الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

طه حسين يقدم نصائح لتعليم اللغة والأدب في "الشعر الجاهلي"

  طه حسين
طه حسين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
وجه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين خلال كتابه "في الشعر الجاهلي" عدة نصائح لإصلاح تعليم اللغة العربية.
عميد الأدب، الذي تحل ذكرى رحيله في الثامن والعشرين من شهر أكتوبر الجاري، حيث رحل في العام 1973، أكد أن "الإصلاح محتوم لا مفر منه، وما سبيل هذا الإصلاح؟ لهذا الإصلاح سبيلان: إحداهما تعلة نلجأ إليها الآن مضطرين؛ لأننا لا نجد خيًرا منها، فلا بد لنا من أن نتعلل بها، حتى نستطيع أن نصل إلى السبيل الثانية، وهي القويمة المتينة المنتجة. فأما الأولى فهي أن نجتهد ما استطعنا في أن نحبب إلى طلاب المدارس العالية وتلاميذ الثانوية والابتدائية قراءة النصوص العربية وتفهمها، ونقرب إليهم هذه النصوص، ونحسن لهم اختيارها، ونظهرهم على أن الأدب العربي ليس -كما يمثله لهم معلموها جدبًا عسر الهضم، لا سبيل إلى إساغته ولا إلى تذوقه، وإنما هو من الشيوخ- جاف على عكس هذا كله لين هين خصب لذيذ، فيه ما يرضي حاجة الشعور، وفيه ما يُقوم عوج اللسان، وفيه ما يُصلح من فساد الخلق، وفيه ما يُرضي حاجة الإنسان في حياته الفردية والمنزلية والوطنية والإنسانية أيضا. 
وإذا كان الشيوخ من المعلمين قد عجزوا إلى الآن عن أن يظهروا تلاميذنا وطلابنا على هذه النواحي العذبة الخصبة من أدبنا العربي، فلا أقل من أن تلجأ وزارة المعارف إلى الذين يستطيعون أن يعرضوا على شبابنا هذه الصور الجذابة الحلوة من هذا الأدب البائس بأهله ومحتكريه! نعم، يجب أن تلجأ وزارة «المعارف» إلى طائفة من الفنيين الذين يدرسون الأدب العربي في ذوق، ويقرءون اللغة العربية في فهم وفقه، ويتخذون منهما ومن العناية بهما لذة ومتعة، لا وسيلة إلى العيش وقبض الراتب آخر الشهر. يجب أن تلجأ وزارة المعارف إلى طائفة من هؤلاء الفنيين، تطلب إليهم أن يتخيروا للشبان من آثار الشعراء والكتاب والعلماء في العصور الأدبية المختلفة ما يقرءون ويدرسون في المدارس، أو بعبارة أدق ما يتعللون به في المدارس، حتى تستطيع الوزارة أن تصل إلى تلك السبيل الثانية، التي هي وحدها طريق الإصلاح الأدبي المنتج، وهذه السبيل الثانية هي إعداد المعلمين.
نعم! إعداد المعلمين الذين يعلمون اللغة العربية؛ فليس في مصر أساتذة لهذه اللغة، لا من حيث إنها أداة للتعبير ووسيلة من وسائل البيان، ولا من حيث إنها مظهر من مظاهر التاريخ ومرآة لحياة الأمة وموضوع للبحث العلمي، ليس في مصر أساتذة للغة العربية وآدابها، وإنما في مصر أساتذة لهذا الشيء الغريب المشوه الذي يسمونه نحوا وما هو بالنحو، وصرفًا وما هو بالصرف، وبلاغة وما هو بالبلاغة، وأدبًا وما هو بالأدب؛ إنما هو كلام مرصوف، ولغو من القول قد ضم بعضه إلى بعض، تُكره الذاكرة على استيعابه فتستوعبه، وقد أقسمت لتقيئنه متى أتيح لها هذا، ومن الذي يستطيع أن يقول إن في مصر أساتذة للغة العربية وآدابها؟! وأنت تستطيع أن تتقصى هذه الطائفة التي احتكرت اللغة العربية وآدابها بحكم القانون، فلن ترى فيها إلا قليلا عرفوا أو يمكن أن يعرفوا بالذوق الأدبي والفقه اللغوي، وأين منهم الكاتب! وأين منهم الشاعر! وأين منهم الناقد! وأين منهم القادر على أن يبتكر فنٍّا من فنون القول أو لونًا من ألوان العلم أو أسلوبًا من أساليب البيان؟! ها هم أولاء قد احتكروا تعليم اللغة وآدابها منذ نصف قرن، فهل تراهم استحدثوا في اللغة وآدابها بحثًا طريفًا، أو نشروا فيها كتابًا قيما؟! تعال نحص آثارهم العلمية في اللغة وآدابها منذ نظم التعليم المدني في مصر: كتاب مدرسي في النحو والصرف، لا يشك أحد الآن في أنه ضئيل نحيف جدب لا يفي بالحاجة، ولا يمكن الطلاب من أن يقرءوا نصا عربيٍّا، عسيرا بعض العسر على وجهه، ويفهموه كما ينبغي أن يُفهم، وشيء مثله في البلاغة، من الإثم أن يُسمى بلاغة؛ لأنه حول هذه الفنون الأدبية الحلوة التي ينبغي أن يجد فيها الطلاب لذة ونعيما إلى صيغ جافة معضلة كصيغ الجبر والهندسة، إلا أن صيغ الجبر والهندسة تدل على علم قيم، وصيغ البلاغة هي التي لا تدل إلا على جمود وجفوة في الطبع، وكتاب أو كتابان في الأدب وقاك الله شر النظر فيهما، يكفي أن تذكرهما للتلاميذ لتعرف في وجوههم السأم والضجر، وبغض اللغة العربية وأساتذة اللغة العربية.