الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

"قلبي ارتجف".. رباعيات "جاهين" والأسئلة المخيفة

الشاعر الكبير صلاح
الشاعر الكبير صلاح جاهين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
برز الشاعر الكبير صلاح جاهين كفيلسوف ومتأمل في رباعياته، وأيضا مقاوما ومناضلا في قضايا بلاده، وقد تناول جاهين تجديد قصيدة العامية من وقت مبكر.
وفي الوقت ذاته، كانت له معاركه الأدبية والفنية مع المخالفين له في العديد من مجالات الإصلاح الاجتماعي والسياسي، فقد أثارت أغانيه الكثير من الجدل الثقافي العام في مصر والأقطار العربية.
استطاع جاهين من خلال اللهجة العامية أن يناقش أعقد القضايا الفلسفية، أو أن يدخلها بمنتهى البساطة ضمن نتاجه الأدبي دون الشعور بتعقيداتها، فهو يثير في عقل المتلقي بعض الأسئلة المهمة تجاه مثل هذه القضايا.
يمكن ملاحظة هذا الرأي في رباعيته التي يقول فيها: 
مُرغم عليك يا صبح مغصوب يا ليل
لا دخلتها برجليا ولا كانلي ميل
شايلني شيل دخلت أنا في الحياة
وبكره ح خرج منها شايلني شيل
عجبي!!
يتحدث بلغة مفهومة لكل متلقي، ويخصه بالكلام حول مجيء الإنسان للدنيا، دون أن يكون لديه القدرة على اختيار هذا المجيء، ودون أن يحسب طريقه ومصيره في الحياة، وفي النهاية هو شيء صغير مرغم ومغصوب على الوجود، ويتمثل عجزه في مجيئه للدنيا عن طريق آخرين، بينما يرحل عنها بمعونة آخرين أيضًا، فهو محمول في الأولى والأخيرة، وفيما بينهما مغصوب على متابعة النهار والليل وتعاقب الزمن: ألا يستحق كل هذا منا العجب؟!
من المنطقي أن نجد "جاهين" ينحاز لهذا الإنسان العاجز عن اختيار المجيء والرحيل، ومن الطبيعي أن يصبح عاجزا أيضًا عن اختيار الطريق الذي يسلكه في الحياة.
يقول "جاهين": 
إزاي أنا اختار لروحي طريق
وأنا اللي داخل في الحياة مرغمًا
لا يتوقف "جاهين" عن إثارة الأسئلة الكبيرة والمصيرية لدى المتلقي، أي أنه لا يلمس القضايا الكبيرة من بعيد، من خارجها ومن سطحها، إنما هو يتابع خيوطها، فهو إنسان عاجز في الرباعية الأولى، وفي الثانية يتساءل عن مدى توفيقه في اختيار الطريق، ويندهش: كيف لإنسان عاجز أن يختار طريقه؟ فهو بحاجه إلى إرشاد ونور يضيء له المسالك، ولكن المثير للعجب عند الشاعر "موقف الحيرة" الذي يسقط فيه حتى عند انبثاق النور.
يقول "جاهين":
ولما ييجي النور وأشوف الدروب
أحتار زياده... أيهم أسلكه؟
والسؤال الذي يدور في عقل الشاعر: لِما الحيرة وقد جاء النور؟ يذهب "جاهين" خلال رباعياته إلى امتلاك الإنسان ناصية الفضول من خلال السؤال، فوجود الإنسان على الأرض جعله ينتبه للطبيعة من حوله، للوجود، للكون، ولكي يفك شفرات هذه الحياة الغامضة؛ لا بد له أن يتبع فضوله من خلال صياغة "السؤال"، فالأخير هو الأداة الحقيقية التي يمكن أن تُذلل المعارف بجبروتها لبني البشر، لكن المخيف والسقوط في "هوة الحيرة" من خلال توالد الأسئلة من بعضها البعض.
يقول "جاهين":
نظرت في الملكوت كتير وانشغلت
وبكل كلمة ليه؟ وعشانيه سألت
اسأل سؤال.. الرد يرجع سؤال
وأخرج وحيرتي أشد مما دخلت
عجبي!!
من المخيف أن تسيطر حالة الحيرة على أي إنسان، ومن خلال تفكيره المستمر رأى "جاهين" أن الخلاص من هذه الهوة تكون من خلال القليل من الإيمان، لذا لا بد له أن يبحث عن هذا الإيمان، فوقع في حيرة وليدة جديدة للأسئلة وهي حيرة سؤال: ما الذي يمكن أن يكون مُرضيًا للقلب حتى يكتسب صفة التصديق والإيمان؟
يقول "جاهين":
غدر الزمان يا قلبي مالوش أمان
وحاييجي يوم تحتاج لحبة إيمان
قلبي ارتجف وسألني.. أآمن بإيه؟
أآمن بإيه؟ محتار بقالي زمان
عجبي!!
وسط هذه الأسئلة المخيفة التي تحاصر الإنسان، والتي يَعُدها "جاهين" نوعًا من الحيرة، ويعبر عن توالد هذه الأسئلة من ذاتها بـ"رجفة القلب"، وسط هذا التفكير المتلاطم والمثير للإزعاج: هل يهرب الإنسان من الحياة ويسعى للخلاص منها؟
بالطبع، انتبه "جاهين" لهذا السؤال، فبادر بالتعبير عن صورة تبدو لأول وهالة متناقضة، لكن في صورتها وحقيقتها نجدها واقعية، فالإنسان يعيش مثقلا بالصراعات الفكرية والأسئلة المصيرية المُحيرة، لكنه يُحب الحياة، لا يكرهها، يحبها في بساطتها وخلوها من التعقيدات، خلوها من الشر، من تحكم الأقوياء وسيطرتهم على الآخرين.
يقول جاهين:
أحب أعيش ولو أعيش في الغابات
أصحى كما ولدتني أمي وأبات
طائر.. حيوان.. حشرة.. بشر.. بس أعيش
محلاها الحياة.. حتى في هيئة نبات
عجبي!!