الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

صناعة الأغاني من القمة للانحدار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ارتبطت الأغانى الوطنية بأحداث سياسية ومحطات تاريخية وثورات عاشتها مصر على مر العقود السابقة، شكلت وجدان الشعب المصرى وألهبت حماسه، وباتت تلك الأغانى بمثابة وثيقة تأريخية لما دار وحدث بأرض الكنانة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
مصر التى في خاطرى.. بلادى بلادى لك حبى وفؤادى.. والله زمان ياسلاحى.. قوم يامصرى مصر دايما بتناديك.. ياجمال يامثال الوطنية..ياشباب النيل.. أحلف بسماها وبترابها.. نصرة قوية وفرحة هنية.. الأرض بتتكلم عربى.. مدد مدد شدى حيلك يابلد.. ياحبيبتى يامصر.
لعل أبرز من بدأ بالغناء الوطنى فنان الشعب سيد درويش كرائد للأغنية الوطنية، حيث ترك أثرا واضحا لدى المصريين، ثم جاء عبد الوهاب وأم كلثوم وجاءت ثورة يوليو وتركت بصماتها على الأغنية الوطنية، ثم العدوان الثلاثى على مصر الذى توج بأغنية "الله أكبر فوق كيد المعتدى".
في السابق كان المطربون الكبار أمثال أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب جزء من ثقافة المجتمع ولهم تأثيرهم، وجزء من النظام العام، لكن حاليا الوضع إختلف، فلا يوجد احترام للفن ولا للجمهور، ولم يعد لدى الفنانين نفس الجدية أو المصداقية، فقد كان النجوم في الماضى ينتقون ما يقدموه من كلمات وألحان وغناء، لذا إنتقل الصدق من الفنان للمتلقى، لكن الآن هناك إحساس بالزيف مما جعل تأثير الأغانى حاليا تأثيرا عكسيا، خاصة الأغانى التى تم إنتاجها حديثا من بعض شباب الفنانين ما هى إلا محاولات ليست كافية، ولا تعبر عن نبض الجماهير.
المؤكد أن الأغانى الوطنية تبعث الروح الوطنية والأمل، ولها دورا في شحذ الهمم وتعبئة الشعور الوطنى ضد التطرف والإرهاب، فمع كل حادث إرهابى لا نجد سوى صوت المطربة شادية واغنيتها الشهيره يا حبيبتي يامصر، والمطرب محمد نوح وهو يشدو بحماس منقطع النظير مدد شدى حيلك يابلد، لتساعد على مؤازرة الجماهير في كل المحن وابرزها الحرب ضد خفافيش الظلام، نظرا لغياب الأغنية الوطنية الحديثة القادرة على التعبير عن جلال الحدث، لاسيما وأن الأغانى الحالية لم تصل للصدق المطلوب، مقارنة بالأغانى القديمة لنجوم الزمن الجميل.
المثير للدهشة أن الموسم الغنائى الحالى شهد العديد من الألبومات الغنائية والأغانى السنجل، إلا انه ووسط كل هذه الألبومات الغنائية والأغنيات السنجل، لم تشهد الساحة أغنيات وطنية صادقة تجذب الجمهور.
لاسيما أن الساحة الغنائية اليوم لها توجهات ورؤى مغايرة، تحديدًا في ظل صعود نجوم الأغنية الجدد أو ما يسمون أنفسهم بنجوم المهرجانات من بينهم: شاكوش، وحمو بيكا، وعمر كمال، وشطة، وغيرهم والمدهش أيضًا هو إستقبالهم بترحاب مبالغ فيه من قبل الجمهور وربما بالأعناق.
نعم لقد سيطرت على الساحة الغنائية في الآونة الأخيرة موجة من الغناء الهابط ممن يطلق عليهم نجوم المهرجانات، إلى جانب أن تلك الأغنيات تشجع على العنف والإغتصاب والتحرش، وبالتالى فتلك الأعمال لا يجب أن تخضع لاختلاف الأذواق فقط، لأن الأمر تحول من مجرد فن هابط إلى أغنيات تدعو للقضاء على القيم والنخوة والضمير والأخلاق، وقد حاولت نشر عينة من أغانى تلك المهرجانات لمطرب واحد من بينهم، والتى لاقت نجاحا لافتا للنظر من الجمهور، لكن مجافاتها للذوق والأخلاق والقيم منعنى من ذلك، فمن بينها أغنية (إن صح إطلاق هذا الوصف عليها) تصف الملابس الداخلية، وجسد المرأة، بفجاجة منقطعة النظير.
وهناك أعمال كثيرة تدعو للخجل، ففى (أغنية) أخرى يحكى المؤدى بلغة سوقية قصة أب رأى ابنته تمارس الرياضة فتحركت مشاعره الشهوانية تجاه ابنته، إلى جانب التحرش في وسائل النقل، واستخدامة للألفاظ الخادشة للحياء.
بالإضافة للحط من صورة النساء في أغنية يقدم فيها رجل زوجته وإبنته للرجال.
ومن الأغانى التى تدعو للعنف والكراهية أغنية "ناس بتبيع" "أنا جبروت مبحبش حد، مافى عندى يا ناس أى رومانسية، على أى حد أضرب وأزق، لو وقعت ياله مش هتقوم، وحياة أمك خف تعوم، عندى الناس كلها سواسية، محطوط في حزامى الناسف من يومى مجنون وبجازف، على لحن الموت أنا عازف أغنية، كرهت الناس لو عشت جدع تتداس، ثورجة بلا أى أساس. كام كلب لسيده مطيع؟"
باختصار أغانيهم تحمل ألفاظا متجاوزة وكلمات تخالف العُرف القيمى، وتتعدى على الرواسخ الثابتة للمجتمع، كلمات تدمر أجيال من الشباب وتحط من ذائقة الجماهير، كما أنها تحمل دعوات صريحة للفوضى والهمجية ونشر شريعة الغاب، كما أنها توضح أيضًا لغة العشوائيات، وتكشف ما يجرى في قاع المجتمع.
ما يجعلنا نتساءل مجددًا هل المنع هو الحل؟ وهل حقًا السوق عايز كدة؟ ولماذا سقطنا في بئر من الوحل؟ ووقعنا فريسة للتلوث السمعى؟ وأين ذهبت أغنياتنا الوطنية العظيمة؟ ولماذا ترك المبدعون الساحة لمن على شاكلة هؤلاء؟ وكيف يمكن لأمة عظيمة مثل مصر أن تواجه تلك الموجة وتجعلها تنحسر من تلقاء نفسها؟ وهل حقًا العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة كما يقال؟ 
المؤكد أن حرية الإبداع ضرورة حتمية لكل الفنون، وأن القضاء على تفشى ظاهرة أغانى المهرجانات يأتى بتكاتف المسئولين والمتخصصين لتقديم أغانى راقية وجيدة من أجل الارتقاء بالذوق العام للشعب المصرى.
ما يجعلنا نطالب كبار المطربين أمثال محمد منير وعلى الحجار ومحمد الحلو وشيرين عبد الوهاب وآمال ماهر بأن يقوموا بتقديم أعمال غنائية جادة على مستوى رفيع تبذل فيها مجهودات كبيرة حتى تصل إلى وجدان الجماهير، وتواجه المهرجانات وأغانيها الهابطة.