الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

من قضية راجح إلى فتاة المعادي التحرش قضية الساعة في 2020.. حقوقي: العقوبة تصل إلى السجن 5 سنوات وغرامة 50 ألف جنيه.. خبراء: فراغ ثقافي وفكري والقوى الناعمة غائبة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ارتبطت ظاهرة التحرش خلال العام الجاري بالكثير من القضايا الخطيرة والمهمة التي عملت على إثارة الجدل وهزت الرأي العام بصورة غير مسبوقة، لاسيما مع خطورة تلك القضايا وقسوتها وكونها خرجت عن سياق الوقائع المعهودة داخل الشارع المصرى. 

وفى السطور التالية، تسلط "البوابة نيوز" الضوء على قضية التحرش، وعلى أبرز الوقائع التر تسببت في غضب الشارع، والوقوف على أسباب تلك الظاهرة التي استشرت خلال العام الجاري.

"دى الثقافة بتاعتنا للأسف، وده الفن إلى أولادنا بيتربوا عليها، اللى بيبنى في الولد روح الانانية والسادية والنرجسية، من خلال الافلام التى بتدعوا لنفس الفكر سى السيد ابو وشين، وش جاد ومتجهم مع افراد اسرته ووش مبتهج واخر مسخرة خارج البيت"، هكذا ترى رانيا عبد الفتاح، ربة منزل، سبب انتشار التحرش في المجتمع من قبل الشباب المنحرف.

وتابعت أن المشكلة يشارك فيها غياب التوعية، بجانب الثقافة السلبية التى تنتشر من خلال القوى الناعمة التي يتم استغلالها بصورة سلبية، وللأسف تجر معها الكثير من الشباب إلى الاعتقاد والإيمان بما يتم بثه من أفكار سلبية تنتشر على منابر مواقع التواصل الاجتماعي.

واستعرضت "رانيا" أمثلة للأغاني الشعبية وكلماتها السلبية، على غرار: "بهوايا أنت قاعدة معايا، مش هتبقى لغيرى أيوة أنا غيري مفيش"، والتي بحسب رأيها تعد منتهى الإهانة وعدم الاحترام لرأى المرأة أو البنت، فهي تشير إلى أنها لا رأي لها على نقيض الرجل الذى يعمل على تقرير مصيرها.

و لفتت إلى أن الثقافة هى مجموع الأفكار والعادات والتقاليد والأفلام والأغاني التي يتم بناء في ولادنا فكرهم واخلاقهم على أساسها يتعاملوا مع الآخرين.

وتعتبر مي صلاح، أن المشكلة تتفاقم وخاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تزداد بها مساحة الحرية بصورة كبيرة، وهو الأمر الذى يصل إلى حد التحرش أحيانا.

وحكت تجربة سيئة عاشتها عندما تعرضت للتحرش، قائلة: "أنا مرة واحد قعد ٤ شهور بيكلمنى من نمر مختلفة، وهو أصلًا ما يعرفنيش، كان بيكلم حد وطلب النمرة غلط، وفضل ٤ شهور بيكلمنى، لا نفع معاه ان رجل يرد، ولا نفع معاه الشتيمة ولا عرفت أعمل بلاغ، لأن الأرقام مش باسمه، فكان لازم أنا اللى أغير النمرة".

وتابعت "مى" أن وقائع التحرش تشير لوجود رجل لا يستطيع التحكم في نفسه، وهو ما يحتاج إلى ضبط، وأن الظاهرة منتشرة لجميع أنواع السيدات سواء المحتشمات أو حتى غير المحجبات، فالسيدة هنا قد لا تستطيع تفادى التحرش وهو الأمر الذى يشير إلى خطورة القضية.

وقائع هزت الرأى العام

ولعل أبرز الوقائع التي هزت الرأى العام المصرى، ما عرف بقضية شهيد الشهامة، والتي وقعت بمحافظة المنوفية، بعد قتل الشاب محمد راجح وآخرين، شاب حاول صدهم عن التحرش بفتاة، وهو الطالب محمود البنا، بالصف الثانى الثانوي، لاعتراضه على قيام راجح، بنهر إحدى الفتيات في الشارع، ومحاولة التعدى عليها، فاصطحب أصدقاءه وقاموا بقتل محمود وتركوه غارقا في دمائه ليتم حبس المتهمين بعد ذلك.

وظهرت قضايا أخرى مرتبطة بالتحرش الجنسي أيضًا، مثل واقعة الشاب أحمد بسام ذكى، التى هزت مواقع التواصل الاجتماعي ليتم تناولها إعلاميا على نطاق واسع، بعد أن تحولت القضية إلى قضية رأى عام، حيث تم اتهام "ذكى" بجرائم تحرش واغتصاب من قبل العديد من الفتيات، اللاتى أعلن تعديه عليهن وابتزازهن جنسيا بمواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول العديد من قصص التحرش من قبل الفتيات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم الإبلاغ عن الشاب والإعلان عن حبسه ومحاكمته حيث اعترف بجرائمه.

وظهرت بعد ذلك قضية فندق فيرمونت والمثيرة للجدل، والتي تفجرت أيضًا عبر مواقع التواصل، لتثير حالة من الغضب والذهول من هول ما تضمنته من وقائع مؤسفة، وتعود القصة إلى فتاة تم تخديرها من قبل عدد من الشباب داخل الفندق من خلال مخدر ghb ومن ثم التناوب في الاعتداء الجنسى عليها، لتفضحهم بعد ذلك، بعد أن كان المتهمون قد صوروا الجريمة، وحفروا حروفا من أسمائهم على جسدها، وبالرغم من تهديدها إلا أن الفتاة فضحتهم وأحيل الأمر للنيابة التي تتولى التحقيق.

إحصائيات وأرقام 

وعن الإحصائيات والأرقام، فإنه لا يمكن عمل إحصاء شامل للظاهرة ورصدها على مستوى الجمهورية، على اعتبار الكثافة السكانية وارتفاع نسب السيدات اللاتى يفضلن عدم البوح بما يتعرضن له، ولكن برغم ذلك فإن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء ذكر في العام الماضى خلال إحصاء له، أن ٦.٦٪ من النساء بمصر تعرضن للتحرش في المواصلات العامة، و٩.٦٪ هي نسبة النساء اللاتى تعرضن لأى شكل من أشكال التحرش بالشارع، وذلك خلال الاثنى عشر شهرًا السابقة للمسح.

جاء ذلك خلال بيان صحفي أصدره الجهاز بمناسبة اليوم العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة وذكر فيه أهم المؤشرات الإحصائية وفقًا لنتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النساء في الفئة العمرية (١٨-٦٤ سنة).

البعد الاجتماعي

وحول البعد الاجتماعي للظاهرة، قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، إن هناك خطورةفى اتخاذ مهنة التمثيل كوسيلة للربح المادى فقط بصرف النظر عن المضمون المبتذل، الذي يسهم ويساعد على ما يحدث بالشارع المصري من قبل هؤلاء الشباب وهو الأمر الذى يبرز بشكل خاص خلال المناسبات والأعياد.

وأكدت ان التحرش فعل بشع ويعكس تدنى مستوى الثقافة وعدم الوعى الاجتماعي وعدم الوعى بمبدأ التعايش بشكل سليم مع الجنس الاخر ضمن إطار النظام الاجتماعي الذي يجمع الذكر والأنثى قائلة "هؤلاء الشباب المتحرشون لا أخلاق لهم".

وأضافت خضر أنه يجب وجود ردع لتلك الحالات من قبل الأسر المصرية والدولة من خلال العمل على عقاب المتحرشين بشكل حاسم، حتى لا يمارسون هم أو غيرهم تلك العادة السيئة مرة أخرى. 

كما اعتبرت أن أغلب المشكلات الاجتماعية التى يعاني منها المصريون تأتي كنتاج لغياب التعليم وتدني مستوى التوعية من قنوات الاتصال المختلفة التي من المفترض أن تؤدى دورًا في تزكية الدور التوعوي والعمل على زيادته بالنسبة للمواطنين.

واستنكرت "خضر" غياب دور القوى الناعمة التى تعمل على الحد من انتشار تلك الظاهرة والتى تمثل أهمية كبيرة في تزكية الأخلاق والعمل على زيادتها، مؤكدة على ضرورة توخى الفتيات الحذر من الخروج في أماكن منعزلة أو غير آمنة وحدهن حتى لا يكونوا عرضة للتحرش.

العقوبات

وحول الشق القانونى لجريمة التحرش، قال وائل نجم، المحامى والحقوقى، إن التحرش يعتبر ظاهرة من ظواهر العنف ضد المرأة والتي يعاقب مرتكبوها وفقا للقانون المصرى، استنادا إلى المادتين ٣٠٦ (أ)، و٣٠٦ (ب) من قانون العقوبات، ويشمل التحرش لفظيا، أو بالفعل أو سلوكيا أو عن طريق الهاتف أو الإنترنت. وقد تصل عقوبة مرتكب جريمة التحرش - سواء كان لفظيا، أو بالفعل، أو سلوكيا، أو عن طريق الهاتف أو الإنترنت - إلى السجن لمدة تتراوح ما بين ٦ أشهر إلى ٥ سنوات بالإضافة إلى غرامة قد تصل إلى ٥٠ ألف جنيه مصرى. 

ولفت إلى أن التحرش الجنسى تتعرض له جميع الفئات والأعمار داخل المجتمع المصرى، والقضية لا تتمثل في الملابس أو السلوك لدى النساء مؤكدا أن الأسرة تلعب دور هام في مواجهة الظاهرة من خلال عملية التنشئة الاجتماعية.

وتابع أنه لا يوجد نص قانوني في الدستور المصري عن التحرش أو له تعريف فيه ولكن هناك ثلاث مواد في القانون الجنائى يمكن أن تُطبق في حالات التحرش وتشمل: الإهانة وهي جريمة صغيرة وتُنظر فقط في المحاكم الجزئية التي يرأسها قاض واحد وتصل عقوبتها من غرامة تصل إلى ١٠٠ جنيه أو السجن لمدة شهر. 

وأضاف أن النوع الثانى وهو التصرف غير اللائق وتعتبر هذه الحالة جريمة أكثر جدية وتُنظر في المحاكم الجنائية التي يرأسها ثلاث قضاة وتصل الأحكام القضائية فيها من غرامة إلى السجن لمدة ثلاث سنوات متابعا أن النوع الثالث هو الاغتصاب وتصل الأحكام القضائية فيها من ثلاث سنوات إلى ١٥ سنة في السجن.

وقال الدكتور عادل عامر، الخبير القانونى، إنه لا يوجد إحصائيات دقيقة عن معدلات التحرش عبر الإنترنت أو التحرش بشكل عمومى ولكن هناك نسب تقديرية فحسب وتشير تلك النسب التقديرية إلى ضبط ما يصل إلى ٢٠٠ ألف حالة تحرش منذ بداية عام ٢٠١٦ وحتى الوقت الحالى.

ولف عامر إلى أنه في العادة تتخوف السيدات من الحديث عن تعرضهن للتحرش، وهذا بسبب وصمة العار التي يرتبط بها مفهوم التحرش والتخوف من الفضيحة وهو الأمر الذي يعد امتدادًا للثقافة العامة التي تحكم تصرف الكثير من السيدات، مؤكدًا على أن هذا يكون سببًا في انتشار التحرش لأن المتحرش لا يحصل على العقاب أو الرادع المناسب.

وأضاف عامر أنه بالنسبة للتحرش الإلكترونى فان إعداده تزايدت بالفعل في الوقت الذى يعد فيه الجريمة الإلكترونية نظامًا ما زال حديثًا حيث يوجد الكثير من الفتيات اللاتى لا يعرفن بوجود مباحث الإنترنت هذا بجانب أن الإنترنت يعد وسيلة من وسائل التواصل غير المباشر الذى يشعر المتحرش أنه حر ولا يوجد رادع يوقفه.

وأكد على أن انتشار التحرش يعود إلى العديد من الأمور التي من بينها عدم وجود رقابة على الشبكة العنكبوتية، حيث توجد العشرات من المواقع الإباحية المفتوحة حتى وقتنا الحالى، رغم اتجاه العديد من البلدان إلى وقف تلك المواقع وإغلاقها مثل السعودية والإمارات على سبيل المثال.

وشدد على ضرورة وجود ثقافة ومعرفة بالجريمة الإلكترونية وتفعيل مبدأ العقوبات لكى يكون هذا رادعًا وعبرة لمن يتجه إلى التحرش بالسيدات أو ابتزازها من خلال استخدم مواقع التواصل الاجتماعي.







محمد عدالفتاح
محمد عدالفتاح: الحل في فرض القانون وإصلاح التعليم وتكوين نماذج سلوكية يقتدى بها



محمد عدالفتاح
سامية خضر: يعكس تدنى الثقافة وعدم الوعى الاجتماعي بمبدأ التعايش مع الجنس الآخر

البعد الاجتماعي والنفسى
واعتبر الدكتور محمد هانى، استشارى الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن التحرش يعد شكل من أشكال العنف الذى ينتشر في ظل غياب الضوابط الأخلاقية التي من المفترض التمسك بها منذ الصغر، وساهم في انتشار ذلك وسائل الاتصال المختلفة التي ساهمت في زيادة الهوة بين الأسرة وبين الشباب صغير السن، ويساهم في ذلك غياب التوعية وانحدار منظومة القيم التى لا يتمسك بها الشباب المتحرش.
وتابع أن وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، عملت على زيادة الحرية في استخدام الألفاظ الخارجة ومشاهدة المقاطع المثيرة التي قد تجعل الشاب الذي ما زال في طور تكوين شخصيته يتجه إلى السلوكيات العنيفة أو حتى المتطرفة نتاج ما يراه ويشاهده ويتأثر به في معزل عن الحضور للدور التوعوي المنوط بالأسرة تطبيقه.
ويقول الدكتور محمد عبدالفتاح، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر: إن ما يحدث بالشوارع والمناطق العامة من سلوك مغاير للمألوف من الاتجاه للتحرش بالفتيات من بعض الشباب غير السوى وخاصة في الأعياد العامة والمناسبات ناتج عن وجود فراغ ثقافي وفكرى وقيمى لدى هؤلاء الشباب صغير السن.
وتابع عبدالفتاح، أن علاج ذلك يأتى على مستويين، الأول ويتمثل في إقرار القانون الذي يمنع وقوع تلك الأمور، ويؤكد لهؤلاء الشباب بوجود رقابة وقانون يطبق بالبلاد، أما المستوى الثانى فيشمل إصلاح التعليم ووجود معلمين أكفاء، يستطيعون تكوين نماذج سلوكية يتم الاقتداء بها لدى هؤلاء الشباب، إضافة إلى وجود نماذج أشخاص ذوى احترام تقود البلاد ويقتدى هؤلاء الشباب بها.
بينما قال الدكتور محمد طه، أخصائي الطب النفسى، إن قضية التحرش، تعتبر قضية مجتمعية داخل مصر وليست فردية، ويجب لكى يتم مواجهة التحرش العمل على الوعى والتوعية النفسية والجسدية بكل الطرق المتاحة، وبجانب ذلك فلا بد من المحاسبة والعقاب وتنفيذ القانون أيضًا، وقبل ذلك تربية الأولاد والبنات والاستماع لهم وحمايتهم من المتربصين بهم، مع كفالة الوعى الذي يجعل قضية التحرش أمرا شاذا وهو الأمر الذى يستجوب العقاب والردع أيضًا ليكون هناك توازن وكفالة لعدم القيام بتلك الأفعال السيئة والتى نبتت بسبب العديد من القيم الثقافية الشاذة التى غزت رؤوس العديد من الشباب داخل المجتمع على غرار أن الرجولة عضلات وقوة وفحولة جنسية وأن "تعليق البنات" والسير معهن أمر عادى وأحيانا مطلوب ومرحب به، وأن الرجل أسمى وأعلى وأكمل من المرأة، وأن الأنوثة تعنى الضعف والصوت المنخفض ووجودها يعنى أن جسدها هو سبب مشكلات الكون، وهناك العديد من الأخطاء الفكرية المجتمعية أيضً على غرار "شورة المرة تجيب لورا" و"اكسر للبنت ضلع يطلعلها أربعة وعشرين".
وأوضح "طه" أن انتشار مثل تلك الأمراض الاجتماعية التى تسكن عقول البعض، ينتج العديد من المشكلات، منها خروج أجيال كاملة من الشباب الفخور بكونه ذكرًا وأجيال كاملة من الشابات التى تشعر بالدونية كونها أنثى، وتربى الأولاد بغض النظر عن مستواهم الاجتماعي أو التعليمى على الصوت المرتفع والسلوك العنيف والمتطرف وعلى التطاول والتحرش والصفاقة الجنسية، عوضًا على أنه في ظل الصمت والخوف على المرأة بدون وعى ودون تصرف فإن ذلك يفرز فتيات تتربى على الصمت والخوف وبلع التحرش والإهانة الجسدية التى تتعرض لها وهو ما يعمل على زيادة التحرش والمشكلات الاجتماعية المرتبطة به.