يبدو أن عام 2020 يأبى الرحيل دون أن يكون قد حصد معه أعظم مفكرى الأمة المصرية والعربية، فبالأمس غاب عنا القاص الكبير وعراب القصة القصيرة سعيد الكفراوي، ليأتي اليوم برحيل أحد المفكرين الكبار الذين اتخذوا من علمهم وفكرهم لاسيما فيما يتعلق بالميتافيزيقيا والباراسيكولجي، ليثروا الحياة الأدبية والصحفية أيضًا بالكثير والكثير من المؤلفات التي عملت على تنمية الخيال وإدراك الوعي لحقائق الأمور، إنه الكاتب والمفكر الكبير "راجي عنايت" والذي رحل عن عالمنا اليوم الأحد عن عمر يناهز الـ 91 عامًا.
وعلى الرغم من هذا الكم الهائل من المؤلفات إلا أنك إذا قمت بمحرك البحث لن تجد سوى بضع سطور قليلة عنه، فهو صاحب أشهر سلسلة للخيال العلمي ويُعد من أوائل من كتبوا في هذا المجال، بل أنه عمل على ربط هذا الخيال بالعلم ويقول عنايت عن سلسلته "أغرب من الخيال":" ظل العلم لزمن طويل يتجنب الاقتراب من الظواهر الخارقة الغريبة التي تكرر في حياتنا، ومن حولنا والعلماء الرواد القلائل الذين حاولوا التصدي لبعض هذه الظواهر، صادفوا من الهجوم والسخرية والتسفيه ما أقنع باقي العلماء بعدم الاقتراب من ذلك التيه الحافل بالمخاطر، وهكذا تراكمت الخرافات حول هذه الظواهر جيلًا بعد جيل مما جعل مهمة الباحث المحقق أمرًا أكثر صعوبة.. أصبح عليه أن يعثر على الحقيقة الضائعة كالإبرة وسط أكوام القش. لكن نصف القرن الماضي شهد هجمة ضارية من جانب أوساط البحث العلمي هجمة توغلت بكل شجاعة وبكل موضوعية علمية في عمق أعماق هذه الظواهر".
متابعًا:" أن هذه السلسلة تنقل أحدث ما توصل إليه البحث العلمي حول الظواهر الخارقة والغريبة داخلنا وحولنا لنؤكد بأننا على أبواب عصر جديد من المعرفة الشاملة، تزول فيه التناقضات بين وسائل المعرفة البشرية المختلفة وتلتقي فيه أقدم العقائد البدائية مع أحدث ما تتعامل معه العقول الإلكترونية".
ويقول عنايت:" ان الروايات التي كان ينظر إليها قديمًا على أنها خرفات، أصبحت هي الشغل الشاغل لعدد من العلماء المختصين في أقسام الباراسيكولوجي بالجامعات" وفي كتابه "30 ظاهرة خارقة حيرت العلماء " سرد خلالها بعض القصص الحقيقة التي لا يمكن أن يصدقها العقل البشري، ولكن علماء الباراسيكولوجي استطاعوا إثبات وجودها بالدليل العلمي، من خلال التجارب المعملية مثل ظاهرة التخاطر، أو انتقال الأفكار بين عقول البشر دون الاعتماد على الوسائل المعروفة، أو قدره العقل البشري على الرؤية عبر الزمان والمكان، وقدرة العقل على استحضار أحداث ماضية أو قادمة، أو قدرة الإنسان على التأثير في الأشياء" .
أما في كتابه عجائب العقل البشري فيقول عنايت:" على مدى أكثر من مائتي عام، دأبت العلوم العقلية، بكل ما وسعها من جهد، على تنقية المعارق العلمية من الخرافات، ومن رواسب المعارف السحرية القديمة، ولبعض الوقت اعتقد العلماء أنهم نجوا في هذا الأمر وأنهم استطاعوا أن ينظموا حقائق الكون، في معادلات رياضية محكمة، حتى أتى اينشتين بفضوله حتى بدأنا نسمع العلماء يتحدثون عن الفضاء المحدب والمادة المضادة، والزمن النسبي والجاذبية.. إلخ ثم توالت الاكتشافات العلمية بعد ذلك في مختلف فروع العلوم، ما جعل الإنسان ينظر إلى نفسه وإلى العالم من حوله في اندهاش".
ولم تقتصر مؤلفات راجي عنايت عند سلسلة "أغرب من الخيال" وإنما تطرق الأمر إلى الحياة الإنسانية والأسئلة المحيرة للإنسان بشأن علاقاته الإنسانية مع الآخرين، ليحاول من خلال كتابه "المناورات الخفية في حياتنا العائلية والجنسية والعلمية" للإجابة على تساؤلات يقف أمامها الإنسان ولا يعرف الإجابة، تلك الأسئلة التي تمس أكثر الأمور الحياة الشخصية حساسية، والتي يمكن الإجابة عنها بمجرد أن نفهم أساس تلك المناورات الخفية التي يتم ممارستها خلال الحياة اليومية.. ويقول عنايت:"سنكتشف أن مع كل تعامل بين البشر يكون له معناه الخفى المستور، الذي يتناقض مع معنا الظاهر للجميع وأن البشر يقيمون القدر الأعظم من علاقاتهم، على أساس مجموعة من السيناريوهات السرية، أو التعاقدات الضمنية غير المعلنة".
