الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نيران التعصب والأسئلة الثلاثة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرأت الشعار ووقفت عنده كثيرا اتأمله وأتساءل هل يكفي الشعار لمحو جرم خطير، أعطى المولى سبحانه وتعالى في علاه درسا للتحذير منه لأنه أصل كل الفتن والابتلاءات؟.
نعم يا صديقي إنه أصل الابتلاءات، فلم يكن ذلك الحوار الذي دار بين الله وبين قائد التعصب ومتبنيه سوى درسا عمليا لكشف ماهيته ومنتهاه.. فلقد تعصب إبليس لبنى جنسه ورأى أنه الأحق والأجدر من آدم فسقط في هوة التعصب إذ قال خلقتني من نار وخلقته من طين.
خرج إبليس بجملته من حيز المسموح لحيز الممنوع، أعماه التعصب فلم يفرق بين الاختلاف على الله الذي سمح به ليأتيه من يأت طوعا وليس جبرا وبين الممنوع وهو الاختلاف مع الله.

كان آدم شاهدا على هذا الحوار لكن بنيه لم يعوا هذا الدرس الرباني فتوالى السقوط حتى أن التعصب وصل إلى أوجه وانتشر كنبت شيطاني في قلوب البشر فقتلوا حتى الأنبياء، وما كانت الرسالات السماوية كلها إلا محاولات لحصار هذا التعصب والسيطرة عليه بإعمال العقل الذي انزوى دوره فتفسخت الأمم مع تعدد أشكاله.

عجز الإنسان بكل أجناسه وطوائفه وعلومه أن يرسخ قاعدة التعارف ويجيب على السؤال الصعب.. من أنا؟ عظم آفة عدم تقبل الآخر واغترت النفوس للدرجة التي باتت معها تمنح أصحابها توكيلات ربانية ما أنزل الله بها من سلطان.

كانت هيباتيا واحدة من الذين قتلهم هذا التعصب حتى أنه باتت حاضرة وشاهدة على جرمه في كل ذكر له، فتلك الجميلة العبقرية المولعة بالفلسفة انتهت حياتها بالذبح وحرق الأوصال فقط لأنه حاولت الإجابة على الأسئلة الثلاثة.. من أنا؟ ومن نكون؟ وما الخير؟.

الرهبان نفثوا نيرانهم فيمن حولهم حتى اشتعلت نيران التعصب في صدورهم فجردوا هيباتيا من ملابسها، ثم تقدم أحد الرهبان وذبحها.. لم تخمد نيران التعصب عند هذا الحد بل إنهم قطعوا أعضائها وألقوا بها في النار.

جريمة بشعة دونت في سجلات التعصب فقط لأنه رأت العالم كما رآه أفلاطون، كهف تحت الأرض يعيش فيه أناس مقيدون إلى الجدار بحيث لا يستطيعون الحركة وجوههم إلى حائط الكهف وظهورهم إلى فتحة الكهف الصغيرة التي يتسرب منها الضوء، يروون أشباح ظلالهم على جدران الكهف، من حاول فك قيده وخرج ليرى العالم خارج الكهف ويعود إلى الذين يقدسون الظلام ويتمترسون على هويتهم فما كان منهم إلا أنهم اتهموه بتدنيس معتقداتهم وقتلوه كما قتلوا ألف ألف هيباتيا.

إذن لن يكفي شعارا ولا حديثا فياضا نتناقله لدرء هذا الخطر لكن لابد من إيمان بالعقل يتبعه فعل على أرض الواقع لإنبات أفكار مغايرة تلقى بظلالها على البشر ليعيدوا التفكير والتأمل للإجابة عن الأسئلة الثلاثة.