الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أزمة ما بعد الحداثة تجتاح أمريكا وأوروبا وتسقط أوهام الديمقراطية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الوقت الذي يسعى العلماء لتوحيد الإرادة العلمية لمواجهة كورونا، يفشل السياسيون ورجال الدول في تفسير التفكك الهيكلى للبناء السياسى والفكرى لإمبراطورية الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد الأوربى.
حيث توقف كثيرون من الخبراء وغير الخبراء في الشئون الأمريكية أمام أحداث اقتحام أنصار ترامب للكونجرس، وكثرت التحليلات دون إدراك أن سلسلة الأحداث الأخيرة بعد نتائج الانتخابات أدت إلى عودة الحرب الأهلية الأمريكية من جديد ولكنها "حرب أهلية باردة". حتى الآن، ونبادر بالتوقف أمام الإعلان الذى حمل شبة نبؤة وتجسد في بيان آخر عشرة وزراء دفاع أمريكيين ما زالوا على قيد الحياة، عن معارضتهم أى انخراط للقوات المسلحة فر عملية الانتقال السياسى الجارية في الولايات المتحدة حاليا، وذلك في مقال نشرته الأحد الماضى في صحيفة واشنطن بوست. أي قبل استعداد الكونجرس بثلاثة أيام "الأربعاء" إلى المصادقة على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في استقراء وتحذير مسبق.
وتعتبر هذه الرسالة التي وجهها كل من أشتون كارتر وليون بانيتا وويليام بيرى وديك تشينى وويليام كوهين ودونالد رامسفيلد وروبرت غيتس وتشاك هاغل وجيمس ماتيس ومارك إسبر، بمثابة دعوة إلى البنتاجون من أجل الالتزام بانتقال سلمى للسلطة.
وتضمن المقال الذى وقعه أيضا ماتيس وإسبر اللذان عينهما ترامب في البنتاجون، أن "الجهود لجعل القوات المسلحة الأمريكية تنخرط في حل النزاعات الانتخابية ستقودنا إلى مكان خطير وغير قانونى وغير دستورى"، معتبرين أن المسؤولين الذين سعوا للقيام بذلك قد يواجهون عواقب مهنية وقضائية خطرة.
لكن فعلا تدخل الجيش الأمريكى في السيطرة على الموقف للتأكيد على ان وحدة الارادة للشعوب الأمريكية لاتتوفر الا في الجيش الأمريكى.
والى التفكك في الاتحاد الأوروبى:
ومن التفكك في النظام الأمريكى ننتقل إلى التفكك في الاتحاد الأوربى حيث خرجت المملكة المتحدة الخميس الماضى رسميا من الاتحاد الأوروبى بعد نصف قرن من الاندماج فيه وأربع سنوات ونصف السنة من البركست. 
واعتبارا من 1 يناير 2021، توقفت البلاد عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبى وانتهت حرية التنقل لأكثر من 500 مليون شخص بين أراضيها و27 دولة في الاتحاد
وكتب كبير المفاوضين البريطانيين خلال المحادثات التجارية مع بروكسل، ديفيد فروست، على تويتر: "أصبحت المملكة المتحدة مجددا دولة مستقلة تماما". 
وننتقل إلى الأزمة الهيكلية في البنية الفرنسية: لعلنا نتذكر كيف سمحت فرنسا شأنها شأن اغلب الدول الأوربية تحت ظلال الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان إلى قبول مئات الآلاف من أبناء دول مغايرة للهوية الفرنسية القائمة على العلمانية وحقوق الإنسان وعلى مر عشرات السنين لم تستطيع دمج الاجيال المختلفة من هؤلاء الوافدين في البناء الفكرى والسياسى لفرنسا فحدث ما حدث من ذبح وقتل على الهوية ووقوع فرنسا في مأزق حضارى مزمن.
بل واطلعنا ما قاله ماكرون "بريكست هذا كان ثمرة التململ الأوروبى والكثير من الأكاذيب والوعود الزائفة"، مؤكدا فيما يتعلق بفرنسا أن "مصيرنا هو أوروبي". 
الحقيقة كانت السيدة ميركل تتوقع ذلك الانقسام في الوعى الخاص بالحداثة منذ خمس سنوات حيث حذرت في 2015 من أن الوصول لحل لأزمة المهاجرين ما زال بعيدا وأن طريقة التعامل مع أزمة المهاجرين ستؤثر على شكل أوروبا على المدى الطويل.
وقالت ميركل لأعضاء البرلمان الألمانى إن أحدث التدابير التي وافق عليها الاتحاد الأوروبى 24 سبتمبر 2015ما هى إلا "خطوة أولى"، مشيرة إلى أن "النقل الانتقائي" للمهاجرين غير كاف.
وحذرت المفوضية الأوروبية من أنه إذا لم يتم التصدى للأزمة بشكل صحيح فقد يؤدى ذلك إلى ظهور موجة من التطرف اليمينى في جميع أنحاء أوروبا.
نحن أمام أزمة تتجسد في انتهاء العمر الافتراضى لأفكار الحداثة، وتدفق المهاجرين إلى الغرب والولايات المتحدة ادي كما تنبأت ميركل من خمس سنوات إلى ظهور " موجة من التطرف اليمينى في جميع أنحاء أوروبا."
الأمر الذى جعل الأفكار الشعبوية تجتاح بريطانيا العظمى وتستقل عن الاتحاد الأوروبى، ونرى اليمين الدينى الإسلامى في فرنسا ينفصل فكريا عن أفكار وهوية فرنسا، ومن يراجع هوية الجماعات اليمينية الفاشية الترامبية التى داست قدس الاقداس الديمقراطى في البنتاجون، يدرك أن القضية ليست في المهاجرين وانما فشل الحداثة في ان يتزامن الاستيعاب مع حقوق الإنسان.
ولن تبقى إلا الجيوش في الغرب وبالولايات المتحدة لمحاولة رأب الصدع.