السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وتظل الجسور معلقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"الجسور المعلقة" ديوان صدر من بضعة أسابيع، للشاعر المتوهج والطبيب المتميز د.عمرو فرج لطيف الذى جمع بين العلم بنظرياته الجافة، وبين الموهبة الشعرية برقتها وعذوبتها..وهذا الديوان هو الثالث له بعد ديوانيه:"منحوتة إغريقية، وهلاوس إيقاعية"..وأهم ما يميز ديوانه الجديد هو عنوانه الواصف لسمات الدنيا التى نحياها، فهي من تعلق الجسور التى نأمل عبورها، ونتسابق ولا نصل لتظل دائما هناك آمال للعبور..وقد شرفت بكتابة مقال سابق عن هذا المبدع، وذلك لعدم اهتمام الإعلام بالحركة الثقافية (الشعرية والأدبية) فيظل عمالقة العصر في منأى عن الشهرة والتقدير المستحق.. فهذا الشاعر يتجاوز بعمق موهبته وجزالة ألفاظه عمره بمراحل -حيث ولد في ٦ يوليو ١٩٨٣- وقد كتبت عن أشعاره في العشق الإلهى، والتى أمتعنا بغنائها عميد المنشدين الشيخ ياسين التهامي.. أما هذا الديوان المتميز فقد تنوعت موضوعاته بين الشعر الرومانسي سواء في شكل الغزل الحسى الصريح مثل قصيدة "شغف" وفيها:"لما دعتني للغرام ودندنت، لحن الوصال على الشغاف، وصرّحت: أن هيت لك، وتحضرت، وتقاربت، وتباعدت، وتأوهت، وتلعثمت، بالشوق تصرخ رغبة: ما أجملك. إني التجأت إلى حنانك سيدي، يا سيدي، اسعف فمي، واحمِ بحضنك جنتي، من ليل أنات العواصف والمطر، بجميع أحلام العذارى، شرعت باب التطرف والخطر، قد غلقت أبواب صبري دونها".. أو بالغزل العفيف بتعبيرات بريئة وراقية مثل "نوارة": "يا أَنْتِ يَاْ نُوَّارَ عِشْقٍ مُلْهِمٍ، وقَمِيصَ يَعْقُوْب بِمَوْجِ خَيَاْلِي. يا مُنْتَهَى أَمَلِي بِكَوْنِ بِدَايَتِي، يا قَبْضَةَ الْأثَرِ النَّقِي الْخَتَّالِ. يا مَوْجَةَ الْأَذْكَاْرِ فِي صَدْرِ التَّقِيِّ، وتَوْبَةَ الزِّنْدِيِقِ بَعْدَ ضَلَالِ. أتلُوْكِ فَاْتِحَةَ الْكِتَاْبِ بِرَكْعَتِي، فتَغِيبُ فِي رَجْعِ الصَّدَى آمَاْلِي".. كذلك احتوى الشعر الصوفى الذى برع فيه مثل "قاف" وفيه: "تَجَرَّدْتُ عَنْ مُفْرَدَاْتِ الْحَيَاْةِ، وسَافَرْتُ نَحْوَ الْمَقَاْمِ الْبَعِيْد. بِأَوْرَاْدِ ذِكْرِيْ، بِطُهْرِ الصِّيَامِ، بِصَبْرِيْ، بِطَيْفِ الْغَرَاْمِ الْعَنِيْد. بِجَوِّ السَّيَاحَةِ فِي الْخَلَوَاتِ، بَصَفْو السِّبَاْحَةِ وَسْطَ الْوَرِيْد. فَحَالِيْ مَقَاْلِيْ بِكُنْهِ الْغِيَاْبِ، وَأَسْلُكُ فَجَّ الصَّفَاءِ الْوَرِيْد. وَمَاْ زِلْتُ أَحْيَاْ بِحُسْنِ الظُّنُوْنِ، بِظِلِّ التَّنَزُّهِ عَمَّاْ أُرِيْد. وَيَبْقى حَلَاْلِي بَأَنِّيْ أَمُوْتُ، لِأَحْيَا أُرَدِّدُ (هَلْ مِنْ مَزِيْد). فَطَوْرًَا تَرَانِيْ بِحَالِ الشِّيُوْخِ، وَطَوْرًَا تَرَاْنِيْ بِثَوْبِ الْمُرِيْد. وَمَا ذَاْكَ إِلَّا شُهُودُ الْوُجُوْدِ، وُجُودُ الشُّهُودِ بِصُلْبِي الشَّرِيْد. وَعَيْنُ الْحَقِيْقَةِ فِيْ ذِكْرِ (ق) بِقُرْآنِ رَبِّي الْحَمِيْدِ الْمَجِيْد".. ولم يغب عنه قضايا العروبة فأحيا بكلماته مفهوم الوطن والأمة العربية كما في "مقطع طولي في رأس مواطن عربي" وفيها: "معجونة بالدمع بالآهات بالخذلان كل مدائني وبكل أوجاع الغياب، بكل أنات المطر، بمواء قط بائس تُرْدِيه سكين التشرد والعطش، ولكم بكى في صمته قهرا وأنّ بنباح كلب أجرب، قد بات يتبع ظل صاحبه القديم، لعله من تحت أنقاض الدمار يمد كفا حانيا برغيف أمن ساخن فيعيد إحساس السكون إلى الوطن....في كل جذر نابت، من صخر ويلات الزمن، رفض، ورغبة ثائر، وحقيقة، تحكى، تقول بأنه، (إن الذين يبايعونك إنما) قد بايعوك على التجلد للعدا، والله يكفى قومنا شر الفتن.. لتعود ليلى للعراق مجددا. ويعود مجد الثائرين إلى الحجاز إلى اليمن".. ولم يخل ديوانه من الحكم والعبر التى يختزلها في كلمات قليلة تحوى معانى كثيرة وكبيرة مثل "تغافل" وتقول: "غَاْفَلْ أَوْ تَجَاْهَلْ ثُمَّ فَاْمْنَحْ، جَمِيْلَ الصَفْحِ مِنْ غَيْرِ امْتِهَاْن. وَلَاْ تَمْنَحْ أَمَاْنَكَ لِلْكَذُوُبِ،وَكُنْ جَلْدا إذَاْ جَاْرَ الزَّمَاْن".. كما عبر عن همومنا المعاصرة مثل أبياته بعنوان"كورونا" والتى تقول:"ولست أخاف (كورونا) تصيب فلي ثقة بربي ثم ديني. بقلب حاضر بلسان ذكر، وبالأسباب نأخذ كل حين. وإن ضاقت علوم الطب تبقى، فضائل ستر رب العالمين"..وقد ضم الديوان نصوص شعرية ونثرية بالإضافة لقصائد بالنبطية الخليجية، إلا أنه تمتع بشكل عام بلغة سلسة رغم عمق المعاني ورصانة الألفاظ.. ولم يحاول لى أذرع الوحى الإبداعى، بمحاولة إطالة النصوص بل اكتفى بتدفق الفكرة كما جاءته، مما جعله يمسك بزمام كلماته ويحتفظ بوهج المعاني وانسيابها دون تكلف، فتارة نجد نصوص لا تتجاوز بيتين أو ثلاثة مثل"جوعان" وتقول: "الجهل والفقر المغلف بالتعسف والغضب، من بعض أسباب الفتن. ما كان للجوعان عقل أو عيون أو أذن".. وتارة نرى نصوصا أخرى تمتد لعدة صفحات مثل جنة بغداد، ومرثية العروبة..ويظهر في لغته بشكل عام تأثره بالثفافة الإسلامية، حيث تقترن تعبيراته بها حتى في وصف المرأة والشغف بها.. ويستخدم بكثرة التناص مع القرآن الكريم، وهو ما يعطي لتعبيراته وقارا وهيبة ويضفى على قصائده جمالا يجعلها تختطف الآذان والقلوب..وقد حاولت أن أتجول بين ثنايا هذا الديوان القيم لأعرض أجمل ما فيه، ولكن استحالت مهمتي لروعة كل ما جاء فيه.. وتبق أمنيتى بإنعاش الحركة النقدية لينال الإبداع القيم حقه في الدراسة والتقييم.