الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مياه النيل حق أمم وشعوب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أرى حتى اللحظة حالة من الضبابية حول كل جولات المفاوضات بشأن سد النهضة الحالية بين مصر والسودان وإثيوبيا، من بدايتها، وحتى الجولة الأخيرة برعاية الاتحاد الأفريقى، والتى سعت لإذابة جبال الجليد، والتى ما زال سببها الرئيسى هو أديس أبابا، والتى دخلت معركة دبلوماسية مع أى جهة أو دولة تبدى رأيها فى الملف، وآخرها الولايات المتحدة الأمريكية، لمجرد توجيه انتقاد لها لإفشال مساعى الرئيس دونالد ترامب، ووزارة الخزانة لإبرام اتفاق.
وكلنا نتذكر الموقف الغريب الذى اتخذته إثيوبيا، بمقاطعة اجتماع خاص بدعوة واشنطن ورعياتها للتوقيع على اتفاق، كان قد تم التوافق عليه، إلا أن المفاجأة كانت بتغيب الجانب الإثيوبى عن الاجتماع، بينما حضرت مصر والسودان، وتم إعلان اتفاق لا قيمة له، مع غياب أديس أبابا.
وقبل أسبوعين كان ترامب قد وجه انتقادا لاذعا وشديد اللهجة لإثويبيا، لأنها أفشلت مشروعه لتجاوز أزمة سد النهضة، وهو ما اعتبره ترامب، موقفا مشينا، وكان رد فعل رئيس وزراء إثيوبيا ووزارة الخارجية، عنيفا، وجرى تبادل اتهامات، وعملية استدعاء للسفير الأمريكى، وتسليمه احتجاجا على تصريحات ترامب، والذى أعلن وقف مساعدات أمريكية لأديس أبابا، ثم تلى ذلك دخول إسرائيل طرفا، كان واضحا أنه لصالح إثوبيا، دون أى حوار للقضية الرئيسية، التى تتمثل فى حقوق كل الأطراف فى مياه النيل.
وقبل ذلك بأيام، اعترف آبى أحمد أمام البرلمان الإثيوبى بوجود أزمات فنية ومالية تواجه سد النهضة، إلا أنه أكد على الاستمرار فى العمل لبناء السد، واستكمال مراحلة، معلنا الانتهاء من الجزء الرئيسى.
وقبل أيام استعرض الرئيس عبدالفتاح السيسى وعبدالفتاح البرهان رئيس المجلس الرئاسى الانتقالى فى السودان تطورات ملف سد النهضة، واتفقا على أهمية قضية المياه بالنسبة للبلدين باعتبارها مسألة أمن قومى، مع تمسك البلدين بالتوصل إلى اتفاق قانونى ملزم يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل سد النهضة. 
فى ظل هذا الأجواء جاءت جولة المفاوضات الأخيرة بين مصر والسودان وإثيوبيا، ووفقا لما تم الإعلان عنه رسميا، فشل هدفها فى تنقيح صيغة مشروع الاتفاق، أملا فى التوصل لاتفاق عادل بين الأطراف المختلفة، ويحقق مصالح حقوق مصر والسودان المائية، وحق إثيوبيا فى التنمية، وألقى الحجر فى يد الاتحاد الأفريقى الراعى لها.
ورغم فقدان الثقة فى مواقف أديس أبابا، إلا أن مصر أبدت حُسن النية، ووافقت، على مشاركتها فى الاجتماع الذى دعت إليه جنوب أفريقيا، بمشاركة وزيرى خارجية والمياه فى السودان وإثيوبيا، لإعادة إطلاق المفاوضات الخاصة بسد النهضة.
شددت مصر وعلى لسان المهندس محمد السباعى المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والرى، استعدادها للتفاوض بجدية لإنجاح هذه المحادثات من أجل التوصل إلى اتفاق عادل متوازن يحقق مصالح الدول الثلاث. 
وكانت هناك تمنيات، بأن تتوافق الاجتماعات مع مخرجات اجتماعات هيئة مكتب الاتحاد الأفريقى التى عقدت على مستوى القمة، وكذلك الاجتماع السداسى لوزراء الخارجية والمياه بالدول الثلاث الذى عُقد يوم 16 أغسطس الماضى، والذى كلف الدول الثلاث بالتفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق قانونى مُلزم يُنظم ملء وتشغيل سد النهضة. 
إلا أن النتائج عززت من حالة القلق والتخوف التى تسيطر على المراقبين لملف سد النهضة، والتى ترتبط بإعلان الأطراف الثلاثة فى وقت سابق عدم قدرتهم على تجاوز الخلافات، وما تلى بعد ذلك من جريان لمياه كثيرة، فى نهر ملف اتسم بحالة من الركود لسنوات وليس شهور، وحالة "تمييع متعمدة" لأى خطوة قد حدثت أو قد تحدث فى قضية أمن قومى لبلدى المصب لنهر لنيل "مصر والسودان"، بسبب تعنت بلد المنبع، وهى إثيوبيا.
قد تكون تصريحات ترامب أقلقت أديس أبابا، خصوصا قوله، "الوضع خطير للغاية لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة، وسينتهى بهم الأمر بتفجير السد، وقد قلتها، وأقولها مجددا وبصوت عالٍ وواضح، سوف يفجرون ذلك السد، عليهم أن يفعلوا شيئا ما".
وفى المقابل فقد غازلت تصريحات ترامب - وإن كانت سياسية - قلق الشعب المصرى على حياته، وإن مرت هذه التصريحات مرور الكرام، إلا أننى أعتقد أنه قد تكون أديس أبابا قرأتها بشكل جيد، رغم ما قاله آبى أحمد "إن سد النهضة يعود لبلاده، وأنه لا توجد قوة تمنعها من تحقيق أهدافها بهذا الشأن".
مسيرة طريق المفاوضات فى هذا الملف برمته، ما زال مليئا بالأشواك، التى خشنت غصونها فى الشهور والسنوات الماضية، إلا أن القضية لا بد أن تنتهى، ويتم تصحيح أخطاء سنوات من التفاوض، حول حقوق أعتقد أن مصر والسودان، أصبحتا على يقين بأن أى تفريط أو تهاون فيها خيال فى ذهن الطرف الآخر، المتمثل فى دولة "المصب"، وأن غلق الملف يتطلب حلا يحقق أمن أمم وشعوب.