولا عن إصدار الاعتمادات لرجال الدين المسلمين في فرنسا وسحبها منهم عند الاقتضاء لمحاربة الاسلام السياسي وفكر الإخوان المسلمين.وأمهلهم أسبوعين لتجهيز ميثاق للقيم الجمهورية، والذي كان يتعين على الاتحادات التسعة التي يتألف منها المجلس الالتزام به، على أن يتضمن الميثاق تأكيدا على الاعتراف بقيم الجمهورية، وأن يحدد أن الإسلام في فرنسا هو دين وليس حركة سياسية، وأن ينص على إنهاء التدخل أو الانتماء لدول أجنبية.لكن تصاعد الخلافات السياسية بين الرئيس المنتخب محمد موسوي المغربي الجنسية وبين شمس الدين حفيظ عميد مسجد باريس الكبير جزائري الجنسية حالت دون تحقيق هذا الميثاق بل أن من بين هذه الاتّحادات التسعة التي تمثّل قسما كبيرا من مسلمي فرنسا هناك ثلاثة اتحادات لا تعتمد "رؤية جمهورية"، وفقاً للإليزيه .


كان انتخاب أستاذ الرياضيات ذي الأصول المغربية محمد الموسوي (55 عاما)، في منتصف شهر يناير 2020 على رأس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ،بمثابة صدمة للجزائريين الذين يملكون جالية اسلامية كبيرة في فرنسا تتجاوز 6 مليون نسمة كانت لهم الريادة لعقود ولا سيما لكونه كان المرشح الوحيد في الانتخابات بعد انسحاب شمس الدين حفيظ الذي انتخب عميدا لمسجد باريس الكبير بعد استقالة دليل بوبكر المفاجأة لظروفه الصحية بعد أن استمر على رأس المسجد أكثر من ربع قرن وكان نائبه لنحو 20 عاماً . كما انه فاز بأصوات المقربة للإخوان وللأتراك.

فوجئ الفرنسيون بانفجار الخلاف بين ممثلي الجاليتين المغربية والجزائرية في المجلس، والذي طالما عصف مرارا بانتخاباته السابقة. فقد هدد ممثلو المسجد الكبير بباريس، المقرب من الحكومة الجزائرية، بالانسحاب من المجلس إذا لم يتم تعيين المرشح الجزائري ، رئيسا له، وهو ما رفضه التيار المقرب من المغرب، الذي يعتبر المرشح الجزائري، مناصرا لجبهة «البوليساريو» المعادية للوحدة الترابية للمملكة المغربية، لكونه عمل محاميا للجبهة الانفصالية مما اضطره إلى الانسحاب من الانتخابات ليبرز الموساوي مرشحا وحيدا فيما تم انتخاب موسوي لمدة عامين بحصوله على 60 صوتا من اعضاء مجلس الإدارة البالغ عددهم 89 شخصا. ويشغل الموسوي ايضا رئاسة اتحاد المساجد الفرنسية وهو أحد مكونات المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية.

يواجه المجلس حتى كتابه هذه السطور انتقادات شرسة من مسلمي فرنسا بسبب افتقاره إلى التمثيل المناسب وعدم تحقيق نتائج تليق بحجم أكبر جالية إسلامية في أوروبا، حيث يمثل الدين الاسلامي الديانة الرسمية الثانية بعد الكاثوليكية وقبل اليهودية. بيد أن الخلافات بين الاتحادات الاسلامية والمراكز التي يتشكل منها المجلس مستمرة حتى عاد حفيظ كعضو بناء على تعليمات من الداخلية الفرنسية لكنه سرعان ما انسحب واستقال من المجلس مدعيا بانه رأى بأن القائمين عليه إخوان مسلمين ومتشبعون بالنزعات الانفصالية الخطيرة وليكتفي بالقيام على مسجد باريس الكبير أحد أقوى واجهات الاسلام في فرنسا والذي كان هدية من حكومة فرنسا عام 1926 مكافأة للمحاربين المسلمين في صفوف قواتها ابان الحرب العالمية الاولى.. وتولت الجزائر القيام بشئونه حتى اليوم بينما اهدى ملك مصر فؤاد الأول منبر المسجد الذي يزين قاعة الصلاة الكبرى فيه حتى يومنا هذا.

يرى الجزائريون في الرئاسة المغربية توجها نحو إيصال المجلس الاسلامي إلى نفق مسدود، بهدف الحد من صلاحيات الرئاسة الجزائرية ، عقب انتهاء ولاية الرئيس المغربي المنتهية ولايته محمد موساوي، باعتبار أن المقرر كان هو تولي الجزائر رسميا رئاسة المجلس للدورة المقبلة بتوافق بين مختلف المنظمات الإسلامية التي تشكل المجلس.. بينما يرى المغاربة بأنهم أحق بالرئاسة وفق إطار التغيير والديمقراطية.

يذكر أن شمس الدين حفيظ المولود عام في الجزائر 1954. قد شارك قبل الهجرة إلى فرنسا في تأسيس اتحاد المحامين الجزائريين الشبان. ويتولي اليوم إلى جانب مهامه كعميد جديد لمسجد باريس الكبير منصب نائب رئيس لدى مجلس الديانة الإسلامية الفرنسي وذلك منذ عام 2008. وهو منذ عقود محامي مسجد باريس الكبير. وقد ترافع عدة مرات في قضايا المسجد ضد أطراف اعتبر أنها تسيئ بشكل أو بآخر إلى الإسلام والمسلمين في فرنسا ومنها شكوى قدمت عام 2006 ضد صحيفة " شارلي إبدو" الأسبوعية الفرنسية بعد إقدامها   على نشر رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد. ولم يحكم القضاء فيها الفرنسي لصالح مسجد باريس الكبير لأن القوانين الفرنسية لا تجرم ازدراء الأديان.

في الواقع مأساة المسلمين أن تظل معظم الاتحادات الاسلامية في فرنسا مقربة من البلدان الأم سيما (المغرب والجزائر وتركيا) وبالتالي تعتمد على سياق التفاهمات والخلافات السياسية بين تلك الدول ،بل تسيطر على تلك المؤسسات الدينية بعض الجماعات الإخوانية والمقربة للإخوان كما أن المجلس الاسلامي الحالي لم يأت بنتائج ملموسة لا لمسلمي فرنسا ولا للدولة الفرنسية، بل اشتعلت فيه التنافسية والندية بين دولتي المغرب والجزائر داخل هذا الكيان بحكم أنهم يمولونه ويستولون على بعض المساجد حيث يشغل الموسوي أيضاً رئاسة اتحاد المساجد الفرنسية، أحد مكونات المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية فيما يتهمه الجزائريون بأنه مقرب للإخوان المسلمين بينما يتهم المغاربة حفيظ بانه كان على علاقة بالإخوان المسلمين لنحو ربع قرن وكان آخر لقاء جمعه بهم الجمعة الماضية وفق قولهم.

 الفرنسيون محتارون

 لقد احتار الفرنسيون في كيفية إدارة شئون مسلمي فرنسا لتشتت شمل المسلمين وتناحرهم فهم مثل قادتهم العرب؛ اتفقوا على ألا يتفقوا. فمنذ ثمانينات القرن الماضي قامت فرنسا بعدة مبادرات لتوحيد صفوف المسلمين تحت إدارة واحدة تكون محاورة رئيسية مع الدولة وترعى شئون المسلمين فبناء على طلب الرئيس الاشتراكي فرانسوا ميتران، قام بيار جوكس وزير الداخلية آنذاك بتأسيس مجلس استشاري  (CORIF) ضم 15 عضوًا من بين مديري المساجد الكبرى وشخصيات إسلامية مرموقة، لكن تخلى خليفته الرئيس الديجولي جاك شيراك عنه فأمر وزير داخليته شارل باسكوا بإلغاء هذا المجلس الاستشاري عام 1995 واعتمد كليًا على  مجلس تمثيلي في المعهد الإسلامي بمسجد باريس لإنجاز ما يُسمى «إسلام فرنسا»،  وهذا ما لم يُعجب الوزير التالي جان لويس دوبري، إذ فضل استدعاء 10 شخصيات متعددة الرؤى، وبعد عودة اليسار إلى الحكم قام الوزير جان بيير شوفينيمان بعدة مُشاورات أسفرت في عهد الوزير نيكولا ساركوزي عن تأسيس هيكل رسمي، وهو ما يعرف اليوم بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية. وفي ديسمبر 2016، أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أن مؤسسة الإسلام في فرنسا بدأت عملها رسميًا، إلا أنه بموجب قانون عام 1905 للفصل بين الدين والسياسة لم تسند إليها سوى المشاريع ذات الطابع الاجتماعي والثقافي العامة مع إقصاء للمسائل الثقافية الجوهرية..لكن بعد تولي شخصية اسلامية فذة محبوبة من طرف الفرنسيين والمسلمين الدكتور غالب بن شيخ الحاصل على دكتوراه في الفيزياء ودكتوراه في الفلسفة على رأس هذه المؤسسة إسلام فرنسا قد اسكبها قوة وثقل فكري معتبر وقد تلق مؤخرا دعم من رئيس الدولة مقداره 10 مليون أورو لمواصلة انشطته الفكرية والثقافية العقلانية.

بيد أنه ما زال كل وزير داخلية جديد يحاول أن يغير التسميات أو بعض القائمين على المجلس الإسلامي لكن يبقى الإسلام تائها بتوهان القائمين عليه في فرنسا .ولهذا يرغب الرئيس إيمانويل ماركون انهاء الخلافات وتصفية النفوس للتنزه عن الأحقاد والطموحات السياسية والاهتمام بمصالح الاسلام والدولة حيث تخشى فرنسا من هيمنة الإخوان المسلمين الأمر الذي دفع الحكومة الفرنسية بواعز من رئيس الجمهورية بضرورة تشريع قانون لردع هذه الآيديولوجيات السياسية المتطرفة والتي أنتجت الإرهاب الذي ضرب فرنسا منذ 1986 وحتى اليوم.

فقد استثمر أصحاب التيار الإسلامي المتطرف الغطاء القانوني للحريات الفردية وقيم الجمهورية والديمقراطية، لينقلبوا عليها ويحاولوا التمدد على هذا البلد وبسطوا نفوذهم على مناطق عديدة أصبحت منعزلة في شكل مقاطعات كجزر نائية عن سلطة الدولة والقانون، وهو ما يدركه المسؤولون الفرنسيون والسلطات حالياً، ما دفع الرئيس ماكرون إلى أن يوكل لمجلس الشيوخ مهمة إعداد تحليل لواقع التطرف الإسلامي في بلد الأنوار وهذا ما قامت به السيناتورة جاكلين أوستاش برينيو على اكمل وجه وتم إصدار تقرير انتهى بتوصيات وتحذيرات لأجهزة الدولة للتصدي لهذا الخطر القادم من التشدد القائم على العقيدة الإسلامية، ومحاولاته لتغيير طبيعة الحياة والمجتمع في فرنسا. لكن تقرير اللجنة البرلمانية لا يبدو أنه قدم تشخيصا عمليا للوضع ولا نهجا في صياغة علاجات ناجعة للممارسات الخارجة عن القانون، بل كان مجرّد نتائج تجاوزها الواقع والأحداث لهذا توجب سن القانون الخاص بمحاربة الانفصالية والتيارات السياسية الاسلامية وهذا يقتضي أن يدعم هذه الاجراءات والتدابير القانونية مجلس اسلامي قوي قادر على صياغة الاسلام وفق العلمانية الفرنسية أو كما يقولون في فرنسا الاسلام بالصوص الفرنسي.

الانفصالية صداع في رأس ماكرون

تسعى الاستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها الرئيس ماكرون ضد "الانعزالية الإسلامية" إلى إقامة "نظام مواز" يؤكد قواعد النظام الجمهوري الفرنسي وقيمه ونمط الحياة الليبرالية في المجتمع، وتبدو هذه الاستراتيجية أساس  سياق حملته لانتخابات 2022 ليسحب بها البساط من تحت اقدام اقوى خصومه السياسيين وعلى رأسهم مارين لوبن زعيمة التيار اليميني المتطرف.

في الواقع تأتي استراتيجية ماكرون لضرب عدة عصافير بحجر واحد فهو يحارب بها تيار الإسلام السياسي ويجفف منابع تمويله من الدول الأجنبية. كما يستجيب للتحديات التي تواجهها الدولة إزاء اندماج فئات من المهاجرين، بل حتى فئات من المواطنين الفرنسيين الذين يغلبون انتماءاتهم الدينية أو الطائفية على حساب المواطنة.

ويبدو أن جريمة ذبح المدرس الفرنسي صامويل باتي، على يد متشدد إسلامي شيشاني، ساهمت في تسريع وتيرة حملة السلطات الفرنسية ضد المتشددين، وتم ترحيل المئات منهم وإغلاق العشرات من المقرات والجمعيات والمساجد التي تشكل فضاء لنشاط هؤلاء المتطرفين.

ويقارن محللون في فرنسا الخطوة التي يقدم عليها الرئيس حالياً، مع ما قام به الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران قبل ثلاثين عاماً، في نهجه الصارم ضد جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها حزب "جبهة الإنقاذ الإسلامي الجزائرية"، التي كانت تبث الرعب في نفوس الفرنسيين بسلسلة من التفجيرات والاغتيالات السياسية في ساحات باريس وكان ذلك في بدايات ما يعرف بالعشرية السوداء في الجزائر، بخلاف بلدان غربية أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا، التي فتحت المجال لاستقبال آلاف اللاجئين الإسلاميين الفارين من ملاحقة السلطات في الجزائر وتونس ومصر.

لهذا وضع ماكرون جماعات الإسلام السياسي في شمال أفريقيا، على سلّم الأولويات ضمن استراتيجيته الجديدة، تُحركه دوافع تتجاوز الخلفية التقليدية لفرنسا العلمانية في مواجهة أطروحات الإسلام السياسي، رغم أنها تظل قائمة ومؤثرة، بحكم حساسيات الماضي الاستعماري لفرنسا في المنطقة ودورها التاريخي بعد استقلال هذه الدول خصوصا الجاليات المغاربية الكبيرة في فرنسا، والذي يشكل وجودها تأثيرات معقدة على أوضاع فرنسا الداخلية وفي علاقاتها مع بلدان المغرب.

أما صراع النفوذ المحتدم بين المغرب والجزائر فمازال يشكل بالفعل صداعا في رأس فرنسا حيث تسعى البلاد الى وجود مجلس تمثيلي لمسلمي فرنسا قادر على إدارة شئون المسلمين وفق خطة الرئيس الجديدة والقائمة على نبذ العنف والنزعات الانفصالية لكن ماكرون فوجيء بقادة مسلمي فرنسا الذين جمعهم في نوفمبر الماضي وطالبهم بالتنزه عن الخلافات هم أساس هذه النزعات الانفصالية.

وقد نفذ صبر الرئيس فطلب من وزير داخليته  الذي دفعه لأن يتدخل لبروز"ميثاق مبادئ" للإسلام في فرنسا  الى النور وطالبه التوصل إلى اتفاق بين قادة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بشأنه ليطوي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الخلافات الداخلية، فماكرون يمهد بهذه الخطوة لإنشاء مجلس وطني للأئمة. ويريد أن ينسجم الميثاق الاسلامي وقيم الجمهورية الفرنسية، ومن بين ما يتضمنه: "مبدأ المساواة بين الرجال والنساء"، "رفض توظيف الإسلام لغايات سياسية" و"عدم تدخل" دول أجنبية في شؤون الجالية. فاستقبل وزير الداخلية بناء على تعليمات الرئيس قادة المجلس الاسلامي في قصر بوفو بوزارة الداخلية وعرض الميثاق على الاتحادات التابعة للمجلس للمصادقة عليه قبل تقديمه لماكرون.

وتمكن الوزير من اعادة شمس الدين حفيظ للمجلس بعد أن رفض استقالته لكونه يعلم بحجم وثقل مسجد باريس الكبير فيما أعلن قادة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) أنهم توصلوا إلى اتفاق حول  "ميثاق مبادئ" للإسلام في فرنسا يؤكد بشكل خاص المساواة بين الجنسين و "توافق" العقيدة الإسلامية. مع الجمهورية. وأشاد دارمانان بهذه "الخطوة المهمة للغاية نحو التقدم للأمام".

محاولات وزارة الداخلية إزالة الألغام من تحت أقدام القائمين على الاسلام في فرنسا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة  لكن في زمن ماكرون  تبدو أنها ستشهد نهاية الخلافات أو تجميدها فقد دقت ساعة من الحقيقة كما قال لهم الوزير " يجب أن تختاروا بوضوح بين الإسلام الفرنسي أو الإسلام السلفي. فإما أن تكون مع الجمهورية ، أو أنت لست مع الجمهورية ". تلك هي المسألة.. انتهى الأمر

يبدو أن المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية طوى صفحة الخلافات الداخلية بعد أن أعلن توصله إلى "ميثاق مبادئ" حول الإسلام في فرنسا، تمهيدا لإعادة تنظيم هذه الديانة كما تتطلع إلى ذلك الحكومة الفرنسية. وينص الميثاق خصوصا على "مبدأ المساواة بين الرجال والنساء" و"توافق" الشريعة الإسلامية مع قيم الجمهورية، ويشدد على "رفض توظيف الإسلام لغايات سياسية" وعلى ضرورة "عدم تدخل" دول أجنبية في شؤون الجالية، وفق ما أفاد رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موساوي في بيانه الأخير.

كما تبنى المجلس الفرنسي  للديانة الإسلامية أمس الأحد رسميا "ميثاق مبادئ" ليكون قاعدة لإعادة تنظيم شؤون هذه الديانة في فرنسا. وقد سعد الرئيس إيمانويل ماكرون للغاية ورحب بمسؤولي الديانة الإسلامية في البلاد وبتأكيدهم على مبادئ الجمهورية لاسيما "العلمانية" و"المساواة بين الرجل والمرأة" ورحب برفض "توظيف الإسلام لأغراض سياسية"، في إطار حملة ضد التطرف الديني. ومن المنتظر أن يتم تشكيل مجلس وطني للأئمة للإحاطة بأئمة المساجد في فرنسا، التي ستتخلى عن الاستنجاد بأئمة من الخارج في غضون أربع سنوات.

وجاء في بيان صادر عن المجلس أن الميثاق الذي لم ينشر مضمونه، ينص خصوصا على أن "مبدأ المساواة أمام القانون يرغم كل مواطن ولا سيما المسلم في فرنسا على عيش حياته في إطار قوانين الجمهورية الضامنة لوحدة البلاد وتماسكها". ويشير كذلك إلى الأعمال العدائية التي تستهدف مسلمين في فرنسا ومنسوبة إلى "أقلية متطرفة لا ينبغي أن تعتبر أنها الدولة أو الشعب الفرنسي". ويفتح إقرار هذا الميثاق الباب أمام تشكيل مجلس وطني للأئمة سيكون مكلفا الإحاطة بأئمة المساجد في فرنسا.

 وفي هذا الإطار ندد الميثاق بـ"تدخل" دول أجنبية في ممارسة الدين الإسلامي وهو أمر تريد الدولة الفرنسية الاقتصاص منه أيضا ووارد في مشروع القانون. ومن بين البنود الإحاطة أكثر بالهبات الأجنبية التي تزيد عن عشرة آلاف يورو.

 وكان ماكرون قال من جهته إنه قرر وضع حد في غضون ولايته لوجود 300 إمام أجنبي في فرنسا "موفدين" من تركيا والمغرب والجزائر. وأمر بترحيلهم أو انهاء بعثتهم.

شدد ماكرون ضغوطه على ممثلي المسلمين في فرنسا بضرورة التكاتف لأن فرنسا تحتاج لجهودهم وهم متصالحين حتى تقوموا بتطهير البلاد من الفكر المتشدد والذي يؤدي الى الارهاب فبعد الهجومين على المدرّس سامويل باتي في منتصف أكتوبر الماضي وعلى كاتدرائية نيس بعد أسبوعين على ذلك لا يمكن الاستمرار في هذه الفوضى ويجب اعادة صياغة الاسلام ليعود في فرنسا دين السماحة والمحبة والانفتاح على الاخر. وهذا هو سر استقبال الرئيس الفرنسي لقادة المجلس.

فهل يستطيع ماكرون انهاء الخلافات السياسية العربية الأزلية على مؤسسات الاسلامية في فرنسا؟

هذا ما ستسفر عنه الأحداث وإن غدا لناظره قريب.