الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

المزاج القاتل| «أبو المعمول».. هيروين مغشوش صناعة محلية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ملابس تفتقد التنسيق، يختبئ أسفلها جسد نحيف أحمر جلده، وامتلأت ذراعاه بالندوب الزرقاء، يبحث مدمن الهيروين في «دواليب» المخدرات عن تذكرة من مُخدره المفضل «أبو المعمول» لتُمنحه، مؤقتًا، النشوة والسعادة والسلام، كما يتوهم.
«البوابة نيوز» تتتبع وتكشف خلال السطور التالية عن «أبو المعمول».. «الهيروين الشعبي» الأكثر انتشارًا، والأشد قوة، والأقل سعرًا في حوارى وأزقة المخدرات في مصر. وهو السم الذى يعود على تُجاره بأرباح خرافية، ويصل بمتعاطيه إما عاجرًا أو جثةً هامدةً في شقة، أو على ناصية شارع، أو أسفل كوبري، أو بجوار مقلب قمامة.


(1)
بداية الخيط، كانت من أحد مراكز علاج الإدمان، التى تقدم خدماتها للمتعايشين بالإيدز أيضًا، حيث التقت «البوابة نيوز» بأحد المدمنين المصابين بفيروس نقص المناعة المكتسب «HIV» الذى حكى عن بدايته في طريق الإدمان قائلًا: «أدمنت الترامادول، من ربع حباية لـ٤ و٥ حبايات في اليوم، كان بيخلينى واقف على رجلى وساند طولي».
ويستطرد الشاب العشرينى الذى ستر هويته الحقيقية خلف اسم «جمال»: «كان سعر الحباية وقتها ٣ جنيهات.. الأزمة بدأت تحصل لما سعر شريط الترامادول وصل لـ٢٠٠ جنيه، والحباية منه بـ٢٠ جنيها، وبقيت محتاج ١٠٠ جنيه في اليوم علشان ماحسش بالتعب، كنت بحس إنى مش قادر أتحرك من غير ماخد ٣ حبيات ترامادول».
اصطحبه أحد أصدقاؤه إلى عزبة النخل، لشراء تذكرة من مُخدر قوى المفعول، يمنح نفس نشاط الترامادول، بأقل سعر مُمكن، ويوضح «جمال»: «بنقول عليه أبو المعمول، لأنه تركيبة بودرة، وهو عبارة عن نسبة ضئيلة جدًا من الهيروين المخلوط بالترامادول وبرشام الصراصير «البركينول» ومواد تاني، وهو مُخدر قوى جدًا بأقل كمية».
الجرام الواحد من «أبو المعمول» يتم تقسيمه إلى ٨ تذاكر «جرعات»، أما طريقة تعاطيه فتختلف من شخص لآخر، إما مباشرة عن طريق التدخين، أو عن طريق الحقن في الأوردة وهى الأسهل والأكثر انتشارًا بين مدمنى أبوالمعمول كوَنها موفرة في الكمية، وأخيرًا تعاطيه من خلال استنشاق الدخان الناتج عن حرق المادة باستخدام الألمونيوم.
بحسب تقرير لصندوق مكافحة الإدمان، فإن بعض المواد يتم خلطها بالهيروين لغشه، كإضافة مواد غير فعالة كالسكر والمانثينول واللاكتوز، لزيادة الوزن، وإضافة الكاينين والبروكايين والكافيين والميثادون والباربتيورات، لزيادة قوة تأثيره. ما يؤكده تقرير الصندوق، أن تلك المواد تجعل من الهيروين مادة سامة شديدة الخطورة.

(2)
«بودرة مصري».. هكذا وصف «هشام» مُخدر أبو المعمول، و«هشام»، اسم مستعار لتاجر سابق ومدمن متعافى. تم سجنه لمدة ٦ سنوات بعد أن وقع في يد الشرطة وبحوزته ٤٧ جرام بودرة. السجن كان كفيلًا بأن يُغير حاله من مدمن إلى تاجر، لمدة تصل لـ١٣ عامًا، إلى شخص متعاف يُقدم الدعم للمدمنين بأحد مراكز العلاج.
بدأت علاقة «هشام» بالهيروين عن طريق «ربع جرام» بعد أن تعثر في إيجاد مُخدره الأساسي، الحشيش، فأحس بنشوة لم يشعر بها من قبل، وظل يبحث عنها مرة أخرى لنحو ١٣ سنة، أدمن الهيروين، وشيئًا فشيئًا روجه، وتاجر فيه، دون أن يصل لتلك النشوة، ثم وجد نفسه واحدًا من تجار «المادة البيضاء» في أحد أحياء القاهرة القديمة.
تُعرف منظمة الصحة العالمية، الهيروين بأنه عقار مُصنع منشق من الأفيون، ذو فاعلية سريعة، حيث تبلغ قوته من ضعفين إلى ١٠ أضعاف قوة المورفين. وتشير دراسات إلى أنه يمنح متعاطيه الشعور بالنشوة والمرح في المزاج، بجانب السلام والارتياح والطمأنينة. أما عن إدمانه، فيؤكد خبراء الصحة، أنه يحدث نتيجة اعتماد الجسم على الهيروين في أداء وظائفه، بحيث ينتاب الجسم تغيرات وآلام شديدة إذا ما انقطع عنه.
يوضح لنا «هشام» بعض الحقائق عن سلعته السابقة قائلًا: «البودرة الموجودة في مصر ٧ أو ٨٪ من تركيز الهيروين، النسبة الباقية مواد أخرى يتم تخليطها مع الهيروين بواسطة صيدلى أو خريج علوم أو صاحب خبرة «لأنها محتاجة أستاذ» وليس بمقدور تاجر التجزئة أن يقوم بتلك المهمة مع هذا المُخدر، والمدمن صاحب الخبرة يميل إلى التعامل مع البودرة الخرز، ويبتعد عن الناعم منها، للأسف المتعاطين للبودرة في مصر ازدادوا بشكل كبير، وروادها شباب أعمارهم في العشرينات».
تقرير أنشطة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى لعام ٢٠١٩، يؤكد أن الهيروين يأتى في المرتبة الثالثة في قائمة المواد المخدرة الأكثر انتشارًا في مصر، بنسبة بلغت ٢٣.٥٨٪، يسبقه في القائمة الترامادول والحشيش، بنسب ٦٥.٥٪، و٥٩.٥٥٪. ويليه في الترتيب البانجو، والإستروكس/الفودو، والكحوليات، بنسب ١٠.١٩٪، و٩.٦١٪، و٥.١٩٪ بالترتيب، حيث يمكن للمتعاطى استخدام أكثر من مُخدر.

(3)
تجربة أخرى مع إدمان «أبو المعمول» على لسان صاحبها «عبد الموجود. ح»، والذى يقول لـ«البوابة»: «بدأت علاقتى مع المخدرات في منتصف التسعينيات.. من البانجو، إلى الحشيش، إلى شراب كودافين وباراكودين، لكن هذه الأدوية وصل سعرها إلى ١٢٠ جنيها بدلًا من ٣ جنيهات.. ثم اتجهت إلى البودرة التايلاندى والسيرلانكى ذات التأثير العالي».
اكتشف «عبد الموجود» أنه مدمن لأول مرة أثناء زيارة اعتيادية إلى الإسكندرية. كان وقتها حديثًا في تعاطى الهيروين، فقط بعض الجرعات التى منحته لذة. ويستطرد: «في الإسكندرية، شعرت بارتخاء أعصاب، وصداع مستمر، وحدث لى رشح في الأنف وإسهال.. كانت تلك أعراض انسحاب، اضطرتنى العودة للقاهرة بحثًا عن البودرة».
في سنة ١٩٩٨، عَرفت لجنة خبراء منظمة الصحة العالمية الإدمان على أنه حالة تسمم دورية أو مزمنة تلحق بالفرد وتنتج عن تكرار عقار إما طبيعيًا أو مصنعًا. أما الهيروين فإن سيطرته على المتعاطى سريعة وحاسمة، فإدمانه الكامل يبدأ بعد أيام قليلة من التعاطي، بعدها لا يمكن التراجع للوراء، ولأنه غالبًا ما يؤخذ عن طريق الحقن، فإن التأثير يظهر فورًا ويستمر ٤ ساعات يحتاج بعدها المتعاطى لجرعة أخرى.
باع «عبد الموجود» شقتين ورثهما عن والده في سبيل البودرة، وبعد أن أصبح «على الحديدة» على حد وصفه اتخذ قرارًا مصيريًا، يقول: «بطلت.. خضعت لبرنامج «A.N» بمركز لعلاج الإدمان، وبعد عامين من التجرد من الإدمان عدت إليها مرة أخري، لأنى تناسيت مقولة أن المدمن يظل مدمن حتى الموت، ومعناها أن تبتعد عن كل من تتعامل معهم وأنت مدمن حتى لا تعود للإدمان، والآن أحاول مجددًا».
وفقًا لدراسة للدكتور أحمد فخرى هاني، أستاذ علم النفس وتعديل السلوك المساعد، يأتى الهيروين على رأس أقوى أنواع الإدمان، فأثره المُخفف للألم يعادل ٥ أضعاف أثر المورفين، إذ أن ٢ إلى ٥ ملليجرام من الهيروين تعادل ٨ إلى ١٦ ملليجرام من المورفين. أما الباحث جودة سمير جودة، فيؤكد أن الهيروين يسبب إدمانًا عضويًا ونفسيًا، وبالتالى فلا بد من أن يشمل العلاج الجانبيين الطبى والنفسى الاجتماعي في نفس الوقت.
ويوضح «عبد الموجود» الفارق بين «أبو المعمول» و«الهيروين» قائلًا: «البودرة الحقيقية رائحتها تميل قليلًا إلى الخل، وعندما يتم خلطها بالماء في السرنجة يكون لونها كالشاى باللبن.. أما أبو المعمول فهى «بودرة شعبي».. بودرة يتعاطاها أبناء الطبقة الشعبية، لأن سعر الجرام منها لا يتخطى مبلغ ١٦٠ جنيها، لكن الهيروين يصل سعره حاليًا ٥٠٠ جنيه.. وعموما فإن البودرة الشعبى «أبو المعمول» تمثل نسبة ٨٠٪ من المعروض في السوق، بينما أقل من ٢٠٪ يمثل الهيروين الحقيقي».
في مايو ٢٠١٨، صرح مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات آنذاك، اللواء زكريا العمري، بأنه بعد فحص الطب الشرعى لآلاف الأطنان من المخدرات المضبوطة في حملات أمنية، اتضح أن الهيروين المنتشر في البؤر الإجرامية «مغشوش».

(4)
حصلت «البوابة» على عينة من «أبو المعمول» بمساعدة وسيط أجرى مكالمة مع أحد تجارها في منطقة عزبة النخل، بالمرج، مُقابل ١٠٠ جنيه، والتسليم بالقرب من المترو.
وبالعودة للحديث مع «هشام» يكشف لنا المنابع الرئيسية للبودرة في مصر، وتأتى «رأس سدر» بجنوب سيناء على رأس القائمة، حيث يتولى كبار التجار فيها التوزيع للعاصمة، ويكون التداول مع التجار في نقاط مُحددة ومتغيرة في صحراء طريق القاهرة بفروعه.
أما المنبع الثانى للبودرة فهو في الساحل الشمالي، للتوزيع في الإسكندرية ومطروح، ويكون التداول مع التجار في منطقة الكيلو ٢١ ومنطقة الطيارة.
وتُعد منطقة «العجيلات» الليبية أشهر منافذ دخول البودرة إلى مصر لسنوات عديدة، أما الحدود مع إسرائيل فتعتبر المنفذ الرئيسى لوصول البودرة لتجار رأس سدر بسيناء، خاصة في الفترة التى قام فيها أبناء غزة بتجاوز الحدود إلى مصر قبل يناير ٢٠١١. كما تظل الموانئ جزءًا من خطة تهريب تلك المخدرات لمصر، على حد قوله.
سجلت الدراسة التى أجراها معهد التخطيط القومى حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية للإنفاق على المخدرات، أن الكميات المتداولة من الهيروين عادت إلى الزيادة في مصر بداية من عام ٢٠٠٢ بعد أن انخفضت في الفترة بين عامى ١٩٩٧ و٢٠٠١.
يلتقط «عبد الموجود» طرف الحديث ليُشير إلى أن قرى الجعافرة وكوم السمن وأبو الغيط، بمحافظة القليوبية، كانت ولا زالت «مثلث الرعب» في تجارة البودرة داخل القاهرة، إضافة إلى بعض التجار المنتشرين في مدينة السلام، وشبين القناطر، والقومية، وبشتيل، ودولاب «قوطة» في الباطنية، وحارة كوم الصعايدة في منطقة عابدين.

(5)
تعاطى الهيروين في مصر أزمة عميقة، فوفقًا لمسح قومي، نفذه صندوق الإدمان بالتعاون مع المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بـ١٠ محافظات في عام ٢٠١٤، فإن نحو ١٠.٤٪ من المصريين يتعاطون المخدرات، بمعدل يزيد الضعف على النسبة العالمية التى لا تتجاوز نسبة الـ٥٪. الأرقام تُشير إلى أن إدمان الهيروين يمثل نسبة ٢٦.٧٪، وأن متعاطى المخدرات ٢٧٪ من الإناث، و٧٢٪ ذكور.
وعلى الصعيد العالمي، تُشير أحدث تقارير منظمة الصحة العالمية، إلى أن عدد الأشخاص الذين تعاطوا المخدرات في عام ٢٠١٨ بلغ ما يقارب ٢٦٩ مليون شخص، أى نسبة ٥.٣٪ من سكان العالم الذين تتراوح أعمارهم بين ١٥ و٦٤ عاما. وتسببت المخدرات في وفاة ٩ حالات لكل ١٠٠٠ نسمة. كما أن معظم مدمنو المواد الأفيونية تعاطوا بشكل كبير «الهيروين» المزروع والمُصنع بشكل غير المشروع.
ويُقدر عدد المدمنين للهيروين حول العالم بنحو ١٠ ملايين، رغم أنه أعلى أشكال الإدمان تكلفة سواء من حيث اقتنائه أو من حيث تكلفة العلاج من آثاره والشفاء من الاعتماد عليه. ويستحوذ الهيروين على أعلى نسب الموت الناتجة عن المخدرات، حيث يعمل على تخميد الجهاز العصبى المركزي، خاصة مناطق الحس في المهاد وقشرة المخ، وتعمل هذه الفاعلية المخمدة لتخفيف الألم وللتنويم إذا أخذت بجرعات كثيرة، وتتسبب الجرعة الزائدة في الوفاة بسبب تأثير هذه العقاقير على النخاع المستطيل.
وفى تقرير صادر عن منظمة الصحة، في أغسطس ٢٠٢٠، فإن تعاطى المخدرات يتسبب في وفاة نصف مليون شخص سنويًا، ونسبة تزيد على ٧٠٪ من هذه الوفيات، أى نحو ٣٥٠ ألف حالة وفاة سنويًا، كانت نتيجة لتعاطى المواد الأفيونية، التى يأتى على رأسها «الهيروين» لتفاعله مع مستقبلات المواد الأفيونية في الدماغ.
ضبطيات الهيروين مؤشر خطير، فبحسب ما ورد في تقرير المخدرات العالمى ٢٠١٩، الصادر عن المكتب المعنى بالمخدرات والجريمة، فإن تهريب الهيروين عبر أفريقيا شهد زيادة تدريجية، فالمضبوطات ارتفعت من أقل من ٠.٥ طن في ٢٠١٣ إلى نحو ١.٥ طن في ٢٠١٧، ثم حدثت زيادة مطردة في الضبطيات بداية من ٢٠١٨، حيث أفادت كل من «مصر وتنزانيا وميروشيوس» بمضبوطات كبيرة في ٢٠١٨.
ومحليًا، أكدت الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، في تقرير لها صادر في يونيو ٢٠٢٠، أنه في إطار مكافحة جرائم تهريب المخدرات والاتجار غير المشروع بها، أسفرت جهود الدولة خلال عام ٢٠١٩ عن ضبط ٣ أطنان و١٩٤ كيلوجرام من مُخدر الهيروين. فيما بلغ عدد قضايا الأموال المرتبطة بأنشطة تجارة وتداول المخدرات ٥٨ قضية بإجمالى مبلغ ٢ مليار و٧٠٥ ملايين جنيه خلال ٢٠١٩.

(6)
يقول اللواء رفعت عبدالحميد، الخبير الأمني، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إنه رغم الصعوبات التى تواجه دول العالم كافة في معالجة قضية الإتجار في المخدرات، إلا أن الدولة المصرية تتابعها، وتحاربها، للسيطرة والحد منها إلى أدنى معدلاتها.
ويؤكد الخبير الأمني، أن زيادة ضبطيات الأقراص المخدرة أدى إلى اختفائها وظهور بدائل أخرى لها، كأن يتم تصنيع مادة مُخدرة من عدة عقاقير مختلفة، منوهًا بأن بعض المقبوض عليهم يحصلون على براءات إما بسبب قصور في إجراءات الضبط، أو أن المادة المضبوطة غير مدرجة بالجداول، رغم استخدامها في قصد التخدير.
ويُشير عبدالحميد، إلى تجريم تداول جميع المخدرات والسموم المنصوص عليها في جدول ١ و٢ و٣ الصادر من وزارة الصحة، في حين استبعد قانون العقوبات المصرى معاقبة المدمن، طبقًا لقرارات رئيس مجلس الوزراء المتكررة، وألزمت بإيداعه أحدى المصحات العلاجية، وعدم محاكمته، لحث المدمن على سلك الطريق الصحيح.