"إن الأمور الصعبة أو المستحيلة تسقط صعوبتها واستحالتها بالتخلي عن التفكير فيها والبدء في فعلها".
***
كومة عالية من أواني وأوعية وأطباق وأكواب الطعام والشراب.. ارتفعت كهرم متعرج تضاهي أكبر أهرامات الجيزة كما للرائي من بعيد.. ملئت حوض الغسيل أحد أعمدة مطبخ الطعام.. أوعية متسخة مهملة من شهر أو يزيد.. كومة يخشاها كما يخشى تارك الصلاة الموت.. دنِسة كسواد قلب الكافر.. راودته أفكار شتى.. هل يستدعى سيدة مدبرة منزل لتنهي على تلك الأشياء.. أم يستمر في شراء أواني طعام جديدة.. أم عليه أن يلقى بها في القمامة.
حاجته لأخذ أقراص دوائه أحوجته لوجود كوب نظيف.. فقد كف عن تقبيل فم صنبور المياه للشرب منه منذ الصف السادس الابتدائي.. الحاجة أم الاختراع.. راودته فكرة رآها عظيمة لا تتفتق إلا لعقلية عظيمة مثل عقليته.. تناول الكوب المتسخ خلط بين سلك المواعين والصابون وغسل الكوب.
لم يكن أمر صعبًا.. رأي فيه متعة.. بعد أن أهال المياه الساخنة على الكوب.. رأه نظيفًا لامعا.. بل خيل إليه أن استبدل بعبوسه ابتسامة.. شجعته ابتسامة الكوب على غسل هرم الأوعية المتعرج الذي يضاهي أكبر أهرامات الجيزة كما للرائي من بعيد.. لم يتركه إلا بعد أن قضى عليه.
تبًا للنساء.. إنهن يصورن ما يفعلن على أنها أشياء صعبة مستحيلة لا يمكن لغيرهن فعلها.. بل ويتفاخرن بها علينا.. ويذكرننا دائمًا بأنهن يفعلن تلك الأشياء في منٍّ غريب.. ويشتكين دائمًا من كثرة فعله.. وهو جزء من الأشياء التي يفعلنها ولا يفعل الرجل شيئًا مطلقًا.. فقط أنت لا تفعل شيئًا أبدًا.. أنت معين للمال قيمتك بقيمة ما تأتي به من أموال.
يالخبثهن وحيلتهن الواسعة التي يتضاءل أمامها مكر الشيطان.. إنهن يستأثرن بالمتعة لأنفسهن.. ويا لها من متعة.
أثناء غسل هرم الأوعية الدَنسة.. توقف العقل عن التفكير في كل شيء هربت منه كل الأفكار.. فقط تبقى فكرة كيف أتخلص من هرم الأوعية الكالحة.. وإنه لأمر للرجال مريح جدًا.. بعد وعاءين أو ثلاثة يبدأ التفكير في مشهد الأوعية المتسخة التي غُسلت.. إنها عملية تدوير طبيعية.. مثل عملية الحفاظ على الخلق في الطبيعة.. إنها مثل الطبيعة التي تُدوّر مواردها لتستمر في وجودها.. كماء البحر الذي يتبخر ليجتمع في سُحب تحملها الرياح للجبال فتمطر وتصبح نهرًا يعود ليصب في البحر من جديد.. وبين البخر والإمطار تفاصيل حياة.
إن غسيل الأواني والأوعية.. مثل الطبيعة التي تحول دود القز إلى فراشة.. والعيي الحصور إلى خطيبٍ مفوه.. والمنافق الخليع إلى سياسي مُتملَق.. والأحمق الجاهل إلى قائدٍ مطاع.. إنها عملية خلق وإبداع جميلة.. يستاثر بها النساء لأنفسهن.. ويتفاخرن ويمننّ به على الرجال بينما هي أمر جد مُمتع.
بعد رحلته في القضاء على هرم الأواني والأوعية والدنسة وتحويلها إلى إبداعٍ براق لم يجد فيما أنهاه ما يقل عما تفعله النساء.. على عكس ذلك.. كان ما فعله.. أفضل مما تفعله كثيرات من النساء المدعيات المتفاخرات المتباهيات.
غريب أمر الرجال.. إنهن يصنعن من النساء أشياء غير حقيقة.. كالشعراء المتغنين بالقمر ونوره وإضاءته وكماله وجماله.. بينما هو جسم معتم صحراوي لا حياة فيه.. الأولى لهؤلاء البلهاء أن يتغنين بالشمس التي ينير ضوءها القمر.. أو بنظرتنا نحن إلى القمر التي جعلتنا أشعة الشمس المنعكسة منه إلى أعيننا نراه ولولا الشمس وأعيينا ما رأينه ولا كتب أحد هؤلاء الشعراء الخرقى بيت شعر واحد فيه.
إنه متفوق في غسيل المواعين.. كان يجب أن يدرك ذلك قبل ذلك.. فالنساء يطبخن منذ قديم الأزل.. وأفضل الطباخين في العالم رجال.. والنساء أنفسهن يتابعن الطباخين الرجال أمام الشاشة.. ولا يتابعن الطباخات النساء إن وجدن.. والنساء يرتدين أحدث الأزياء.. ومعظم وأفضل مصممي الأزياء في العالم من الرجال.. والنساء يضعن مساحيق التبرج.. وأفضل من يعمل في وضع هذه المساحيق واختراعها من الرجال.. النساء يلدن منذ أن خلقهن الله.. وأفضل أطباء التوليد رجال لا نساء.. ولا تأتمن امراءة طبيبة على أن تولدها.
المرأة فخ نصبته الطبيعة.. كفخ القمر.. الجميل.. المنير.. المستدير.. بدر الدجى.. الذي نصبه الشعراء لأنفسهم ولنا.
إن ما تفعله النساء من التباهي والتفاخر والشكوى المستمرة من غسل أوعية الطعام وأوانيها إنه بحق نوع من التأمر الذي تتأمره المرأة دوما مع كافة صور الانحلال ضد الرجال الأقوياء.
قطع رنين الهاتف حبل أفكاره المتدلى أمام عينيه.. رد على صديقه الذي أخبره من الطرف الآخر أنه جاهز ليصلحه على زوجته التي تركت المنزل غاضبة من شهر أو يزيد وأن الآن الموعد المتفق عليه وأن عليه أن يـ...... قاطع صديقه قائلًا: ليس الآن ليس الآن.
بعد ذلك كلما أراد أن يريح عقله.. اتجه إلى غسل أواني وأوعية الطعام وأكواب الشراب.. عند لقائه مع صديقه أخبر صديقه بكل ما جال في خاطره.. وبالخديعة التي اكتشفها من النساء في غسل المواعين وقاس على ذلك أمور أخرى.. بينما هي في الطبيعة مريحة للرجال خاصة الذين يرهقون عقولهم أكثر من أبدانهم.
جرب صديقه في بيته غسل أوعية وأواني الطعام.. وجد الأمر كما قال له.. انتشر الأمر بين الرجال.. كل شخص أخبر الآخر.. وكلما أراد الرجال راحة لعقولهم من تعب التفكير في العمل والشقاء والكد وراء لقمة العيش.. غسلوا الأوعية وأواني الطعام.. وقلت المشكلات الزوجية لأن الرجال اكتشفوا السر.
سالته زوجته: لماذا صديقك ألغى الموعد الذي تواعدتم عليه لإعادة زوجته الغاضبة عند أبيها.. أخبرها زوجها كل ما دار حتى ما يفعله هو شخصيًا من غسل الأواني والأوعية.. أسرعت زوجته إلى غرفتها.. اتصلت بصديقتها الغاضبة من زوجها في بيت أبيها قالت بسرعة وبانفعال.. عودي إلى منزلك.. تسبب غضبك في كشف الرجال للسر.
