الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

د. خالد كمال يكتب: سيكولوجية نشأة وانهيار الإخوان المسلمين

دكتور خالد كمال
دكتور خالد كمال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في ظل ما يحدث من تغيرات في الواقع السياسي المصرى والعربي عقب ما سمى بثورات الربيع العربي، والتي أدت بشكل مباشر لقفز حركات الإسلام السياسي وعلى رأسها الإخوان إلى سدة الحكم في العديد من الدول العربية وعلى رأسها مصر، والتي أظهرت مدى المراهقة السياسية لدى هذه الجماعة وضعف كوادرها وسطحيتهم الواضحة وعدم امتلاكهم لرؤية واضحة في الإدارة والسياسة، مما أدى الى قيام ثورة تصحيح في 30 يونيو 2013، وما ترتب على ذلك من إنهاء الوجود السياسي لهذه الجماعة، وقد دفع ما قاموا به من عمليات ترهيب وتخويف وحرق وقتل وشغب إلى سعي الإدارة المصرية آنذاك وحتى الآن بالطرق القانونية إلى إنهاء وجود هذه الجماعة على الأرض ومحاولة تفكيكها وإنهاء أي سيطرة لما يسمى بمكتب الإرشاد على أفراد الجماعة بمختلف درجاتهم التراتبية.
وهنا تطرح مجموعة أسئلة أساسية
هل اختفت الجماعة من المجتمع المصرى؟
أم ما زالت موجودة وستختفى الجماعة بعد حين من الواقع المصرى؟
وإذا كانت موجودة ومستمرة كيف السبيل لتفكيكها بطريقة علمية؟
الحقيقة أننى سأكون مجحفا للقارئ إذا تحدثت عن كيفية إنهاء وجود هذه الجماعة قبل أن نفهم الأسباب العلمية لقيامها وليست العقدية.
تؤكد الدراسات العلمية لسيكولوجية الجماعات على عدة أسباب لتكوين أي جماعة منها:
*الرغبة في الانتماء والتواصل
أن كثيراً ممن دخلوا جماعة الاخوان الإرهابية في مقتبل حياتهم دخلوها بسبب حاجتهم الأساسية للانتماء، وهذ ما وفرته هذه الجماعة بشكل واعي ومدروس لأعضائها لتنمية الإحساس بالانتماء.
ويمثل التجاذب بين أعضاء أي جماعة حاجة نفسية اجتماعية دافعة ويتحدد احياناً نتيجة تأثير عوامل بيئية كالتقارب المكاني الذي يهيئ للأشخاص فرصاً متعددة للاتصال والتفاعل، فكثيرا ما يبدأ التعارف بين الاشخاص نتيجة قربهم وتجاورهم سواء في المسكن أو المسجد أو الفصل الدراسي.
وهناك العديد من الدراسات النفسية والاجتماعية التي تكشف العلاقة الإيجابية بين التقارب المكاني وتكوين العلاقات بين الأشخاص وهو أحد أهم أسباب انتشار جماعة الإخوان، فهذه الجماعة ليس ضخمة العدد لكنها موجودة بشكل كبير وفعال في كل قرى وكفور ونجوع مصر وهو ما لا يتوافر لأي جماعة أخرى، وذلك كان سبب في زيادة عدد المنتمين إليها في كثير من مراحل تاريخها رغم التضييق الأمني.
*الجاذبية الشخصية وتماثل الأشخاص
نعني بالجاذبية الشخصية مستوى الوسامة وتناسق الملامح والقدرة على الإقناع الذي يتصف به شخص ما ودوره كعامل مؤثر في تحديد درجة التجاذب بين الأفراد وربما هذا ما توافر لمؤسس الجماعة حسن البنا، إذ عرف بطلاقته وقدراته الخطابية واثره في المحيطين به وكان ذلك بالتالي سبب في زيادة عدد المنتمين الي جماعة الإخوان بشكل ملحوظ في طور تكوينها الأول.
كما راعت الجماعة بعد ذلك استقطاب الشخصيات المتميزة علمياً وثقافياً ورياضياً والمتواصلة بالفعل مع الجماهير مثل المعلمين وأساتذة الجامعات وهكذا مما كان له أكبر الأثر في جذب عدد أكبر من الشباب.
ويعد التماثل أو التشابه من اكثر المحددات تأثيراً في انجذاب الأشخاص لبعضهم فالافراد عادةً يميلون ويتقبلون المتشابهين معهم في سماتهم الشخصية والعقلية ومستواهم الاجتماعي والاقتصادي فتكون أفكارهم أكثر التقاء مما ينمي روابط المحبة والمودة بينهم والمدهش انك تتعامل مع افراد من جماعة الاخوان من محافظات مختلفة لكنك تجد تماثل مدهش في الطباع والكلام، بل وفي الجمل والمصطلحات وهذا ليس صدفة لأنه لا توجد صدفة في الحياة النفسية فواحد من اهم أسباب دخول الافراد في هذه الجماعة هو التماثل والتشابه العميق بين الأعضاء الجدد والقدامي في المستويات الاجتماعية والاقتصادية، فغالبيتهم من أبناء الطبقة الوسطي الفقيرة وكذلك في درجة التدين والالتزام الذي حافظ الاخوان طيلة الوقت علي طرق معينة في أداء الشعائر وتنفيذ السنن بل واستخدام نفس الآيات في الصلوات.
*جاذبية الأهداف وعوامل الاستمرار
رفعت الجماعة منذ نشأتها شعارات مستمدة من الشريعة والرغبة في تطبيقها مثل "الإسلام هو الحل" و "وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" ولهذه المقولات الدينية تأثير كبير في نفوس الطليعة الغضة الباحثة عن الهوية والتي تبلغ حد الأزمة في بدابة المراهقة (identity crysises) .
وبالتالي يكون انتماؤه الي الجماعة نتيجة لتجارب خاطئة اخلاقياً مر بها فيندفع الى أحضان الجماعة بحثاً عن التوبة والسكينة والصلاح من وجهة نظره.
وإذا كان ما سلف من أهم أسباب تكوين هذه الجماعة، فما سبب استمرارها طوال هذه الفترة؟
ويرجع استمرار الجماعة الي عدة عوامل منها:
تماسك الجماعة وبناؤها وأهدافها ومستوى طموحها، فأعضاء الجماعة يشعرون طيلة الوقت بالتجاذب وحب بعضهم البعض ربما اكثر من انتمائهم لعائلاتهم ويعلنون ذلك في حين يعتقد البعض ان هذا الأمر منفر الا انه في الحقيقة نجاح كبير في أسلوب تربية العضو وما يتعرض له من عمليات غسل للدماغ طوال مراحل التربية والتأهيل لدى الجماعة.
وعلي جانب آخر يتمسك الافراد بعضوية الجماعة إذا أدركوا أن عضويتهم فيها ستؤدي إلي نتائج مرغوبة فالجماعة تقدم مساعدات مادية كبيرة لأعضائها في المناسبات الكبرى مثل : الزواج أو بناء منزل أو غيرها وهذا قد يشجع الكثيرين علي الاستمرار في الانتماء لها نتيجة التعزيز المادي المتكرر.
هناك أيضا الشعور بالتهديد المشترك أى الخوف من عدو خارجي إذ تشير النتائج الدراسات إلي أن أي جماعة تصبح أكثر تماسكا عندما تهددها الأخطار الخارجية حيث يحاول الافراد تجميع طاقاتهم لدفع هذه الأخطار.
وتوضح بحوث ديناميات الجماعة أن مواجهة عدو مشترك يؤدي إلى بلوغ تماسك الجماعة اعلى درجاته.
فهناك إحدى الدراسات تبين أن اصحاب المحال الصغيرة أصبحوا أكثر رغبة في عقد لقاءات واجتماعات بينهم عندما علموا أن سوقا كبيرة سوف تقام على مقربة من محالهم الصغيرة، وهذا واحد من اهم اسباب تماسك أفراد جماعة الإخوان وقدرتهم العالية على الكتمان واستشعار الخطر، فهم يواجهون طيلة الوقت عدوا شرسًا من وجهة نظرهم يتمثل في الحكومات المتعاقبة من ايام الملك وحتى حسني مبارك.
*إلغاء الأنا
نجح حسن البنا ومن تلاه من القائمين على شئون الجماعة في تنمية مبدأ السمع والطاعة ليس انصياعا لضغوط الجماعة غالبا، ولا إذعانا عن غير رضا بل هي سمة مغروزة بعناية في شخصية الأعضاء.
فمثلا القيادة العليا والوسطى تحدد من يترشح مثلا في الانتخابات، ولا نجد أحدا من الإخوان انشق ورشح نفسه رافضا القرار كما يحدث في بعض التجمعات الأخرى، وهذا يسمى اصطلاحا "المجاراة الاجتماعية".
كذلك نجاحهم في إلغاء ضمير "أنا" مقابل استخدام أكبر نسبيا للضمير "نحن" في مناقشاتهم العامة والخاصة، إذ يعبر استخدام الضمير نحن عن قدر متزايد من المشاركة
والتوحد بين الأفراد وتنهض المجاراة بوظيفة مهمة بالنسبة للجماعة والفرد ومنها:
وظيفة الحفاظ على تماسك الجماعة، والإسهام في تحقيق أهدافها، وحصول الفرد على التأييد المادي والنفسي وتأكيد مصداقية وصحة الآراء الشخصية عندما يتبين الفرد أن رأيه متسق مع راي الأغلبية.
إلا أن درجة المجاراة ليست واحدة على كل الأفراد، حيث يتوقف ذلك علي بعض العوامل مثل السمات الشخصية إذ تزيد معدلات المجاراة بين الأشخاص الأقل ذكاء، والذين لا يميلون إلى المشاركة الاجتماعية والاقل ميلا إلى القيادة، وكذلك بين الإناث، مقارنة بالذكور وغالبا ما يتمرد على الجماعة من لديهم ذكاء وافر ودرجة عالية من الثقة بالنفس، وميل القيادة، ويكون مصيرهم الخروج على الجماعة، وهذا ما يفسر أن أغلب الخارجين عليها شخصيات ناجحة اجتماعيا ولامعة إعلاميا.
*القوة الاجتماعية
يمكن تعريف القوة الاجتماعية بأنها قدرة أحد الأشخاص ويرمز له بالشخص ( أ ) على التحكم في شخص آخر أو التأثير فيه، ويرمز له بالشخص (ب)، ويقاس مقدار هذا التأثير بدرجة التغيير أو التعديل الذي يطرأ على أي جانب من جوانب المجال النفسي للشخص (ب) والذي يمكن أن يتضمن السلوك والاتجاهات والأهداف والحاجات، والقيم نتيجة لممارسة القوة الاجتماعية وتعتبر قدرة الإخوان على التأثير في اعضائها، حتى الذين رحلوا عنها، أكثر الممارسات الملاحظة بوضوح، والسبب في ذلك مشاعر الحب والرغبة في التوحد، والتشبه بالأشخاص الأقدم في الجماعة .
أما القوة الشرعية فتستمدها الجماعات ذات الطبيعة الدينية عبر فتاوى وتأويلات من شأنها أن تعزز من تماسك أفرادها بمبادئها وقيمها، واستماتتهم في الدفاع عنها من منطلق الحفاظ على العهد والتقرب إلى الله ويشير مستوى طموح الجماعة إلى "المعيار الذي يقيم به أعضاؤها مدى نجاحهم أو فشلهم في إنجاز مهمة معينة" أو هو مستوى الأداء الذي يتوقعه الأفراد لأنفسهم وهم بصدد إنجاز مهمة معينة. وقد عني عدد من الباحثين بدراسة المتغيرات والظروف التي تؤثر في مستوى طموح الجماعة. وانتهي معظمهم إلى أن مرور الجماعة بخبرات ناجحة يرفع مستوى طموحها في المحاولات التالية، والعكس صحيح وما من شك أن ذلك أيضا من العناصر المهمة الانتماء البعض الإخوان لأنه منذ دخوله الجامعة وهو يرى سيطرتهم في مراحل معينة على اتحادات الطلاب في أغلب الكليات، ثم بعد ذلك النقابات، لذلك فهي ملاذ للطامحين، وحين تدخلها تكتشف أن طموحاتها ليست لها حدود، من حيث الرغبة حتى في الاستيلاء على حكم الدول وهذا يلبي حاجة نفسية الشخصيات "الأوديبية" شديدة الطموح.
بعد أن تناولنا أسباب انتماء أعضاء الإخوان لديها، يبقي السؤال الأساسي الذى سنجيب عنه في الجزء الثانى من المقال، ألا وهو هل تنتهى جماعة الإخوان أم قد تضعف ثم ما تلبث أن تعود بعد حين؟