الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

«البوابة نيوز» تحاور "أستاذ الأدب الإنجليزي" بعد رسائل التهديد من التكفيريين.. حاتم الشماع: الكشف عن استغلال الدين لقتل الأبرياء ومصادرة حقوق المرأة وراء استهدافي

 الدكتور حاتم محمد
الدكتور حاتم محمد الشماع
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

 الكشف عن استغلال الدين لقتل الأبرياء ومصادرة حقوق المرأة وراء استهدافي.. مستقبل الأدب اليمني واعد.. ومغادرة قوقعته شرط إنطلاقه.. إحساس البعض بالدونية فكرًا ولغة وحضارة دليل استمرارية استعمار العقول.. الترجمة جسر العبور لمحيط جديد وفضاء ثقافى مختلف

حلقة جديدة من صفحات تنامي التطرف في وطننا العربي بداية من الموجة التي شهدها طه حسين، وصولا لأعلى درجاتها مع اغتيال الكاتب والمفكر فرج فودة، بسبب المناظرتين الشهيرتين في معرض القاهرة الدولى للكتاب، ونادي نقابة المهندسين بالإسكندرية في العام 1992، وكانت بعنوان: «مصر بين الدولة الدينية والمدنية»، وغيره من أصحاب قضايا الدفاع عن الفكر المستنير وكشف الحقيقة وراء التشدد الديني والخطاب المأزوم الراهن في معظم الدول العربية.
إن تناول أفكار مثل حقوق المرأة، ودور الجماعات في استخدام الدين ما زال لديه القدرة الكافية على تأجيج حالة عدوانية تجاه المفكرين والمثقفين.
في نفس السياق، فإن كتابات الهندي حاتم محمد الشماع، أستاذ الأدب الإنجليزي، والمُقيم حاليًا في مدينة حيدر آباد بالهند، والذي أختص بها دولة اليمن نموذجًا جدلًا واسعًا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين عندما نشر كتاب «الإسلام والمرأة.. فك الشفرة الجينية للنظام الذكوري «البطرياركي»، وكتاب «إرادة القوة.. البحث في ظلال الاستعمارية «الكولونيالية»، إلى جانب ترجمة المجموعة القصصية «المحرقة»  للقاصة انتصار السري للإنجليزية، والذي تناول فيهما كيفية استغلال الدين لقتل الأبرياء، ومصادرة حقوق المرأة باسم الدين، حيث تلقى بسببهما تهديدات من متطرفين مجهولين، عبر الهاتف، ووسائل التواصل الاجتماعي.
«ظنناك ذهبت تدرس لا أن تحارب الدين»، هذه إحدى متون رسائل التهديد، وبعضها الآخر يقول: «لقد صرت كالسم خطرًا على الأجيال» وغيرها بكثرة حتى الآن.
وبدوره، كان «الشماع» يعذر أصحابها كونهم عاشوا عقودًا يتشربون من الفكر المتطرف وخاصة أن معظم اليمنيين منتشرون في دول متطرفة مثل إيران،أو متأثر بالسلفية الوهابية، فعادوا حاملين لذلك الوباء الفكري، الذي أصبح ينخر مثل السوس في مجتمعنا حتى الآن، وسيستمر إلى غد إلا إذا أُعيد النظر في السياسة التعليمية بعيدًا عن الأدلجة الفكرية المستوردة، وفقًا لرؤية «الشماع».
وتضامن مع «الشماع» مجموعة من المثقفين اليمنيين، يدينون ما يتعرض له هذا الباحث من تهديدات ورسائل مسيئة.
 «البوابة نيوز» التقت بـ «الشماع»، للحديث عن هذه الأزمة، وسبب اختيار الروائي اليمني وجدي الأهدل، والروائي البرازيلي باولو كويلو تحديدًا في مناقشات المرأة والهوية، ومستقبل الأدب اليمني ودور الترجمة أيضًا، إلى نص الحوار...

كتاباك «الإسلام والمرأة: فك الشفرة الجينية للنظام الذكوري «البطرياركي» و«إرادة القوة: البحث في ظلال الاستعمارية «الكولونيالية» وترجمة المجموعة القصصية «المحرقة» للقاصة انتصار السري للإنجليزية، أحدثت جدلًا كبيرًا في الوسط الثقافي العربي عند صدورها إلى أن تلقيت بسببها مجموعة من الاتصالات لتهديدك، حدثني عن هذه الأزمة؟

- التراكمات والحشو الفكري المتطرف الذي انسل إلى الباطن والعقل العربي دون فحصه ووضعه تحت المجهر العقلي والمنطقي والعلمي سواء من قبل الفرد العربي أو من جانب الحكومات العربية أدى إلى تشرب المجتمع بذلك الفكر المتطرف، وكان يستقبله ويطبّعه على أساس إيماني بحت، ولم يكن يعلم بأنه بهذا العمل ينزلق إلى هاوية الصراعات الدموية، التي يرى كل فرد أو جماعة تتبنى ذلك الفكر أنها الفرقة المميزة والمصطفاة على الآخرين، ومن هنا ظهرت الإقصائية لمن تبقى من أفراد المجتمع، ولذلك أصبح من الصعب إن لم يكن من المستحيل لدى مجتمعنا التفكير خارج الإطار الفكري المتطرف، والذي يعكس كارثة تلك السرديات التي تشربها العقل العربي.
عندما بحثت في جذور المشكلة وتتبعت خيوط الصراع العربي واليمني خاصة وجدت أنه انفجار للتراكمات السردية من جميع الأطراف، التي صارت متأكدة بأن جميع أعضائها أصبحوا متقبلين لهذه السرديات الفكرية المتطرفة وأكثر دفاعات وإيمانًا بها، ومن تلك التابوهات هى المرأة، التي تُعد لدى الكثير «جسم أو إطار» فقط تسكنه الشهوة والمتعة، ففي معظم المجتمعات العربية يقوم الرجل بإخفاء اسم زوجته أو أمه أو أخته إذا صادف وطلب منه شيئًا وكان من ضمنه أن يشير إلى ذلك، فتراه يتلعثم ويرد كنت مع «البيت أو الأولاد أو الأهل أو.. إلى آخره من الأعذار» وهذا نتاج السرديات المتطرفة التي طغت وأخرجت الأنثى عن الإطار الإنساني.
ولذلك كان لزامًا أن أبدأ بدراسة هكذا موضوع عندما تعمقت فيه ومع تواجد وسائل التواصل الاجتماعية وجدتها فرصة لقياس مدى ردة الفعل لدى المتابعين، وكانت النتيجة منها ما هو متوقع، والتي هى من قبل العامة والبسطاء الذين أصبحت وسائل التواصل بالنسبة لهم نافذه لتفريغ حنقهم من أي شيء وكل شيء ونتيجة لم أكن أتوقعها، وهى التي كانت من قبل أكاديميين ومن يظنون أنهم مثقفون، وكانت ردة فعلهم متطرفة أكثر من العامة، الذين نعذرهم كونهم لم يفكروا يومًا بما يسمعونه حتى من خطيب يوم الجمعة، لكن التناقض كان ظاهرًا في الوسط الأكاديمي والذي يحاول امتطاء الحداثة بعقلية راديكالية.
فبدأوا بتحريض العامة من خلال ردودهم ومنشوراتهم وبدأت أستلم رسائل منها من يقول: «ظنناك ذهبت تدرس لا أن تحارب الدين»، والبعض يقول: «لقد صرت كالسم خطرًا على الأجيال» وغيرها من الرسائل التي كنت أعذر أصحابها كونهم عاشوا عقودًا يتشربون الفكر المتطرف، خاصة أن معظم اليمنيين منتشرون في دول متطرفة مثل إيران أو من تأثر بالسلفية الوهابية، فعادوا حاملين ذلك الوباء الفكري، والذي صار ينخر في مجتمعنا حتى الآن وسيستمر إلى غد، إلا إذا تمت إعادة النظر في السياسة التعليمية بعيدًا عن الأدلجة الفكرية المستورد، وهكذا استمرت تلك التهديدات منها على شكل إتصالات وأخرى على شكل رسائل نصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحت الآن بكثرة  كون الكثير منهم يجدها فرصة في الحصول على منزلة أو مكرمة من أسياده.

■ ما الذي دفعك لاختيار المجتمع اللاتيني تحديدًا لمقارنته مع المجتمع العربي؟

- ما دفعني أني وجدت أن النمطية التي يعيشها كثير من المجتمعات من حيث صورة المرأة وتعامله معها هى نفس النمطية في المجتمع العربي، فكل منهم ينظر إليها على أنها ناقصة وهى مفتاح الشر، كما وجدت أيضًا أن الثقافة، والحضارة، والميثولوجيا العربية، وخاصة المصرية ساعدت في تثاقف السرد اللاتيني خاصة والغربي بشكل عام، وأثرت الميثولوجيا العربية على الآداب والثقافات الأخرى، وذلك أيضًا ظاهر في روايات باولو كويلو وخاصة «الخيميائية» في العام 1988، وتُعد من أشهر الروايات مبيعًا التي على إثرها اشتهر باولو كويلو.

■ وما العوامل المشتركة والمختلفة بين الموضوعين فيما يخص المرأة؟ ولماذا اخترت وجدى الأهدل، وباولو كويلو في مناقشات المرأة والهوية؟

- أشرت إلى السرديات الدينية المتطرفة الذكورية قامت بتأطير ورسم عالم المرأة وتطبيع النص الديني لما يوافق النظرة الذكورية الإقصائية وترويض المجتمع على تقبلها كجانب إيماني مقدس لا يمكن إخضاعه لأى نقد أو تحليل منطقي؛ أما اختياري للروائي اليمني وجدي الأهدل، فهو بعد قراءتي رواية "بلاد بلاسماء" الصادرة في العام 2008، التي تُعد «المرأة والهوية» أعمق ثيماتها، بالإضافة إلى إشارته إلى التعليم المسيس والمؤدلج، والذي لا يعود على المجتمع بشيء سواء تحويله إلى تابع مطيع أو آلة تبرمج بما يريده الحاكم والفقيه، كما وجدت في رواية «الظاهر» للروائي البرازيلي باولو كويلو، الصادرة في العام 2004، الرد الكافي لما يجب أن تكون عليه صورة المرأة، وأظهرها على أنها أساس المجتمع وهى مصدر الإلهام والنجاح في حين أن ديانته المسيحية تظهر المرأة على أنها سبب مُعاناة البشرية. 

■ هل تراجع دور المرأة أمام حركات تيار الإسلام السياسي؟

- دور المرأة منعدم، سواء في ظل الحركات المتطرفة أو في ظل الحكومات التي تسمى ديمقراطية وإن ظهر بشكل مُخجل إنما لإرضاء سياسات خارجية، أما ظهوره كنتاج لشخصية الفكر العربي ما زالت المرأة تنتظر أن يسند إليها الكثير، وأما بالنسبة لما يسمى الإسلام السياسي، فللأسف أصبحنا في المجتمع العربي مثل الببغاوات نردد ما يملى علينا أو ما نسمعه من قنوات غربية توجه فكرنا وهذا نتيجة للضعف الذي يُعاني منه المنبر الإعلامي العربي، ولا يوجد إلى الآن منبر إعلامي مستقل له رؤية ودراسة فاحصة لما يدور في المحيط العربي وخارجه. 

■ الدين والتابوهات التي هى المحرمات والهوية اليمنية" كانت عنوانًا لرسالة الدكتوراه لماذا اخترت هذا الموضوع تحديدًا علمًا بأن شريحة كبيرة من المجتمع لا تقبله؟

- عندما تُريد أن تُعالج قضية وأنت مقتنع بصحتها فلن تستطيع أى قوة أن تُثنيك عن ذلك، لكن عندما تكتب لكي تُرضي الناس لن تُحرك ساكنًا، فهذا يُعد انطباعًا وليس دراسة، فما قمت به هو محاولة لفك أو كسر إحدى حلقات التخلف، التي غلفت بطابع ديني واضعًا القارئ في المسار الصحيح معطيًا له الحرية في الاختيار ومحفزًا عقله للتفكير المنطقي والعلمي وموضحًا له سبل الوصول الناجح للسلام الذاتي والمجتمعي، وهكذا يستطيع ترميم الحاضر وبناء المستقبل مستخدمًا الماضي دروسًا وعبر.

■ كيف أثرت أزمة ما يعرف بالربيع العربي على الرواية العربية؟

- لدينا أزمة مصطلحات، «فالربيع العربي» ما هو إلا مُصطلح تغنى به الغرب وإنخدع به الكثيرون من أبناء الشعوب العربية وهذا يظهر الجذور الاستعمارية، التي لم نتحرر منها وهذا يعني أنها علاقة المُستعمِر بالمستعمَر، وما زال معظم العرب مستعمرًا فكريًا، فيرى الدونية في لغته وفكره ودينه وحضارته ويحاول ترتيل ما ينعته المستعمِر ويتعامل مع تلك الصفات على أنها انتصار لفكره وعلى أنها شيء مقدس، في حين أرى أن ما تم تصديره للعالم العربي هو الدمار والأنسب أن نسمية نزيف الدم العربي وهناك الكثير من الذي لن يعجبهم هذا الرد، لكن لو سألتهم من الذي أطلق عليه «الربيع العربي»؟ وماذا جنت الشعوب العربية؟.

أما ما يتعلق بالرواية العربية بالرغم من محاولاتها لتعريف الوضع العربي، لكنها ما زالت مُغيبة، خاصة وأن الحُريات أصبحت مُقيدة في ظل الصراعات السياسية، والدينية، وبما أن الكاتب نتاج لمجتمع متصارع وفوضوي، فقد أدى ذلك على إنتاج نصوص تعج بالفوضى السردية، التي جعلت من بعض الكُتّاب جزء من المعضلة، هناك روايات لديها قيمة أدبية أيضًا، لكنها غائبة أو يتم تغييبها وهناك أسباب كثيرة أذكر منها غياب الدراسات النقدية الصحيحة، فما زال هناك عدم دراية ومعرفة بماهية النقد، والذي هو الوجه الحقيقي للنص الروائي، وما نقرأه الآن هى دراسات إنطباعية ومعظمها يقوم بها أصدقاء الروائي، فالروائي العربي يتوقع دراسة تمتدح نصوصه وبعض النقاد العرب يظن أن مهمته هو انتقاد النص بعكس ما تعنيه كلمة النقد، أيضًا غياب التنظير النقدي العربي، وجميع النظريات التحليلية غربية وما يقوم به الناقد العربي هو تطبيع النص الروائي على نظرية غربية أي أنه يعمل على تغريب النص بعيدًا عن جوهر الثقافة العربية، التي نشأ فيها الكاتب ونصه الروائي أو القصصي.

■ هل عبَّر الأدب اليمني عن المعاناة التى يعيشها اليمن الآن؟

- أعتقد أنه لم يستطع، ليس لأنه لا يوجد كُتّاب، لكن لأنه لا يجد الكثير من النقاد، وأيضًا دور نشر ومنابر إعلامية مستقلة، بالإضافة إلى غياب الأمن والآمان، فالكاتب يشعر أنه مقصلة السياف فوق رأسه. 

■ ماذا عن تأثير الصراع السياسي الديني على التعليم والباحثين والمثقفين؟

- الصراعات السياسية الدينية هى في الأصل صراعات سردية، سواء سنية شيعية أو سياسية وهذه أنعكست سلبًا على التعليم وعلى الباحثين والمثقفين، وأصبح التعليم يطبّع المجتمع لتقبل أسباب وتبريرات المتصارعين ومعظم الباحثين جعلوا منها أسبابًا لاسترزاقهم خاصة في ظل سياسة تكميم الأفواه وقطع الرواتب، أما حالة التعليم والتدهور الخطير في العملية التعليمية في الوضع الراهن، فهذا طبيعي كون اليمن تُدار بعقليات متطرفة وجماعات مُسلحة عملت على تحويل المدارس إلى مراكز لتجنيد الأطفال وصادرت رواتب المُعلمين.

■ بما تُفسر الصراع السياسي في اليمن بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام؟ 

- الصراع اليمني هو صراع أيديولوجيات متطرفة، صار ضحيتها المجتمع اليمني، وهذا كان نتيجة لسياسة فرق تسد التي تبنتها معظم الحكومات العربية.

ماذا عن مستقبل الأدب اليمني وما دور الترجمة؟

- الأدب اليمني مستقبله واعد، فهناك نتاج أدبي كبير، لكن يحتاج إلى إخراجه من قوقعته، وهذا لن يتم إلا عن طريق الدراسات النقدية الحديثة، وثانيا: عن طريق الترجمة، فهي همزة الوصل وجسر عبور الثقافات إلى محيط وفضاء آخر، وهذا لن يكون إلا بجهد مؤسسي منظم.

■ كيف ترى الجوائز العربية في الوقت الراهن؟ ولماذا لا نجد روايات حققت نجاحًا عالميًا بعد نجيب محفوظ؟

- الجوائز العربية للأسف معظمها يطغى عليها الجانب الأيديولوجي، والسياسي، وغياب الدراسات النقدية الحقيقية هى أحد أهم الأسباب التي تواجه الرواية العربية، والصراعات الأيديولوجية، والسياسية أثرت أيضًا على مسار بعض الدراسات النقدية وخلقت انشقاقات بين معظم النقاد، وأصبح معظم النقاد يتحيز لجغرافيا معينة، وغياب حلقة التواصل بين المركز العربي للدراسات الأدبية والمراكز الأدبية الغربية، كما لا يوجد مشروع مؤسسي عربي لترجمة الأدب العربي، وما يوجد الآن هو عمل فردي خالص.

■ ما هو مشروعك الأدبي المترجم الذي تعمل عليه حاليا؟

- أعمل على ترجمة مجموعة من القصص القصيرة بعد أن انتقيت قصتين قصيرتين لكل قاص من عشرة قاصين يمنيين، وذلك بما يتناسب مع الموضوع والتيمات التي سيتضمنها الكتاب، والذي أرجو أن يساعد في تشكيل اللبنة الأولى لعمل مؤسسي في حال عاد الاستقرار والأمن والسلام للوطن الجريح، وهذا لن يكون إلا بوجود دولة تُديرها عقول نيرة غير مؤدلجة.