الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

العالم

هل تعود المياه إلى مجاريها بين فرنسا والناتو بعد أزمة تركيا؟

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بعد عام شهد العديد من التوترات بين فرنسا وتركيا، في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قررت فرنسا على إثرها في يوليو الماضي، سحب "وحداتها" من عملية الأمن البحري للحلف الأطلسي في المتوسط (سي جارديان)، واتهم الرئيس إيمانيول ماكرون، أنقرة بلعب دور "إجرامي" في ليبيا.
وبررت وزيرة الجيوش الفرنسية وقتها فلورانس بارلي، سبب انسحاب قوات فرنسا، بأنه لا يمكن العمل في أجواء توتر شديد بين باريس وأنقرة المستمرة منذ عام، خصوصا حول ملف ليبيا، ولهذا قررنا سحب وحداتنا موقتا من عملية سي جارديان بانتظار تصحيح الوضع.
يأتي ذلك فيما يتواصل تصعيد لهجة الانتقادات بين باريس وأنقرة على خلفية الملف الليبي، إذ اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره التركي رجب طيب أردوغان بنقل مقاتلين وارهابيين إلى ليبيا، معتبرا الدور التركي في هذا البلد المغاربي "مسئولية تاريخية وإجرامية". 



ماكرون: حلف الناتو في حالة "موت دماغي"
وقع توتر بين فرنسا وحلف الناتو، حينما انتقد الرئيس الفرنسي توجهات الحلف وعدم معاقبة تركيا في تجاوزاتها في سوريا، قائلا إن "ما نعيشه حاليا هو موت سريري لحلف شمال الأطلسي"، مرجعا ذلك إلى الابتعاد الأمريكي وسلوك تركيا العضو في الحلف.
وقال ماكرون، إنه "يجب أن نوضح الآن ما هي الغايات الاستراتيجية لحلف الأطلسي"، داعيا من جديد إلى "تعزيز" أوروبا الدفاعية قبيل قمة لحلف "الناتو" في لندن مطلع ديسمبر الماضي.
وتابع: "ليس هناك أي تنسيق للقرار الاستراتيجي للولايات المتحدة مع شركائها في حلف شمال الأطلسي ونحن نشهد عدوانا من شريك آخر في الحلف، تركيا، في منطقة تتعرض مصالحنا فيها للخطر، من دون تنسيق"، معتبرا أن "ما حصل يمثل مشكلة كبيرة للحلف".  
ووسط تلك الظروف، تساءل الرئيس الفرنسي بشكل خاص عن مستقبل المادة الخامسة من معاهدة الحلف الأطلسي التي تنص على تضامن عسكري بين أعضاء التحالف في حال تعرض أحدهم لهجوم.
وقال ماكرون: "ما هي المادة 5 غدا؟ إذا قرر نظام بشار الأسد الرد على تركيا، هل سنقوم بالتدخل؟ هذا سؤال حقيقي".
وأضاف: "نحن ملتزمون بمحاربة داعش، المفارقة هي أن القرار الأمريكي والهجوم التركي في الحالتين لهما النتيجة نفسها: التضحية بشركائنا على الأرض الذين حاربوا داعش، قوات سوريا الديمقراطية".
فقد تلقت قوات سوريا الديمقراطية، وغالبية عناصرها من المقاتلين الأكراد، دعما من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي قبل الانسحاب الأخير للأمريكيين.
ويرى ماكرون في هذا فرصة ماهية لأوروبا لتعلم عن نفسها فمن جهة يزيد من أهمية أوروبا الدفاعية، ليتعين عليها أن تتمتع بالقدرة الإستراتيجية والعسكرية، ومن جهة أخرى إعادة فتح حوار استراتيجي من دون أي سذاجة وهو ما يحتاج إلى وقت مع روسيا.
وهذا ما عصف بالتوتر بين فرنسا والحلف، وكذلك أثار غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لم يرحب بأن تشاكس فرنسا سياسة بلاده في الحلف، وأن تعارض آراءها، فيما دفع أردوغان في الدخول بوابل من السباب والتهكم على رئيس فرنسا، مدافعا عن الحلف، حيث وصف أردوغان، ماكرون بأنه هو الذي لديه سكتة دماغية في رأسه وليس الحلف، وكان رد ماكرون رفض دفع حصة فرنسا السنوية للحلف، مفضلا أن يبني مع حلفائه قادة أوروبا منظومة الدفاع الأوروبي، على أن يستمر في الانخراط في عمليات حلف الأطلسي تحت قيادة أمريكا، مقتبسا ثوب الجنرال شارل ديجول الذي حافظ على استقلالية فرنسا في الحلف، وكذلك هدف ماكرون تحول الاتحاد الأوروبي من أكبر سوق اقتصادي عالمي إلى قطب سياسي وعسكري وهو ما يأمله رئيس فرنسا. 
وما زالت أوروبا بمثابة عملاق اقتصادي لكنها قزم سياسي وعسكري، ويرى ماكرون مثلما كان يرى الرئيسيين جيسكار ديستان وجاك شيراك، أنه آن الأوان أن تلعب أوروبا دورها كقطب عالمي في عالم متعدد الأطراف بدلا من السباحة في الفلك الأمريكي المعتادة منذ الحربين العالميتين.
كما يرى ماكرون أن مؤسسات وآليات الحلف الأطلسي قد شاخت وتجاوزت عمرها الافتراضي كما فقدت مبرر وجودها بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو.
بيد أنه سابق لأوانه الحديث عن خروج فرنسا من الحلف الأطلسي حاليا لانه مازال يمثل فرصة ذهبية للجيوش الأوروبية بشكل عام والجيش الفرنسي بشكل خاص في التعرف على أحدث التكنولوجيات العسكرية والاستخبارية واللوجستية الأمريكية والأوروبية، حيث إن تنوع المدارس يفيد الجيش الفرنسي ويطور من أدائه ويدفعه إلى تحديث صناعته الحربية، كما أن سياسة بناء الجيش الأوروبي ما زالت تنمو ببطء.
في سياق متصل، تحدث رئيس الجمهورية الفرنسية مساء أمس عبر الهاتف مع الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي الجنرال ينس ستولتنبرج.
وفي اتصال "البوابة نيوز"، مع قصر الإليزيه، صرح بأن الرئيس ماكرون رحب بالتفكير الاستراتيجي الذي اتخذه حلف الناتو منذ قمة لندن قبل عام، كما رحب في هذا الصدد بتقرير فريق الخبراء المقدم إلى وزراء الخارجية في الأول من ديسمبر، والذي يوفر إضاءة استراتيجية متوازنة ومفيدة.
وأعرب ماكرون عن أمله في أن يتكثف هذا التفكير ويتجسد في الأشهر المقبلة لتعزيز وحدة وتضامن وتماسك الحلف الأطلسي، بما في ذلك من خلال تكييف المفهوم الاستراتيجي لعام 2010 بما في ذلك رؤساء الدول والأطراف. وسيتعين على الحكومة الفرنسية اتخاذ قرار في القمة المقبلة، على أساس المشاورات التي ستجرى بين الحلفاء، وفقًا لنص وروح معاهدة واشنطن.
وأعلن الإليزيه أن رئيس الجمهورية الفرنسية أكد في هذا الصدد التزامه بسيادة أوروبية أقوى تساهم في تعزيز الشراكة عبر الأطلسي في مواجهة التحديات المعاصرة. وسيكون موضوع السيادة الأوروبية بالطبع في صميم العمل على "البوصلة الإستراتيجية" التي يجريها في الوقت نفسه الاتحاد الأوروبي والتي ستنتهي في ظل الرئاسة الفرنسية في أوائل عام 2022.
كان هذا التبادل في الرؤى والأفكار أيضًا فرصة للتصدي بشكل مباشر وسري مع الأمين العام للمخاوف التي أعرب عنها عدد متزايد من الحلفاء بشأن الخيارات الاستراتيجية التي اتخذتها تركيا، والتي تتطلب توضيحًا من خلال مناقشة صريحة داخل للتحالف في سياق عبر الأطلسي الجديد.

سئضضض1ئ1ص