الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

العراب والأيام الحلوة فقط!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل أيام من نهاية العام الحالى قررت أن أختتم العام بقراءة كتاب هو ختام مسك لقراءات السنة، هو كتاب « الأيام الحلوة فقط»، ففى كل كتاب أو رواية يفاجئنى عراب الرواية بالنسبة لى ولعدد كبير من أبناء جيلى الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد بأفكاره المتجددة فى الكتابة ومخزونه الذى لا ينضب من الذكريات والحكايات المضفرة بسحر السينما والموسيقى ونسيم الإسكندرية، وآه لو تعلمون كم هو عظيم أن تستعيد «إسكندرانية» مغتربة بالقاهرة بعيدا عن البحر وهوائه العليل، وليس أقسى من الغربة سوى كورونا وعزلتها!! لكن هذا الكتاب بما يحمله من وهج البدايات وروح أستاذ إبراهيم المرحة يحملك لآفاق بعيدة من الإسكندرية للقاهرة لباريس، للسعودية وأمريكا. 
والممتع أن صاحب «لا أحد ينام فى الإسكندرية» يكتب سيرته الذاتية والإبداعية كعازف كمان يمسك بالقوس ببراعة ويمر على الأوتار فتخرج أعظم الألحان! من قبل كتبت عن كتابه البديع «ما وراء الكتابة» وكان فيه يسجل كواليس كتاباته ومشوار أدبى عامر يناهز 4 عقود، لكنه هنا يأخذنا فى المغامرات الشيقة له وذكرياته وحواراته و«قفشاته» المرحة مع أبناء جيل السبعينيات الأدبى وكيف شقوا طريقهم بين أسماء كبيرة؟ وكيف كانت حياتهم ما بين السينما والمسرح والأمسيات الشعرية حافلة وعامرة بحب «الكتابة» تلك السيدة المتوجة يغذون قريحتهم الأدبية بكل ما هو لازم للمارسة ما أسماه «موهبة الألم» فالكاتب كما يقول إبراهيم عبد المجيد هو من يدرك قبح العالم ويتغلب عليه. 
14 فصلا ينهيها عبد المجيد باسم المقطوعة التى رافقته أثناء الكتابة وذكرياته مع فاجنر وأم كلثوم، وسيد درويش وكورساكوف، إديث بياف وموزار..
الذكريات بها قدر كبير من الانكشاف والصراحة والحقيقة.. الحقيقة وحدها دون تجميل يضىء إبراهيم عبدالمجيد على سيرته الذاتية وعمله فى الترسانة البحرية قبل الجامعة والشخصيات التى قابلها وساهمت فى تكوينه ودفعه لخوض المعترك الأدبى من خارج الوسط، بل تنطوى كتابته أو معزوفته على قدر من الشفافية عبر تقنية الحديث مع الذات ومساءلتها.. ثم رحلته مع الثقافة الجماهيرية ودورها فى صناعة الثقافة المصرية. حكايات عن معرض الكتاب ولقاءات المثقفين والندوات التى كانت تنتهى نهايات طريفة. 
وبرغم أن الكتاب عن الأيام الحلوة فقط لكن عبدالمجيد تطرق لأيام فى غاية الصعوبة فى مسيرته وقضية تكفيره من جمعية علماء الإسلام الأزهرية بسبب نشر رواية « الصقار» للكاتب سمير غريب على ضمن سلسلة كتابات جديدة عام 1996، وكيف واجه الأمر وتخطاه وأيام أخرى صعبة مع مرض زوجته الأولى ورحيلها بسبب مرض السرطان، ففى خضم الحياة الأدبية إذا انشغلت بحياتك الشخصية ستغيب عن الحياة الأدبية لكن صاحب «طيور العنبر» لم يغب وحقق المعادلة الصعبة واستمر فى الكتاب ونشر القصص والمقالات فى الصحف والمجلات، وتغلب على أيامه الصعبة بالضحك والاستغناء حتى قادته الظروف لكتابة سيناريو المسلسل الكوميدى «بين شطين ومية».. لحظات ماتعة تمنحها كل صفحة وكل موقف فى هذا الكتاب، وكأنك فى حوار مع الأديب الكبير. 
فى هذا الكتاب ستتعرف على المعارك الثقافية والأدبية فى فترات مهمة من تاريخ مصر وكيف كانت الحالة السياسية لها انعكاس صارخ على الحياة الأدبية.. والممتع حقا أن عبد المجيد يقدم وصفه غير مباشرة للنجاح والنجاة من الحياة وهى أن تبتسم فى وجه أعدائك وتمضى.. امض لشغفك ولأحبابك لا تلتفت إلى المجبولين على الشر، فوجودهم قدرى ومحتوم وقد خلقهم الله بهذه الفطرة لسبب ما.. ربما كى يخلدوا أسماء الأخيار والمبدعين الموهوبين حقا، وهم لا يعلمون! حمل كتاب الأيام الحلوة أسماء الكتاب الذين رافقهم إبراهيم عبدالمجيد فى رحلتهم ورافقوه فى رحلته بهاء طاهر وإبراهيم أصلان ونجيب محفوظ وسعيد الكفراوى ومحمد المنسى قنديل وخيرى شلبى ومحمد كشيك وجار النبى الحلو أسماء كثيرة نقرأ لها لكننا لم نعرف تلك العلاقات الإنسانية بين أدبائنا، والمواقف التى رافقت صدور كل رواية وكل قصة.. هذا النوع من الكتابة يستحق التقدير أنه رواية تاريخ الأدب المصرى.