الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

"الأزياء في الثقافة الشعبية" جديد هيئة الكتاب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
صدر حديثًا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة الثقافة الشعبية كتاب "الأزياء في الثقافة الشعبية" للمهندسةعلا الطوخي المدرس المساعد بكلية الفنون التطبيقة بجامعة بنها من تقديم الكتاب الدكتور عبدالحكيم خليل رئيس قسم العادات والمعتقدات والمعارف الشعبية بالمعهد العالى للفنون الشعبية.
ويتناول الكتاب الأزياء الشعبية في دلتا مصر بلغة اتسمت بالدقة والسلاسة والوضوح العلمي والموضوعي، فالأزياء الشعبية من الموروثات التي تعكس وتعبر عن حضارة الأمة عاداتها وتقاليدها وتراثها، وهي وسيلة للكشف عن جوانب من مقومات الشعب الفكرية والوجدانية والعقائدية، كما أنها تعطى صورة عن المجتمع المتواجدة فيه لتصور لنا تفاعل الإنسان مع البيئة الأجتماعية المحيطة به.
ولا نبالغ إذا قلنا إن الأزياء والملابس من أكثر شواهد الثقافة الشعبية تعقيًدا، إذ تعتبر من الحاجات والطقوس الممتدة عبر حياة الإنسان يستدل بها على كثير من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويستدل غالبًا من خلال لابسها على انتمائه الطبقي ومنزلته الاجتماعية وعمله وجنسه وعمره. وهى إن اختلفت في أشكالها وألوانها فإنما تعبر بذلك عن مراحل تاريخية مختلفة مرت بها الأمة، وسجلت على القماش أفراحها وعاداتها وأساليب حياتها المختلفة.
ومنطقة الدلتا التي اختارت منها الباحثة محافظتي القليوبية والمنوفية مجتمعًا لدراستها منطقة عريقة ذات أصول وجذور تاريخية ضاربة في الأعماق، وهى منطقة ارتبطت بنهر النيل وعاشت على ضفتيه مكونة حضارتها عبر آلاف السنين, لذلك أتت أزياؤها بشكل يتناسب مع طبيعة البيئة النيلية في الألوان الجميلة، وفى الشكل الفضفاض، تقترن بالذوق الفني الرفيع في رسم الخطوط العريضة لحاجة الإنسان والدقة في اختيار الخامة، وتفصيلها وإضافة لمسات جمالية مبهرة عليها. ويتجلى ذلك بوضوح في الأزياء الشعبية النسائية، التي اعتنت بجسم المرأة كقيمة جمالية وأخلاقية. فالاهتمام بخفة الخامة وبتجانس الألوان، وبدقة ضم الشرائح إلى بعضها، مع التطريز، جعلت الثوب الشعبي محببًا لأجيال عديدة حتى يومنا هذا، مميزًا وملفتًا للنظر من بين أزياء شعوب العالم.
وقد سجلت الأزياء الشعبية اليوم حضورًا قويًا وأصيلاً داخل المجتمع محل الدرس، لا يفقد بريقه وتألقه..وبالقدر الذي يتراجع انتشاره بين الناس بشكلها الأصلي، بالقدر ذاته الذي يدفع أصحابها إلى التمسك بها والزود عنها والظهور بها في كل المناسبات اليومية والاحتفالات الشعبية التي تحفظ عليهم هويتهم وتراثهم الشعبي وموروثهم الحضاري. فالأزياء الشعبية... ماضي الجدات الذي يجدد شبابه داخل المجتمع.
ويعد مجتمع الدراسة خير دليل على مقولتنا السابقة في حرص المجتمع المصري على التمسك ببعض أزياءه التقليدية الشعبية التي لازالت تعبر عن خصوصيته وهويته الثقافية عبر التاريخ.
وقد حرصت الكاتبة على المساهمة في دراسة ونشر الثقافة التقليدية والحفاظ عليها خوفًا من الاندثار وذلك بمحاولة التوصل إلى اقتنِاء وتسجيل التراث وتحليله بالكشف عن أصوله، والمؤثرات الحضارية التي جعلت له طابعًا مميزًا. كذلك إبراز الأساليب المختلفة من خلال ما يحمله من خصائص ومسميات وإمكانية الإستفادة من هذا التراث وتطويره بما يواكب العصر الحديث تنمويًا وفنيًا وحضاريًا.
وعرضت المؤلفة في تسلسل إبداعي منسوج موضوعاتها المترابطة والتي أكسبت طرحها روحًا رقيقة وآمالاً قابلة للتحقق يمكن رصدها بين ثنايا هذا الكتاب الذي يعد في بُعد من أبعاده حلقة علمية تضاف إلى ماتم رصده في ثقافتنا الشعبية المعبرة عن هوية الجماعة الشعبية وملامحها ثقافيًا وفنيًا، عارضةً تطور أزياء الجماعة الشعبية وأهم ابداعاتها ومبدعيها، متعقبة ما آلت إليه في مجتمعنا المصري.
ولم تغفل الباحثة كذلك عن البعد الطبقي المميز لبعض الأزياء الشعبية عن غيرها في مجتمع الدراسة فتتميز بها طبقة مميزة أو ميسورة عن طبقة فقيرة في المجتمع ذاته من خلال عادات المجتمع وتقاليده الموروثة.
كما تناولت أيضًا الملابس في المعتقدات الشعبية بما ترتبط به هذه الملابس من تصميمات روحية تختفي في طياتها الكثير من المعان والرموز التي تحمل وتنقل المكانة أو البركة إلى مَنْ يلبسها، وتتضمن بين معانيها حيوية الطبيعة فى غزارة الغيث، وفيضان الأنهار، وخصب الأراضى الزراعية، فلا تقف الثياب عند حد ستر الجسم أو الوقاية من البرد أو الحر، فغسيل الثياب أو تفصيلها أو لونها المميز وزخارفها وتطريزها كل هذا له معان كثيرة عند المجتمع الشعبي ومعتقداته التي يؤمن بها.
كما عرضت للأزياء النسائية في الثقافة الشعبية تعبيراً حقيقيًا عن جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمع الدلتا.
وقد ختمت دراستها بعرض زي الرجل المصري المتميز بالبساطة وقلة وندرة الزخارف المطرزة خصوصًا في العصور الحديثة وهو يختلف حسب العمر والحالة الاجتماعية.
هذه الرحلة العلمية الممتعة والشيقة في القراءة، لازمتها عروضًا تصويرية رسمت أبعاد الزي وتفصيلاته ومكملاته.
وما أدهشَنِي كثيراً في حقيقة هذا العمل، هو ثراءُ المادة الميدانية التي قدمت لها الكاتبة داخل مجتمع الدلتا وغناها وتنوّعُها من خلال عرضها للطابع المميز للملابس من حيث نوع ولون الملابس والزخارف وذلك تبًعا للمناخ والعادات والتقاليد والحضارة.
وقد اعتمدت أسلوب تقسيم الموضوعات في شكل موضوعي ومتسلسل، بحيث يشكل كل فصل من فصول الدراسة وحدة قائمة بذاتها، مقدمة بطريقة سهلة مبسطة، مركزة في بداية كل فصل على المشكلات التي يتضمنها الفصل، ثم التطرق بعد ذلك إلى معالجة هذه المشكلات التي تم طرحها مختتمة كل فصل بمجموعة من النتائج التي تخدم سياق هذا الطرح العلمي.
وأخيرًا أستطيع أن أقر بنجاح الكاتبة والباحثة الفنانة علا الطوخي فى تشكيل تكوينات فنية فريدة، حملت من القيم الجمالية، ما يجعل من التصميمات التي عرضتها عنصرًا جماليًا معبرًا عن الأفكار والأساليب الفنية المختلفة داخل إطار هذا الكتاب.
إنني إذ أضع هذا الكتاب بين أيدي القراء المتخصصين والمهتمين بهذا الجانب المعرفي شديد الخصوصية والأهمية في الثقافة الشعبية فإن هدفي الأساسي هو أن يبذلوا جهدًا طيبًا للاستفادة من محتواه المعرفي.