الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

أردوغان بين مطرقة المعارضة وسندان بايدن.. الرئيس التركى محاصر بين الانتقادات الخارجية ودعوات الانتخابات المبكرة.."رجب" يتذلل لإسرائيل لكسب ود الرئيس الأمريكى المنتخب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تنتظر الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أيام صعبة، وذلك بعد تنصيب الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن، الذى تمكن من الفوز بالانتخابات الرئاسية التى أجريت فى مستهل نوفمبر الماضي، على منافسه الجمهورى المنتهية ولايته دونالد ترامب الرئيس.
وزاد فوز بايدن المعروف برفضه لتدخل أنقرة فى قضايا الإقليم والممارسات السلطوية للرئيس أردوغان، من الأعباء على النظام التركى ولاسيما فى أعقاب التصعيد الأمريكى الأخير بتفعيل قانون مكافحة أعداء أمريكا، وفرض إدارة ترامب فى ١١ ديسمبر الجاري، عقوبات على هيئة الصناعات الدفاعية التركية، ورئيسها إسماعيل دمير، ويرجع توقيع العقوبات على تركيا لشرائها منظومة الدفاع الجوى الروسية إس-٤٠٠، بموجب تشريع يهدف لمنع شراء معدات عسكرية من موسكو.
كما تتمثل خطورة العقوبات الأمريكية أنها تتزامن مع قرار زعماء الاتحاد الأوروبى فى القمة الأخيرة فى ١٠ و١١ ديسمبر الحالى بفرض عقوبات على عدد من الأفراد والشركات التركية التى تقوم بعمليات التنقيب شرق المتوسط قبالة سواحل قبرص واليونان.
ومن المتوقع أن إدارة جو بايدن ستكون أكثر حزما مع عدوانية الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وتدخله فى شئون الدول الأخرى ولاسيما قيام تركيا بثلاثة توغلات منفصلة ضد الأكراد السوريين منذ عام ٢٠١٦، وإرسال قوات ومرتزقة سوريين إلى ليبيا وأذربيجان، واستعداء اليونان بمحاولة التنقيب على الغاز فى مياه بحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط. 
فعلى عكس الرئيس دونالد ترامب، ليس من المتوقع أن يحمى بايدن تركيا من العقوبات بسبب شرائها صواريخ إس -٤٠٠ الروسية، ودور بنك خلق التركى فى تسهيل تجارة النفط الإيرانى مقابل الذهب فى تجارة غير مشروعة تقدر بمليارات الدولارات.

جذور الخلافات 
فى ديسمبر من العام الماضى ٢٠١٩ أجرى الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن، مقابلة مصورة مع صحيفة "نيويورك تايمز"، ظهر فيه وهو ينتقد أردوغان، وانتشر مجددا المقطع فى أغسطس الماضى قبل ٣ أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التى أجريت نوفمبر الماضى وأسفرت عن فوز بايدن.
وأكد بايدن خلال المقطع المصور أن أردوغان "مستبد"، وندد بسياسته تجاه الأكراد ودعا إلى دعم المعارضة، وقال بايدن يومها: "يجب أن يكون لدينا نهج مختلف تماما مع (أردوغان)، وأن نوضح أننا ندعم قادة المعارضة".
وأوضح بايدن أن من الضرورى "تشجيع" خصوم الرئيس التركى "حتى يتمكنوا من مواجهة أردوغان وهزيمته، ليس عبر انقلاب، بل بالعملية الانتخابية"، وتسبب ذلك فى غضب كبير فى تركيا.
وفى نفس السياق، أطلق المرشح الديمقراطى على نفسه اسم "جو بايدنوبولوس" خلال اجتماع له مع الأمريكيين اليونانيين والأمريكيين من أصل قبرصى يوناني، قبل أشهر عديدة من الانتخابات الأمريكية، وهو ما أطرب مسامعهم وأثلج صدورهم لما يعنيه ذلك من أنه سيدعم مواقف قبرص اليونانية، وكذلك اليونان ضد تركيا.

انتخابات مبكرة
دعم "خصوم أردوغان" والانتخابات المبكرة..كانت تلك العبارة البارزة، هى أهم ما قاله بايدن، وأكثر ما يقلق أردوغان، الذى بدأت الأحزاب المعارضة له فى تركيا إلى الدعوة الانتخابات مبكرة، وخلال شهرى أكتوبر ونوفمبر الماضيين تصاعدت دعوات المعارضة التركية يتقدمهم أحمد داود أوغلو رئيس حزب المستقبل ورئيس الوزراء السابق، إلى جانب كمال كليتشدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهورى، وعلى باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم التركى "ديفا" الذى كان وزيرا للاقتصاد والخارجية فى نظام أردوغان، وميرال أكشنار، رئيسة حزب الخير، لإجراء انتخابات مبكرة قبل الانتخابات المقررة رسميًا عام ٢٠٢٣.
وجاءت الدعوة لانتخابات مبكرة فى تركيا مدفوعة بالرغبة فى إزاحة حزب العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان عن سدة الحكم، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صورة تركيا المتداعية خارجيًا، ووقف نزيف الهزائم الخارجية والخسائر الاقتصادية الداخلية الناجمة عن السياسة الفاشلة والمغامرات غير المحسوبة التى يخوضها أردوغان.
وبحسب آخر استطلاع للرأي، قام به مركز "البحوث المتنقلة" للأبحاث والدراسات الاستراتيجية خلال ديسمبر الجاري، فإن ٤١.٦٪ من المشاركين فيه طلبوا إجراء انتخاباتٍ مبكرة، كما أن ٤٧.٥٪ اعتقدوا أن حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الذى يتزعّمه أردوغان "لم يعد بإمكانه إدارة البلاد".
ونشر معهد واشنطن تقريرا، بشأن حظوظ المعارضة التركية، فى الإطاحة بأردوغان، قال فيه، "يسيطر حزب العدالة والتنمية، إلى جانب حزب الحركة القومية، على أغلبية المقاعد فى السلطة التشريعية، لكن استطلاعات الرأى أظهرت فى الآونة الأخيرة انخفاضا فى شعبية أردوغان وحزبه، وبدأ التراجع فى هذا الدعم فى عام ٢٠١٨، حيث دخل الاقتصاد التركى فى فترة ركود للمرة الأولى منذ وصول العدالة والتنمية إلى السلطة فى ٢٠٠٢".
وأضاف التقرير "بناء على ذلك خسر حزب أردوغان إسطنبول وأنقرة وغيرهما من المناطق الكبرى أمام مرشحى حزب الشعب الجمهوري، المعارض فى الانتخابات المحلية لعام ٢٠١٩، بالإضافة إلى ذلك اعتبارا من أواخر عام ٢٠٢٠، عاد الاقتصاد التركى إلى الركود بسبب جائحة فيروس كورونا، ومع التدنى المتزايد للأرقام التى يحصل عليها أردوغان والتى تظهرها استطلاعات الرأي، ترى كتل المعارضة مجالا للنمو على حساب حزب العدالة والتنمية".

تحركات أردوغان 
وبعد وضوح رؤية بايدن لسياسات أردوغان، ودعوة المعارضة التركية لانتخابات مبكرة، بدأ أردوغان، خلال الفترة التى أعقبت الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فى البحث عن طوق نجاة من تحديات الداخل والخارج، لتظهر فجأة على السطح المحادثات السرية بين إسرائيل وتركيا، بعدما كانت سرية أواخر العام الماضى ٢٠١٩، حيث نشرت إذاعة "مكان" العبرية فى تقرير لها ديسمبر ٢٠١٩ عن تودد أنقرة إلى تل أبيب، خاصة فيما يتعلق بملف غاز شرق البحر المتوسط، وأبدت أنقرة رغبة شديدة فى أن تكون حلقة الوصل لنقل الغاز الإسرائيلى من تل أبيب إلى أوروبا.
وأكد مستشار الرئيس التركى للشئون الخارجية مسعود كاسين، فى تصريحات علنية لإذاعة "فويس أوف أمريكا"،، منتصف ديسمبر الجاري، قال فيها، إن بلاده تتطلع لإعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وإعادة السفير مرة أخرى.
وأضاف كاسين، أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا على وشك تحقيق انفراجة، حيث أكد مستشار أردوغان، وجود محادثات ثنائية قد ينتج عنها استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بحلول شهر مارس من العام المقبل ٢٠٢١.
وقال مستشار الرئيس التركى للشئون الخارجية مسعود كاسين، فى إشارة إلى المحادثات الجارية مع إسرائيل: "إذا خطت إسرائيل خطوة واحدة، فربما يمكن أن تتخذ تركيا خطوتين"، مشيرا إلى أنه "إذا رأينا ضوءًا أخضر، ستفتح تركيا السفارة مرة أخرى وتعيد سفيرنا، ربما فى مارس، يمكننا استعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مرة أخرى"، متسائلا "لم لا ؟."
وأكد مستشار أردوغان، خلال حواره أن انتخاب جو بايدن لرئاسة الولايات المتحدة، يدفع تركيا وإسرائيل، لإزالة التوتر بينهما، مشيرا إلى أن تل أبيب لديها الكثير لتكسبه من التطبيع مع أنقرة، وقال: "اشترت تركيا الكثير من الأسلحة من إسرائيل، ويمكننا ترتيب ذلك مرة أخرى، بحيث تستطيع الصناعات الدفاعية التركية والإسرائيلية المضى قدمًا معًا".
وأوضح أن موارد الطاقة، إن إسرائيل تكتشف النفط والغاز بكميات جيدة،. ولكن أين يمكنهم تسويق ذلك وتعدادهم ٨ ملايين شخص، مردفا "أكبر سوق هو تركيا، وستكون الممر إلى سوق الاتحاد الأوروبى عبر خط أنابيب".
وفى نفس السياق، أكد أردوغان: "علاقاتنا مع إسرائيل على المستوى الاستخباراتى مستمرة ولم تتوقف ونواجه بعض الصعوبات مع الشخصيات فى أعلى الهرم"، فى تصريحات الجمعة ٢٥ ديسمبر الجاري.
وتعليقا على تلك التصريحات قال أيال زيسر المدير السابق لمركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وعميد كلية الآداب بجامعة تل أبيب، فى مقال له بصحيفة "إسرائيل اليوم" بعد يومين من تصريحات مستشار أردوغان، إن "فى الشهر الماضى بعث أردوغان، برئيس أجهزة المخابرات التركية، هكان فيدان، بزيارة سرية إلى إسرائيل، وبالتوازى تبدى شركة كبرى تركية اهتمامًا فى العطاء لخصخصة ميناء حيفا". 
وأضاف "لقد تغيرت النغمات فى تركيا، وواضح للجميع أن هذا ما كان ليحصل لولا مصادقة بل ومباركة أردوغان، لقد سبق أن قيل عن الرئيس التركى إنه لا يعرف كيف يحفظ فمه، فتصريحاته الاستفزازية– تارة ضد إسرائيل وأخرى ضد أوروبا وتارة ضد الولايات المتحدة– تستهدف خدمة مصالحه السياسية الداخلية، ولكن فى كل ما يتعلق بالأفعال، حرص أردوغان دومًا على أقصى الحذر".
وأوضح أن "الدليل هو أنه حرص على ألا يؤدى إلى قطيعة تامة فى العلاقات بين الدولتين، وبشكل غير مفاجئ، زاد حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل، وازدهرت علاقات الطيران والسياحة".
ويكشف الكاتب الإسرائيلي، أسباب تذلل أردوغان لتل أبيب قائلا "هرولة أردوغان تأتى بسبب الضائقة السياسية والاقتصادية التى علقت فيها تركيا مع كل جيرانها؛ فلم يعد العالم العربى مستعدًا لسماع شيء عن تركيا، أما مع أوروبا فقد وصلت أنقرة إلى شفا المواجهة العسكرية فى مياه البحر المتوسط، ويحوم من أعلى ظل الرئيس الأمريكى المنتخب جو بايدن، الذى لا يخفى انتقادًا ضد أردوغان".
وقبل إطلاق مستشار أردوغان، تلك التصريحات المدوية، نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" تقريرا فى مستهل ديسمبر الجاري، أكدت فيه أن إسرائيل هى طريق أردوغان للتقرب من بايدن، وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن أنقرة تشعر بالعزلة التامة مع الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن، لذلك قررت التقرب من إسرائيل وتحسين العلاقات معها، حتى تستعيد علاقاتها مع واشنطن على قضبان القطار مجددا.
ويتناقض ذلك الموقف مع التصريحات "العنترية" التى أطلقها أردوغان، توقيع الإمارات اتفاقية السلام مع إسرائيل خلال أغسطس الماضي، وحيث أكد الرئيس التركى فى تصريحات أثارت استغراب كثيرين، خاصة أن أنقرة تحتفظ بعلاقات طيبة مع تل أبيب.

هل ستفلح لعبة أردوغان ؟
ومن جهته، كشف موقع "المونيتور" الأمريكي، المعنى بشئون الشرق الأوسط، أن رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركى أجرى محادثات سرية مع مسئولين إسرائيليين، فى إطار جهود أطلقتها تركيا لتطبيع العلاقات.
وأشارت "المونيتور" إلى عقد اجتماعات فى الأسابيع الأخيرة لم تحدد مكانها وكان رئيس الجهاز التركى هاكان فيدان ممثلًا لبلاده فى واحد منها على الأقل، مؤكدة على أن التواصل بين تركيا وإسرائيل مستمر.
ولم يكن هناك سفير فى أى من البلدين منذ مايو ٢٠١٨، عندما طالبت تركيا السفير الإسرائيلى بمغادرة أنقرة احتجاجًا على هجمات إسرائيل على غزة، وقرار واشنطن نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة.
كما أوضحت "المونيتور" أن رئيس المخابرات التركى عقد عدة اجتماعات من هذا القبيل فى الماضي، لمناقشة المخاوف الأمنية المشتركة فى سوريا وليبيا من بين أمور أخرى، إلا أن الجولة الأخيرة كانت تهدف تحديدًا إلى رفع مستوى العلاقات مرة أخرى وعودتها إلى مستوى سفير.
ونقل موقع "المونيتور" الأمريكى عن مسئول غربى قوله "حساباتهم خلصت إلى أن التعامل مع إسرائيل سوف يكسبهم حظوة مع فريق بايدن"، مشيرًا إلى أنها لعبة متكررة ومفهومة للجميع.
وقالت ليندنشتراوس، الباحثة كبيرة فى المعهد الإسرائيلى لدراسات الأمن القومى فى تصريحات "للمونيتور"، "أن هناك فرصة لطى صفحة الخلاف. وتعتقد أن من مصلحة كلتا الدولتين عدم المبالغة فى معنى خطوة إعادة السفراء، نظرًا لأن العلاقات لم يتم تخفيضها فى ٢٠١٨، فهى طبقًا للبروتوكول الدبلوماسى خطوة بسيطة".
وأضافت ليندنشتراوس "يمكن للدولتين أن تقدم ذلك كخطوة حسن نية لإدارة بايدن القادمة والتى من المرجح أن تكون أكثر اهتمامًا بتخفيف التوترات بين إسرائيل وتركيا من إدارة ترامب، التى لم تهتم بهذه الأجندة على الإطلاق".
إلا أن أحد المصادر شكك فى احتمالات إعادة ضبط العلاقات طالما استمرت تركيا فى كونها المقر العالمى لحركة حماس، وفقا للتقرير.
وتقول إسرائيل إن المئات من نشطاء حماس، ومن بينهم إرهابيون مدرجون فى قائمة الولايات المتحدة للإرهاب والذين خططوا لهجمات ضد الدولة العبرية، منحتهم أنقرة الملاذ وفى بعض الحالات الجنسية التركية.
كما انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية فى أغسطس الماضى أنقرة لاستضافتها ٢ من قادة حماس، من بينهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى للحركة.
وقالت فى بيان "تواصل الرئيس أردوغان المستمر مع هذه المنظمة الإرهابية يؤدى فقط إلى عزل تركيا عن المجتمع الدولي، ويضر بمصالح الشعب الفلسطيني، ويقوض الجهود العالمية لمنع الهجمات الإرهابية التى تنطلق من غزة".