الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«تشى» مارادونا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
.. وما زلنا مع دييجو مارادونا اسطورة كرة القدم كمان وكمان، لكن هذه المرة نكتب عن الاسطورة خارج الملاعب من خلال ما ذكرته وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية المختلفة.

في سنة ١٩٩٥ أثناء فترة إقامة دييجو أرماندو مارادونا في كوبا للتعافى من الإدمان بضيافة صديقه الزعيم الكوبى «فيدل كاسترو» تشاء الصدف أن يشترك دييجو باحتفال ذكرى الثورة الكوبية الذى نظمه الحزب الشيوعى، وكانت تشارك فيه شخصيات مرموقة جدًا سياسيًا وفنيًا ورياضيًا وأدبيًا من جميع أنحاء العالم.

وعلى وقع أنغام موسيقى «هافانا فيالا» الكوبية دخلت طفلة صغيرة عمرها ٨ سنوات قاعة «الستريل بلورن» وتتوقف المقطوعة الموسيقية التى دفعت الضيوف لرقص الرقصة الكوبية «هافانا بانانا» العيون كلها كانت على الطفلة باشمئزاز لأن ملابسها متسخة وملامحها تكاد تكون مخفية وراء عادم السيارات والدخان.. فقام أمن الحفل بطردها والدموع في عينها.

كان مارادونا يتابع الموقف متأثرا وغادر الحفل ليبحث عن الطفلة فوجدها تجلس على الرصيف وهى تبكى، فقام بإدخالها الحفل ورقص معها رقصة «هافانا بانانا» لأكثر من ساعة وترك كل الضيوف وكل من يريد التقاط الصور معه.

بعد انتهاء الرقصة أخذ مارادونا البنت من يدها ودخل بها غرفة كاسترو وقطع اجتماعا كان يعقده كاسترو مع الرئيس الكولومبى ومجموعة من سفراء العالم وبمنتهى الغضب قال «انظر يا صديقى إننا هنا نشرب ونغنى ونرقص على شرف ثورة وما زال هنا أطفال يمنعون من أن يشاهدونا ونحن نحتفل، انظر يا فيدل، انظر يا صديقى».

بسبب هذا الموقف أصدر فيدل كاسترو قانونًا معروفًا جدًا اسمه «المرسوم الأبيض» يمنع فيه عمالة الأطفال والشباب بفترة الدراسة ويحمل الدولة مسئولية أكلهم وشربهم وتعليمهم ويمنع عمالة الأطفال الإناث خاصةً إلا بموافقة كتابية من فيدل نفسه، وكان هذا القانون سببا في تعليم وتوظيف أكثر من ٧٠٪ من الجيل الرابع بعد الثورة الكوبية.

أطلق عليه الزعيم الكوبى فيدل كاسترو لقب «تشى الرياضة» تيمنًا بالزعيم الأرجنتينى تشى جيفارا.

لم تقتصر شعبية مارادونا الجارفة على ما حقّقه داخل المستطيل الأخضر، فقد أطلق مارادونا مواقف تحرّرية وثورية منحازة للشعوب المناضلة والمستضعفة ضد «التوحش» الرأسمالى الإمبريالى، وأبدى تعاطفه المطلق وتأييده للأفكار اليسارية، واشتهر بكراهيته المطلقة لسيطرة الدول الكبرى، وعارض ممارستها بشكلٍ علنى.

ودائما كان يعرب عن تأييده لحقوق الشعب الفلسطينى ضد الاستبداد الصهيونى. ارتدى الكوفية عام ٢٠١١ بعد أن منحه إياها شباب فلسطينيون ولم يكتف مارادونا بذلك بل رفع بيده شعار النصر وقال: «عاشت فلسطين».

وفى عام ٢٠١٨، التقى مارادونا بمحمود عباس على هامش مونديال روسيا، وقال له: «أنا فلسطينى القلب»، في مقطع فيديو تداوله العديد من الناشطين حول العالم.

كان مارادونا متعاطفًا ومؤيدًا للقضية الفنزويلية. دعم دييجو الرئيس الفنزويلى الراحل هوجو تشافيز، حيث قابله عام ٢٠٠٥ في ميرافلوريس. بعد الاجتماع، خرج دييجو أمام الجميع وقال: «أنا أؤمن بتشافيز، أنا تشافيستا، كلّ شىء يفعله كاسترو وكلّ ما يفعله تشافيز يعتبران الأفضل بالنسبة إلى». ويوم رحل تشافيز قال مارادونا: «ما تركه لى هوجو، صداقة عظيمة وحكمة سياسية لا تُصدق. لقد غيّر الطريقة التى تفكر بها أمريكا اللاتينية. خضعنا للولايات المتحدة لكنه أظهر لنا أنه يمكننا السير بمفردنا».

عام ٢٠١٣، زار مارادونا قبر تشافيز وحثّ الفنزويليين على انتخاب خليفة الزعيم الراحل، نيكولاس مادورو. في ذلك اليوم، طلب منهم المحافظة على إرث هوجو، وقال مارادونا على شاشات التليفزيون: «واصلوا الكفاح».

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل عاد دييجو للاحتفال في الحملة الانتخابية عام ٢٠١٨. وخلال أزمة الرئاسة في فنزويلا عام ٢٠١٩، أهدى مارادونا فوز الفريق الذى كان يدربه إلى مادورو، مما دفع الاتحاد المكسيكى لتغريمه.

قبل ٣٣ عامًا، أعلن مارادونا موقفه الواضح من الثورة الكوبية ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عندما قام بزيارته الأولى للزعيم الكوبى الراحل فيدل كاسترو مباشرةً بعد تتويجه رفقة الأرجنتين بلقب مونديال ١٩٨٦.

مع مرور الوقت، توطّدت العلاقة بين الرجلين نظرًا إلى توافقهما في العديد من القضايا والمواقف السياسية. وفاء مارادونا جعله يقوم برسم وشم لكاسترو على قدمه اليسرى التى سحرت العالم، وقال عنه في أحد لقاءاته: «كاسترو لم يفكر يومًا في السرقة من الفقراء. إلى جانب الله، هو سبب بقائى على قيد الحياة الآن». كما وضع وشمًا لجيفارا على ذراعه اليمنى.

في عام ٢٠١١ شارك مارادونا في دعم الأطفال في ليبيا، مارادونا ادان أيضًا الحرب على سوريا واعتبر أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تدمير دمشق.

رفض دييجو الحصول على الجنسية الأمريكية رغم ما تعرض له من إغراءات لا تقاوم من الناحية المادية.

ففى الثمانينيات، جرت شركة تُدعى «انترناشيونال مانجمينت جروب» استطلاعًا حول أشهر شخصية في العالم، وكسب مارادونا المركز الأول وكانت الجائزة هى ١٠٠ مليون يورو، لكن شرط حصوله عليها هو أن يكون أمريكيًا، وتدخل هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى محاولًا إقناع مارادونا بالحصول على الجنسية الأمريكية بجوار الأرجنتينية، إلا أن الأسطورة رفض الأمر قطعيًا.

عندما تواجد الرئيس الأمريكى السابق جورج دبليو بوش في مدينة «مار ديل بلاتا» في مقاطعة بوينس آيرس عام ٢٠٠٥ لحضور «قمة الأمريكيتين» للدفاع عن مشروع منطقة التجارة الحرة على صعيد القارة، كان مارادونا حاضرًا.

دعاه تشافيز حينها للصعود إلى المنصة، فما كان من أيقونة كرة القدم العالمية إلا أن طالب الحشود بـ«طرد» بوش من الأرجنتين.

وقبل المؤتمر شارك في تظاهرة حيث ارتدى قميصًا يحمل عبارة «توقف بوش» واصفًا إياه بـ«القمامة البشرية»، كما وصف ترامب في وقتٍ لاحق بـ«الطاغية».

ففى العام ٢٠١٩، شن مارادونا هجومًا لاذعًا على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بقوله «يعتقد شرطيو العالم هؤلاء الأمريكيون أنهم يستطيعون أن يحكموننا لأن لديهم أكبر قنبلة في العالم. لكن لا، ليس نحن. هذه الدمية التى يمتلكونها كرئيس لا تستطيع شراءنا».

وداعا «تشى» مارادونا.