الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الاستقطاب الكروي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل عشرين عامًا من الآن لم تكن جماهير الكرة تجلس في المدرجات حسب انتمائها، بل كان المشجع الأهلاوى يجلس إلى جوار المشجع الزملكاوى، ولم تكن حالة التعصب قد بلغت إلى حد الاقتتال والاغتيال المعنوى بفيديوهات مفبركة وشتائم قذرة وكومكسات ساخرة، كنا نشاهد المباريات عصر كل جمعة فنستمتع بالأداء الجيد لأى فريق بغض النظر عن انتماءاتنا، وكان لزامًا علينا بل واجبًا أن نشجع أى فريق مصرى يلعب في القارة السمراء أو مع أى فريق ينتمى لدولة أخرى، فهو يلعب باسم مصر، لم نسمع عن أهلاوى يتمنى خسارة الزمالك من فريق مغربى أو تونسى أو تنزانى والعكس صحيح، قبل عشرين عامًا لم نكن نعرف الألتراس، ولم نكن نعرف إعلامًا رياضيًا بهذه الألوان المتعصبة، بل كنا لا نعرف انتماء الإعلاميين الذين يقدمون البرامج الرياضية، إذ كان الحياد هو السمة الغالبة على جميع البرامج الرياضية، ذلك عندما كانت لدينا وزارة قوية للإعلام وجهاز تليفزيون يدار بواسطة أشخاص أكفاء يملكون رؤية إعلامية تنبع من التزام وطنى كامل، حتى الصحف الرياضية ومجلات الأندية كانت تلتزم الأدب فيما تكتب، وكانت الأقلام فيها تحترم الأندية المنافسة، وتحترم تاريخ رموز كرة القدم في وطننا، فلم نقرأ يومًا تجريحًا منشورًا في مجلة الأهلى عن حلمى زامورا أو عن حمادة إمام أو غيرهما من رموز نادى الزمالك، ولم نقرأ في مجلة الزمالك يومًا كلمة نابية في حق صالح سليم أو حسن حمدى أو غيرهما، وكان أعضاء مجلس إدارة الأهلى أو الحضور في حفلات نادى الزمالك والعكس صحيح، قبل عشرين عامًا من الآن كان الدورى يلغى إذا اقتضت مصلحة الفريق القومى، هذا وكنا ننتظر مباريات الفريق القومى لتتحد الأعلام بعلم مصر، ونتناسى الانتماءات، وكان لاعبو الزمالك يذهبون إلى لاعبى الأهلى لتهنئتهم إذا فازوا ببطولة ويلتقطون صورًا للذكرى تباع على هيئة كروت صغيرة، فكنا نجد صورة الخطيب وحسن شحاتة وصورة فاروق جعفر مع مصطفى عبده وصورة إكرامى مع عادل المأمور..قبل عشرين عامًا من الآن لم نكن نسمع عن (الكابو) والدخلات ووايت نايتس وألتراس أهلاوى، وتلك الأغانى التى تدعو للتشجيع الأعمى والموت في سبيل مباراة لكرة القدم، ولا أدرى من ذلك المفسد الذى أدخل مصر فكرة الألتراس ناقلًا التنظيم بأفكاره ومبادئه التى انتشرت في ملاعب أمريكا اللاتينية أولًا ثم في ملاعب أوروبا، والغريب أن دولًا كثيرة عربية وأفريقية بل وأوروبية لا تعرف الألتراس، فلماذا جاءنا هذا التنظيم مع بداية الألفية الثالثة ليقضى على كل ما هو جميل في التشجيع الكروى المصرى، ويدعو للتعصب الأعمى وشتم الآخر وعدم احترام الكبير، ترى من كانت له المصلحة في إدارة هذا التنظيم الذى صار مرعبًا للجميع وشبحًا يهدد الاستقرار، حتى أن المحكمة قضت في 2015 بحظر روابط الألتراس واعتبارها جماعة إرهابية، ورغم هذا الحكم القضائى إلا أن جماعات الألتراس ما زالت موجودة وتشكل خطرًا مجتمعيًا كبيرًا، ولعل هذا هو أحد الأسباب الرئيسية التى تجعل أجهزة الأمن تعترض على إعادة الجماهير إلى ملاعبنا، وأما الإعلام الرياضى فحدث ولا حرج، فمنذ انطلقت إحدى القنوات الرياضية في 2007 تزامنًا مع ظهور الألتراس بشكل كبير في مدرجاتنا والأمر بات يدعو للقلق، فالقناة التى كانت تدعى الحيادية هى من أفسحت لرياضيين أصلوا للتعصب، حتى انتهى بها الأمر إلى الغلق في 2013 بقرار من مالكها، ولكن بعدها صار كل إعلامى يرفع لواء النادى الذى ينتمى إليه مؤصلًا إلى روح الفُرقة والتعصب والشرذمة حتى وصلنا إلى مانحن فيه الآن من استقطاب كروى بين جماهير الأندية لاسيما الناديين الأكبر في مصر والوطن العربى، فإلى متى نظل على هذه الحالة؟ أما آن لهؤلاء الذين أفسدوا الحياة الكروية في مصر أن يصمتوا للأبد، وأن يفسحوا المجال للشرفاء الذين يقدمون مصلحة الوطن على مصالحهم الشخصية، أما آن للإعلام الكروى أن يستقيم، لماذا الإصرار على نفس الوجوه المتعصبة، لماذا نذوق السم في العسل دائما، لماذا تتحول القنوات إلى منابر لأصوات دعاة التطرف، وبالمناسبة فإن كلمة ألتراس باليونانية تعنى التطرف.